التوحد ..الإعاقة اللغز

الرئيسية » حياة وتكنولوجيا » التوحد ..الإعاقة اللغز

التوحد

عندما يعجز الطفل عن نطق كلمة صغيرة وبأحرف مترابطة، أو أنه لا يستجيب لنداء والديه و المقربين منه، و لا يبتسم عند المداعبة، فإن انعدام التواصل والتفاعل الاجتماعي بين الطفل ومحيطه الأسري  وتأخر الكلام والقصور في الإدراك، يجعلون احتمال الإصابة بمرض التوحد أو ما يعرف بـ”الأوتيزم” واردا.

وتختلف أعراض مرض التوحد من طفل إلى آخر، من حيث الحدة بين الأعراض الخفيفة والشديدة، وكذا صعوبة تشخيصها في كثير من الحالات، وذلك راجع إلى كون أن المظهر الجسدي للطفل المصاب بالتوحد يكون طبيعيا، وأيضا بسبب تفاوت درجات تطور الأطفال الطبيعيين فيما بينهم.

وتتلخص أغلب أعراض مرض التوحد في غياب التفاعل الاجتماعي بين الطفل المصاب بالتوحد ومحيطه العائلي، سواء على مستوى الكلام أو البصر أو السمع، الانفراد و الانعزال عن أقرانه في اللعب وعدم الاكتراث بوجودهم إلى جانبه، القيام بحركات وتصرفات شاذة ومكررة بشكل غريب، الغضب لأتفه الأسباب أو الضحك والبكاء دون مبرر، وكثرة الحركة أو قلة النشاط.

وما تزال البحوث العلمية عاجزة عن الجزم بأن التوحد له سبب مباشر ومعروف، رغم أن أكثر الدراسات تشير إلى وجود عامل جيني ذو تاثير مباشر للإصابة بهذا الاضطراب السلوكي والقصور في الإدراك. بخلاف علماء النفس المنتمون إلى مدارس قديمة، تتبنى فكرة أن مرض التوحد سببه سوء المعاملة التي يتعرض لها الطفل من والديه، وخاصة الأم التي تتهم بالإخفاق في تزويد طفلها بالحنان والحب. أما الأغلبية المتبقية فإنها تجمع على أن مرض التوحد ليس مرضا ذهنيا بل هو مجرد اضطراب يحتاج إلى تقويم وتربية خاصة.

وباختلاف طبيعة التوحد واختلاف درجة هذا المرض واختلاف الأعراض بين كل طفل مصاب وآخر، فإن تبني طريقة واحدة ومعينة بذاتها للتخفيف من التوحد أو تقويم سلوكات التوحدي في كل الحالات، غالبا ما يكون مستحيلا. وتبقى فرضية العلاج المبكر في حدود السنتين من عمر الطفل التوحدي ناجحة، رغم اختلاف نوعية المرض  لدى الطفل المصاب.

ويرى خبراء التربية والمهتمون أن التنسيق بين جهود الأسرة باعتبارها شريكا أساسيا في العلاج، والمختصين أو خبراء التربية الخاصة، يسهل من مهمة التغلب على التوحد، و محاولة تقويم سلوك التوحدي سواء داخل الأسرة أو في المدرسة أو المركز المخصص لهؤلاء الأطفال ذوي الاحتياجات الخاصة. إلا أن هناك من يخضع المريض إلى تعليم ذو أسلوب واحد، وهو الاعتماد على القدرة السمعية أو البصرية أو الممارسة اليدوية، باعتباره أسلوبا و منهجا تعليميا يتم تحديده ليكون أكثر ملائمة لقدرات الطفل حتى نواجه الصعوبات السلوكية لديه ونضمن الفرصة الأكبر للنجاح في تعليمه.

إن خبراء التربية الخاصة غالبا ما ينصحون بتوفير بيئة تعليمية متكاملة تقوم على نهج برامج دقيقة ومتناسبة واحتياجات الطفل الخاصة، و ذلك باعتماد أنشطة تدريبية تعليمية خاصة تقوي مكامن النقص لدى الطفل المصاب، سواء على مستوى الإدراك السمعي والبصري أو اللغة أو مهارات أخرى، تعديل سلوكه المضطرب بالاعتماد على الذات والتفاعل في النشاطات الاجتماعية بعيدا عن التقوقع في العالم الخاص والذاتي.

وللتذكير فإن مرض التوحد الذي يصيب واحدا من بين كل ألف طفل، يعد من الأمراض المحيرة والمعقدة التشخيص، كون أن الأبحاث أثبتت أن المرض يحتاج لخبرة الاختصاصيين من أطباء نفسانيين واستشاري أعصاب ومتخصصين في الكلام واللغة. إلا أن العالم العربي يعاني خصاصا في توفير هذه العينة المتخصصة والمهيئة بطريقة علمية لتشخيص مرض التوحد مقارنة بأوروبا أو أمريكا.

فاطمة الزهراء الحاتمي

شارك:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *