قلة النوم ... تسبب أمراضاً متنوعة

الرئيسية » حياة وتكنولوجيا » قلة النوم … تسبب أمراضاً متنوعة

قلة النوم ... تسبب أمراضاً متنوعة

لم يختلف العلماء المختصون في الطب النفسي على قضية علمية مثلما اختلفوا على موضوع النوم، وظهرت مدارس مختلفة تحاول وضع التعاريف والخصائص المختلفة حول سيكولوجية النوم ومشكلات قلة ساعاته اليومية وتأثيراتها المتنوعة في أجهزة الجسم، إلا أن عدداً كبيراً منهم اتفقوا على بديهيات تتكرر مع كل الناس تقريباً، ولا يشذ عن القاعدة إلا القليل، ومن هذه القواعد ما يرتبط بنوم الرضيع، حيث تصل عدد ساعات النوم المعتادة في مرحلة ما بعد الولادة إلى 22 ساعة يومياً، ولعل خصائص هذه المرحلة مختلفة في كل شيء حتى في التغذية أو في الحالة المزاجية، وشواذ هذه القاعدة ليسوا بالكثيرين، إذ ربما لا يحصل الطفل على عدد كاف من الساعات إذا كان يعاني حالة من الارتباك الكهربائي في إنتاج المخ من الطاقة اللازمة لتغطية الاحتياجات العصبية.

مع تقدم العمر وارتفاع معدلات النشاط اليومي للطفل تزداد ساعات اليقظة وتقل الفترات التي يخلد خلالها للنوم، إلا أن النسبة المقبولة من ساعات النوم لدى البالغين تتراوح بين 7 إلى 9 ساعات يومياً، وباعتبار النوم من الحاجات الأساسية للجسم، يؤكد العلماء اختلاف نسب الكفاية بين بني البشر في مدة وكيفية النوم، فعلى سبيل المثال ربما يحصل شخص بالغ متوسط العمر على 9 ساعات من النوم يومياً ولكنه لا يستفيد عملياً من هذه الفترة لأن نومه متقطع، أو بسبب انتشار أسباب الأرق الداخلية والخارجية، الأولى ترتبط بالحالة النفسية والعصبية والذهنية لذلك الشخص، والثانية تتعلق بالعوامل المحيطة به مثل الإزعاج الصوتي أو الحركي أو عدم ملاءمة درجة حرارة الغرفة إلى غير ذلك من العوامل.

واتفق اختصاصيو الأمراض النفسية والعصبية على اعتبار عدد ساعات النوم أمراً نسبياً يختلف من إنسان لآخر، كذلك يختلف لدى الإنسان نفسه بين حالة الاستقرار النفسي حيث ينام لفترات أطول وفي حالة بذل مجهود بدني أيضاً يحتاج للنوم فترات أطول وهناك من يبذل خلال النهار مجهوداً قليلاً وبالتالي لا يحتاج عند النوم إلى وقت أطول، يشبه في ذلك الحاجة إلى تناول الطعام، فهناك من يأكل وجبة دسمة وضخمة من الناحية الكمية، بينما لا يشعر بالشبع رغم ذلك، أو يحتاج إلى تناول أكثر من 5 وجبات خلال النهار، وبالمقابل فهناك من يأكل لقيمات بسيطة ولكنه يشعر سريعاً بالشبع، إذاً يمكن القول إن احتياجات البشر للنوم تختلف باختلاف الظروف الداخلية والخارجية لكل شخص، إذ يحتاج الشخص بعد سن الخمسين إلى 6 ساعات نوم فقط، ربما تقل إلى 4 بعد عمر الستين، لكنه يشعر بالرضا وبحصوله على القدر الكافي من الراحة.

ويتخذ النوم أولوية قصوى من الناحية الفسيولوجية (أي الجسمانية والعقلية) لأسباب عدة أهمها حاجة الجسم إلى بناء الخلايا، إما لتعويض ما يتلف منها لدى البالغين، أو لبناء خلايا جديدة لدى الأطفال لمساعدة الجسم على النمو، ولا يمكن للجسم القيام بذلك أثناء الاستيقاظ، بل يجب الخلود إلى النوم لتحقيق تلك الأهداف، أيضا لا يمكن للعقل البشري ترتيب معلوماته خلال النهار، بل يحتاج إلى ذلك خلال الليل، أثناء النوم وقلة عدد ساعات النوم يمكن أن تسبب خللاً في عملية تنظيم المعلومات التي تحتاج إلى أجواء دماغية خاصة، وهنا يشبه العلماء الأمر بإقامتك حفلا في منزلك استقبلت خلاله العديد من الضيوف وأسفر الحفل عن الكثير من مظاهر الفوضى، لا يمكنك تنظيف الفوضى وإزالة المخلفات حال وجود الضيوف، الأمر يحتم الانتظار إلى حين انصرافهم، وهذا ما يفعله المخ تماماً عند النوم.

ويحذر الأطباء من تجاهل علامات الإرهاق والشعور بالحاجة إلى الراحة والنوم، وبالعودة إلى المثل قبل السابق الذي يشير إلى اختلاف الحاجة إلى ساعات محددة من النوم بين البشر، يؤكد الخبراء إمكانية تجاهل الرغبة في تناول الطعام، كما يمكن تأجيل استخدام الحمام لتفريغ الفضلات لبضع ساعات من دون مضاعفات خطيرة، كما يمكن التخلي عن تناول الماء لفترات مؤقتة إن لم يتوفر، لكن في حالة عدم الاستجابة الفورية لداعي النوم يقوم العقل بإنتاج مواد كيماوية منبهة تعمل على زيادة معدلات الاستيقاظ والتنبه، وتكبت إشارات النوم فلا يشعر الشخص بمزيد من النعاس، إلا أن ذلك لا يطول، إذ تعاوده الرغبة بعد ساعات قليلة، ثم لا يلبث العقل أن يكف عن التنبيه التلقائي فيسقط الشخص على الفور مستسلما للنوم العميق.

ومن المحاذير التي أوردتها الدراسات الكندية المتخصصة في الصحة النفسية أن قلة النوم الناتجة عن أسباب عضوية ترفع من مخاطر الوفاة المفاجئة إلى 3 أضعاف النسبة لدى الأشخاص الذين يحصلون على نسب معتدلة من النوم يومياً، كما حذرت الدراسة نفسها من أن عدم الحصول على القدر الكافي من النوم يسبب الأزمات القلبية والجلطات الدماغية وارتفاع ضغط الدم، والتغيرات غير الطبيعية في الأجهزة المناعية، كذلك يتعرض المحرومون من النوم المستقر إلى خلل في عمل الهرمونات وإلى مشكلات في الغدد ربما تتطور إلى السمنة المفرطة، ومع تزايد الضغوط العصبية نتيجة عدم حصول خلايا المخ على الراحة يتعرض المحروم من النوم إلى الانهيار العصبي أو الاكتئاب، إلا أن الدراسات تشير إلى أن التحذير الأخير موجه بصورة أساسية إلى السيدات على اعتبار أنهن الفئة المعرضة لذلك النوع من المشكلات أكثر من غيرهن.

ومن أهم الدراسات الأمريكية التي تناولت تأثيرات قلة النوم على الحالة الجسدية تقول نتائج الأبحاث إن تراجع عدد ساعات النوم يضر بالتوازن الكيميائي لخلايا الدم، كما تتراجع فاعلية بعض المواد التي يقوم الدم بتوزيعها على أعضاء الجسم المختلفة ومن بينها مادة الأنسولين التي يفرزها البنكرياس وتقوم بدور أساسي في تفكيك السكر ليفيد منه الجسم، ما يؤدي إلى ارتفاع نسبة السكر في الدم حال عدم استمتاع الشخص بنوم كاف، علاوة على عوارض مختلفة تصيب قليلي النوم بصورة متكررة مثل سرعة الغضب وعدم القابلية للتفاهم وسهولة الإقبال على تعاطي المخدرات، وضعف الذاكرة والموت المفاجئ، كما يؤثر في نمط الحياة اليومية من حيث الإنتاج في مجال العمل والعجز عن قيادة مركبة بالتنبه الكافي لتفادي الحوادث، بعدما عززت الأبحاث المتتالية ارتباط ارتكاب حوادث السير بعدم الحصول على القدر الكافي من النوم، وتفيد كذلك بضرورة الحصول على ذلك القدر خلال الليل حيث ينتج المخ مادة الميلاتونين الطبيعية التي تساعد على النوم، بينما تتكسر تلك المادة بعد ظهور ضوء النهار ما يعكس صعوبة الخلود إلى نوم هادئ خلال النهار.

وربطت الدراسات الحديثة بين النوم والمهارات الحياتية المختلفة، فأكدت أن نقص معدل النوم اليومي يعكس شعوراً بالإرهاق لا يمكن معه للاعب كرة مثلاً أن يظهر بمستواه الطبيعي خلال المباراة، كما أن الطالب المحروم من النوم طوال الليل لمحاولة الاستذكار لن يؤدي الإجابات في الصباح كما يجب، علاوة على ذلك لا يستطيع التلميذ استيعاب ما يقوله المعلم إن لم يحصل على كفايته من النوم قبل ذهابه إلى المدرسة، بصرف النظر عن سبب ذلك، وأكثر من ذلك يعتبر العمل مع نقص ساعات النوم بالنسبة للاعب السيرك مثلاً ضرباً من الجنون، حيث يعرض حياته وزملاءه للخطر، كما يتأثر بذلك المدير لأنه يجد صعوبة في اتخاذ القرارات الخاصة بالعمل بالإضافة إلى ظهور بوادر الإرهاق على الوجه.

ويطرح الاختصاصيون حلولاً عدة للحصول على القدر الكافي من النوم كل ليلة، أهمها مراجعة الطبيب للحصول على حلول للمشكلات العضوية إن وجدت، فربما تسبب حموضة المعدة حرماناً من النوم، كذلك عسر الهضم المتكرر يعني الاستيقاظ من النوم مرات عدة خلال الليل، بالإضافة إلى ضبط نسبة السكري للسبب السابق ذاته، أما الأرق باعتباره من أكثر الأسباب شيوعاً فيمكن التخلص منه باتباع نصائح الطبيب النفسي وتجنب الأنشطة البدنية قبل النوم وعدم تناول الوجبات الدسمة بعد السادسة مساء مع توفير حلول فورية لآلام الأسنان وعدم تأجيلها لأي سبب، مع ضرورة وضع حد للتفكير في المشكلات اليومية حتى لا تحرم الشخص النوم.

وينصح الأطباء بـــضرورة فحص أسباب عدم الحصول على النوم بدقة للتخلص منها بالطرق العلمية، ويحذرون من تطبيق تجارب الآخرين في استخدام العقاقير المنـــومة للحصــــول على فــترات نوم أطول أو للتخلص من الأرق حــــيث إنها تنـــاسب فقــــط حــــالات محددة ولا يمكن الاستعانة بها من دون رأي الطبيب المختص، وتسبب الإدمان، كما ينصحون بالتعرف إلى أسباب الاسترخــــاء بشكل علمي، مثل اختيار درجة حرارة مناسبــــة داخل الغرفة واستخـــدام ضوء خافــــت وتجنب الغرف التي يصل إليها الضجيـــــج مع وضع حلول ولو مؤقتة للمشكلات الاعـــتيادية أو علـى الأقل اتخــاذ قرار بشأنها، مع تجنب تنــــاول الـــطعام أو المنــــبهــات مثل الــــشاي أو القهـــوة قــــبل موعـــد النـــــوم.

جريدة “الخليج”

شارك:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *