استعرت عنوان هذه الحروف من العلامة المجتهد الدكتور أحمد عبادي، والذي استعمله بصيغة استعارية في سياق تقويم واقع العلوم في عالمنا المعاصر، وكان ذلك بمناسبة اجتمع فيها عالم مغربي من كبار الباحثين بوكالة نازا للأبحاث الفضائية الدكتور كمال الودغيري، والدكتور أحمد عبادي الأمين العام للرابطة المحمدية للعلماء بالمملكة المغربية تحت قبة مؤسسة علمية عتيدة وهي دار الحديث الحسنية بالعاصمة الرباط، والتي قام مديرها الدكتور أحمد الخمليشي بالتنويه بمثل هذه اللقاءات المتفردة التي تجمع بين تحقيقات العلوم الحقة وتسديدات العلوم الشرعية.
ما زاد من جمالية اللقاء، هو أنه كان فرصة تواصلية بين هؤلاء الأعلام والشباب المغربي الذي غصت به جنبات القاعة، والذي سهر على تنظيمها ثلة من الشباب اللامع في وحدة التثقيف بالنظير بالرابطة المحمدية للعلماء.
إن هذا المشهد العلمي الرائق ليُذَكر بأمجاد التفوق العلمي في تاريخنا الإسلامي، الذي تميز بالنبوغ في مختلف الميادين الشرعية والطبيعية، والذي لم يعرف جمودا يحول بين الإنسان وخاصيته الاستفهامية والتساؤلية من أجل سبر أسرار الإنسان والكون، ذلك أن سر الحياة والتجدد نابع من الانفلات من مقبرة البداهة التي تحجب الحقائق، بل تئدها وتدفنها تحت تراب ينطق لسان حاله دائما بأن الأمور هكذا على حالها، وبديهي أن تكون وتبقى على هيئتها المعهودة، مما يشل أي مبادرة للتفكر أو التدبر يمكن أن تخرق حجب البداهة إلى آفاق التعرف على الأسرار والحقائق، سواء كانت شرعية أو إنسانية أو طبيعية.
فالتراكم الحضاري الذي ننعم بإنجازاته، لم يكن وليد الاتكالية والغيبوبة في قبو التعامل البليد مع الأسماء والأشياء، بل كان وما يزال نتيجة اجتهاد ومجاهدة لا تعرف مللا ولا كللا، إذ هي القلب النابض لكل تجدد حضاري، ومن ثم فالجمع بين القرائتين للقرآن المسطور والمنظور، والتزود الدائم لهما بما جد من فهوم و حقائق وعلوم، يخرجان المتسائل والمستكشف من “الفصام” الذي انتاب كثيرا من الناس، حتى بات عندهم أن عالم الكون المشهود جزيرة منفصلة لا صلة لها بالغيب ، والعكس بالعكس ممن رام تغييب كل مشهود بطريقة يغلب عليها التسطيح والتبسيط، والحال بخلاف ذلك كله، إذ لكل عالم لغته ومفرداته، بحيث إن الفرق والجمع بينهما لا يتمكن منه إلا الأفذاذ من المجددين للدورات الحضارية، والذين امتلكوا الجرأة على الاستفهام و طرح الأسئلة بشكل صحيح وسليم، وتوسلوا في البحث عن أجوبتها بأدوات ومناهج أسعفت الإنسان في كثير من شؤون دينه ودنياه.