مخاوف من اقتحام الخصوصية عبر «تمييز الوجوه»

الرئيسية » حياة وتكنولوجيا » مخاوف من اقتحام الخصوصية عبر «تمييز الوجوه»

لطالما كانت تقنية تمييز الوجوه والتعرف إليها معياراً لتطور الذكاء الاصطناعي، وهو ما تهتم به العديد من الحكومات وشركات التكنولوجيا، ما يُثير العديد من الأسئلة حول قوة تلك التقنية في مجالات مثل الإعلانات والمراقبة، ودورها المستقبلي المحتمل في الكشف عن هوية الأشخاص، سواءً أرادوا أم لا، بحسب ما تناوله مقال نشرته صحيفة «الغارديان» البريطانية.

وتعتمد التقنية أساساً على مطابقة صورة للوجه بأخرى مُخزنة، ما يتطلب وجود قاعدة بيانات لصور الأشخاص، ونظام يستخدم قياسات وخوارزميات معقدة لمطابقة الصورتين. ومن بين التطورات الجارية في مجال تمييز الوجوه تقنية «ديب فيس» التي تعتزم «فيس بوك» عرض ورقة علمية عنها خلال مؤتمر «كمبيوتر فيجن» الصيف المقبل.

وتتمتع التقنية الجديدة تقريباً بدقة المخ البشري في تحديد ما إذا كان الشخص نفسه موجوداً في صورتين فوتوغرافيتين، بصرف النظر عن التغييرات في زاوية التصوير أو الإضاءة.

ووفق البحث، يصل الإنسان إلى الإجابات الصحيحة في 97.53% من الحالات، مقارنةً مع 97.25% حققتها تقنية «ديب فيس»، ما يعني تقلص الفارق إلى حدٍ كبير. ولذلك قال أحد أعضاء فريق الذكاء الاصطناعي في الشركة، يانفي تايجمان: «نقترب مباشرةً من الأداء البشري».

وفضلاً عن «فيس بوك»، سجلت شركة «أبل» الأميركية براءة اختراع تتناول إمكانية استخدام تقنية تمييز الوجوه، معياراً أمنياً لفتح قفل الأجهزة الذكية، كما تستثمر «غوغل» بشكلٍ كبير في هذا المجال، ويتركز اهتمامها على الاستفادة من تقنية تمييز الوجوه في مجال البحث عن الصور، وتأمل الشركة أن تجد طريقة أكثر ذكاءً لتصنيف وفرز مليارات الصور المتوافرة على الإنترنت.

ومثل «فيس بوك»، تهتم «غوغل» بفكرة تجزئة تاريخ حياة الأشخاص عبر صورهم العامة المنشورة، وذلك على الرغم من أن المستخدمين الذين ينشرون صورهم دون أن يلتفتوا لاحتمال البحث فيها بهذه الطريقة، قد يجدوا أنفسهم في مواجهة ملفات شخصية أعدتها مواقع الإعلام الاجتماعي لهم دون أن يطلبوها أو يحددوا محتوياتها.

وتُمثل نظارة «غوغل غلاس» اتجاهاً آخر أكثر عمقاً لاهتمام «غوغل» بتقنية تمييز الوجوه، فتبدو النظارة بفضل الكاميرا المدمجة فيها كأنها صُممت خصيصاً لتتيح لمستخدميها التعرف إلى الأشخاص المحيطين بهم.

وظهرت تطبيقات مثل «نيم تاج» الذي تعتمد فكرته على تمكين المستخدم في أي مكان يذهب إليه، من التقاط صورة بواسطة النظارة، واستخدامها للبحث عن بيانات شخصية للأشخاص على الإنترنت.

ومع ذلك، اتجهت «غوغل» إلى منع تطبيقات التعرف إلى الوجوه في «غوغل غلاس»، على الرغم من أن البعض يعتقد برمزية هذا المنع، وتلاشيه مع مُضي الوقت. فحتى مع منع المستخدمين من تثبيت تطبيقات مخصصة لتمييز الوجوه، لا يوجد ما يمنع من رفع الصور على الإنترنت، والبحث عنها في مواقع مثل «فيس بوك»، كما يُحتمل أن يدعم جهاز مماثل لنظارة «غوغل» تطبيقات تمييز الوجوه، وحينها لن يكون بمقدور «غوغل» منع نفسها من متابعة الاتجاه السائد.

وأثارت ولاتزال مثل هذه التطبيقات اعتراضات عدة، إذ تحدث عضو مجلس الشيوخ الأميركي، آل فرانكن، علانيةً عن معارضته للتطبيقات التي تستخدم تقنية تمييز الوجوه، وقال في خطاب مفتوح لمطوري «نيم تاج»: «بخلاف المعرفات البيومترية (الحيوية) الأخرى، مثل المسح الضوئي للقزحية، وبصمات الأصابع، صُممت تقنية التعرف إلى الوجوه لتعمل عن بعد، دون علم أو موافقة الشخص الذي يجري التعرف إلى هويته».

وتابع فرانكن: «ليس من المعقول أن يمنع الأشخاص أنفسهم من أن يتم التعرف إليهم بواسطة كاميرات يُمكن أن توجد في أي مكان، على أعمدة الإنارة، أو معلقة في مركبة جوية غير مأهولة، والآن مدمجة في نظارة شخص غريب».

في المقابل، يرى أنصار تقنية تمييز الوجوه أن ما يميزها هو الجانب الشخصي في الخدمات والتعامل، وهو ما بدأت بالفعل بعض الشركات بتطبيقه؛ فأعلنت شركة «تيسكو» لمتاجر التجزئة خططاً لتثبيت شاشات فيديو في المتاجر ومحطات الوقود داخل المملكة المتحدة، تستخدم كاميرات مجهزة بخوارزميات للتعرف إلى الوجوه، والتأكد من أعمار وجنس المتسوقين لعرض إعلانات ملائمة.

وقال الرئيس التنفيذي لشركة «أمسكرين» التي طورت تقنية «أوبتيم آيز» المستخدمة في شاشات «تيسكو»، سيمون شوجر، إن استخدام شركته تقنية تمييز الوجوه يستهدف تحسين حملات المعلنين، والحد من الهدر، وهو ما يُوفر بدوره رؤية عميقة لم يكن من الممكن تحقيقها من قبل سوى عبر الإنترنت.

وتركز شركة «إيموتينت» الأميركية الناشئة على مجال تحليل تعبيرات الوجوه، ومن خلال دمج هذه التقنية وإضافة كاميرات «ويب» إلى الجيل المُقبل من أجهزة التلفزيون، ما يُمكن من مراقبة مستويات تفاعل المشاهدين مع ما يشاهدونه، وإرسال هذه البيانات إلى شركات التلفزيون لمساعدتها في اتخاذ قرارات إبداعية متعلقة بالبرامج. ولا تقتصر تطبيقات تقنية تمييز الوجوه على الإعلانات ودعم العلامات التجارية، ففي الولايات المتحدة ثبتت شركة «سين تاب»، المعروفة سابقاً ياسم «بار تابرز» 400 كاميرا في ما يزيد على 400 حانة.

وتستخدم الشركة تقنية التعرف إلى الوجوه لمساعدة زوار الحانات على الاختيار بينها؛ فتقدم لهم معلومات في الوقت الحقيقي حول الحضور، ووظائفهم.

ويُتوقع دخول كثير من الاستخدامات المبتكرة لتقنية التعرف إلى الوجوه في المجال التجاري.

وبالطبع تمثل المخاوف المتعلقة بالخصوصية أهم المشكلات المحيطة بتقنية تمييز الوجوه. وعلى الرغم من ارتباط الخصوصية بمختلف أشكال التنقيب في البيانات على الإنترنت، إلا أن الجانب الأكبر من المعلومات التي تجمعها الشركات مُجهلة، وهو عكس ما تهدف إليه تقنية تمييز الوجوه من تحديد هوية الأشخاص، كما أن تطبيق التقنية في الأماكن العامة لا يتيح للأشخاص الاختيار بين المشاركة والانسحاب.

وتبرز الأهداف المتعلقة بالأمن، جزءاً رئيساً في تقنية تمييز الوجوه، ولذلك ليس من الغريب أن تمول حكومات العديد من أبحاث تطوير تقنية التعرف إلى الوجوه، وبرز ذلك بشكل خاص خلال العقد الماضي عقب أحداث الـ11 من سبتمبر عام 2001، وتفجيرات السابع من يوليو في لندن عام 2005.

وقال الأستاذ في قسم هندسة المعلومات في الجامعة الصينية في هونغ كونغ، شياو تانغ، إن «حلم الحكومات هو أن يصبح بمقدورها إعداد كاميرات متصلة بشبكة في الأماكن العامة تستطيع البحث في وجوه الناس الذين يجري تصويرهم».

وفي الجانب المتعلق بالاستخدامات الأمنية لتقنية تمييز الوجوه، يبرز تساؤل حول مدى الحياد أو الموضوعية التي تتمتع بها مثل هذه الأنظمة، أو بمعنى آخر درجة الحياد التي يُزود بها المطورون أنظمة التعرف إلى الوجوه.

وفي ذلك قالت كيلي جيتس، مؤلفة كتاب «مستقبلنا البيومتري.. تقنية التعرف إلى الوجوه وثقافة المراقبة»: «أحد الأشياء التي تزعجني هي فكرة أن الآلات لا تمتلك تحيزات». ومنطقياً، ربما لا تتحيز الآلات نفسها ما لم يقم مُطور ببرمجة هذا الإجحاف أو التحامل ضمن النظام الذي يقوم ببرمجته.

ولا تنفي المخاوف والتساؤلات حول استخدام التقنية إيجابياتها التي يمكن أن تصل إلينا كمستخدمين، مع تحسن تقنيات الرؤية الحاسوبية على مدى الأشهر والسنوات المُقبلة.

الإمارات اليوم

شارك:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *