كيمياء ضبط الأخلاق

الرئيسية » تربية وتكوين » كيمياء ضبط الأخلاق

كيمياء ضبط الأخلاق

إن الخيال العلمي يشيخ بسرعة، ولكنه يتمتع بحياة طويلة بعد انقضاء عمره. فعلى مدى الأعوام العشرة المنصرمة، انهمك جيش من علماء النفس، والأعصاب، والبيولوجيا التطورية، في محاولة للكشف عن «الآلية» العصبية التي تستند إليها الأخلاق البشرية.

ولقد استهلوا عملهم بتتبع الأصول التطورية للمشاعر والسلوكيات الاجتماعية الإيجابية، مثل التعاطف مع الغير والإحساس بمشاعرهم، فبدأوا في الكشف عن الجينات التي تجعل بعض الأفراد يميلون إلى الانخراط في أعمال عنف حمقاء لا مبرر لها.

والواقع أن العلماء لم يتعرفوا إلى بعض المسارات في الدماغ التي تشكل قراراتنا الأخلاقية فحسب، بل إنهم توصلوا أيضاً إلى تحديد المواد الكيميائية التي تعمل على ضبط أو تعديل مستوى هذا النشاط العصبي. فقد أظهرت دراسة حديثة أن الدواء المضاد للاكتئاب سيتالوبرام قادر على تغيير استجابات الأفراد لسيناريوهات تشتمل على معضلات أخلاقية افتراضية.

كما أظهرت سلسلة أخرى من الدراسات أن هرمون الأوكسيتوسن (هرمون معجل للولادة ومدر للحليب)، يعمل على زيادة الثقة في الناس والسلوك التعاوني بين أفراد الجماعات الاجتماعية، حتى إن علماء الأعصاب ذهبوا إلى توجيه مجال مغناطيسي دقيق لبعض مناطق من أدمغة الناس بهدف التأثير في أحكامهم الأخلاقية على نحو مدهش.

بطبيعة الحال، لا أحد يعمل الآن على إنتاج «حبوب للأخلاق» قادرة على تحويلنا إلى قديسين. ولكن العمل البحثي يتقدم بسرعة كبيرة، ويكاد يكون من المؤكد أن الأبحاث تشير إلى وجود سبل جديدة لإعادة تشكيل حدسنا الأخلاقي، ومشاعرنا، ودوافعنا.

إن البشر يولدون وهم يتمتعون بالقدرة على الالتزام أخلاقياً، ولكنها قدرة محدودة وغير مجهزة للتعامل مع التعقيدات الأخلاقية التي يعج بها عالمنا الحديث، ولكن من الأفضل أن نبدأ المناقشة الأخلاقية قبل أوانها، وليس بعد فوات الأوان.

*غاي كاهانا : نائب مدير مركز أوهيرو للأخلاق العملية التابع لكلية الفلسفة بجامعة أكسفورد. – نقلا عن البيان

شارك:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *