الضفة الأخرى..مقبرة الأحلام

الرئيسية » حياة وتكنولوجيا » الضفة الأخرى..مقبرة الأحلام

دائما ما يردد على اللسان المغربي المثل القائل “قطران بلادي و لا عسل البلدان” هل مازال العمل بهذا المثل قائما؟ هل أحفاد طارق بن زياد متشبثون بأرضهم وأوطانهم أم طامعون بالعبور إلى ضفة الفردوس المفقود رغم قساوة العيش وضيق الأفق؟؟؟

بعد تسعينيات القرن الماضي، كثر الحديث داخل الأوساط الأسرية المغربية، عن ظاهرة الهجرة  التي أصبحت تقض مضجع السواد الأعظم من هذه الأسر، سواء كانت سرية نحو الضفة الأخرى أو ما يعرف باللغة العامية بـ “الحريك”، والتي غالبا ما يفهم من معناها حرق المسافات أو حرق أوراق الهوية حتى يصعب التعرف على الشخص والقيام بإرجاعه إلى وطنه الأم، أو النوع الثاني منها والمتمثلة في هجرة الأدمغة والكفاءات نحو أوربا وأمريكا للبحث عن غد أفضل و كذا مستقبل آمن.

فأمام هذه الوضعية المزرية التي أصبح عليها شبابنا، وحمى الهجرة التي ألهبت العقول والصدور، أصبح السؤال يطرح نفسه وبإلحاح. لماذا هؤلاء الشباب يضحون بأنفسهم ويرمون بها في أحضان المغامرة ويركبون الخطر في الليالي المظلمة؟؟ وهل هناك حلول تمكننا من مواجهة قوارب الموت ومخلفاتها؟؟؟

تتضافر جملة من الأسباب والدوافع فيما بينها، لتدفع بهؤلاء الشباب إلى الهروب من وطنهم الأم في اتجاه المجهول، وعلى رأسها الفقر وضعف الإمكانيات، ليكون الحل في نظرهم هو السفر والتغرب من أجل المال، ارتكانا إلى مقولة” الفقر في الوطن غربة والغنى في الغربة وطن”.

فعندما يجد الشاب نفسه عرضة لفراغ ينهشه، وأمام عجز عن تدبير حياته ومتطلباتها اليومية، وعطالة عن العمل أو في صفوف جيوش المنتظرين لتعيين قد يأتي أو لا يأتي رغم مؤهلاته العلمية والجامعية أو وعد بعمل قد لا يتم الوفاء به، أو عمل يكون دخله هزيلا ولا يفي بأبسط متطلبات الحياة اليومية، فإن هذا الوضع المزري والانتظار القاتل، يكون في نظر الشباب، البحر وركوب أمواجه، السبيل الأوحد وإن كان الأخطر إلى الأفق المستقبلي الأفضل مهما كانت نوعية المغامرة والمخاطرة بالذات أو المال.

إن حالة التهميش والإقصاء التي يتخبط فيها الشباب المغربي بسبب عدم استيعاب سياسة الحكومات لمتطلبات هذه الفئة النشيطة، يزرع فيهم الرغبة في البحث عن نمط عيش أفضل وأنظف وأكرم، ناهيك عن الانبهار بالصورة النمطية الباذجة التي تمررها وسائل الإعلام من فضائيات وانترنت، عن نوعية الحياة في العالم السحري هناك، وصورة النجاح الاجتماعي التي يكون عليها المهاجرون “الزماكرية” عند عودتهم للمغرب في العطلة الصيفية، سواء كانوا أقارب أو جيران، بسياراتهم الفاخرة والمحملة بالهدايا والملابس الأنيقة والراقية، وما يحققونه لأسرهم و أهاليهم من مستوى مادي أفضل مما كانوا عليه قبل هجرة أبنائهم.

إن هذه الأسباب النابعة من رحم الوطن، هي التي تدفع بهؤلاء الشباب إلى اختيار عسل الأخر بكل شوائبه، بدل تجرع قطران الوطن. سواء بامتطاء قوارب الموت بقيادة سماسرة ومافيات الهجرة السرية بائعي الأوهام، أو عن طريق التلاعب بالقانون بعقد زيجات بيضاء تمكن من العبور والدخول بكل سهولة، أو بالاختباء في الشاحنات المحملة بالبضائع في اتجاه الضفة الأخرى، أو من خلال عقود عمل مزورة قد يتم كشف حقيقتها عند أول تفتيش، أو تنطلي حيلتها على المسؤولين ويكون الحظ حليفهم.

يرى المختصون، دائما وأبدا، أن الحلول تكمن في مواجهة الأسباب، لأن معرفة موطن الداء تساهم في تحديد الدواء. ولهذا فإن الحل الأضمن والأمثل، في نظر أهل الاختصاص، هو إيجاد حل لمعضلة البطالة، لثني الشباب عن التفكير في الهجرة، من خلال خلق فرص للعمل لهم، والزج بهم في مشاريع واستثمارات صغرى تساعدهم على صون كرامتهم وحقهم في الحياة والعمل، المكفولين بالدستور، والتخفيف من حدة الطبقية إنصافا للمواطنين، حتى يتمكنوا من أخذ الفرص بشكل سوي، تشديد المراقبة على السواحل لإجهاض كل محاولة يهدف من ورائها السماسرة إلى الاغتناء والمتاجرة بأحلام شباب ترتطم بأمواج البحر، وتنتهي بهم جثثا تلفظها قوارب تتحمل أكثر من سعتها.

وتبقى حمى الهجرة السرية في ارتفاع مهول، خاصة في السنوات الأخيرة، وتلقي بظلالها وثقلها في أغلب اللقاءات الثنائية بين دول الشمال “المستقبلة” و دول المنبع “المصدرة”، حيث كلما سنت أو طورت دول الشمال قوانينا أو اتخذت تدابيرا لتحصين سواحلها والتصدي للزحف البشري القادم من الجنوب، إلا وتبتدع دول هذا الأخير طرقا وحيلا تخول لها العبور إلى الضفة الأخرى حتى وإن كانت جثثا.

فاطمة الزهراء الحاتمي

شارك:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *