العادات تدار بالعقل ويمكن كسرها

الرئيسية » حياة وتكنولوجيا » العادات تدار بالعقل ويمكن كسرها

العادات تدار بالعقل ويمكن كسرها

تتحكم بنا عاداتنا اليومية كما تشاء، فنقوم بها بشكل لا إرادي، وتصبح بها أجسامنا وعقولنا مبرمجة على فعل أمور ما، وكأننا ندار بجهاز تحكم عن بعد، فالعادة تعرف نفسياً بأنها أنماط معتادة ومكتسبة ومتعلمة للفرد من السلوك.

تشير الدراسات العلمية، أن نحو 40% من الأعمال، التي نقوم بها يومياً هي عادات، ولذلك نمضى تقريباً نصف حياتنا كآلات ذاتية تكرر ما تقوم به، وأنه يمكن تشكيل عادة خلال المواظبة على فعل أمرما، لمدة 21 يوماً، فهل يمكن لنا معرفة كيفية عمل العادات، وكيف يمكن تغييرها، خاصة تلك السيئة منها مثل التدخين أو قضم الأظافر؟ وللإجابة عن هذين السؤالين، ظهرت أبحاث حديثة وعديدة، أكدت أن الإنسان يمكنه إنشاء العادة التي يريدها، وذلك من خلال التحكم بمناطق معينة من دماغه مثل «الجسم المخطط»، أو ما يعرف أحياناً ب ( الجسم المخطط الحديث أو النواة المخططة)، وهي منطقة مهمة في دماغ الإنسان للحركة والمزاج، و جزء من قشرة الفص الجبهي المعروفة ب «أنفراليمبيك»- Infralimbic IL.

ومن المعروف أن العادات القديمة لا يمكن تغييرها بسهولة، لأنها مزروعة في أعماق الدماغ، وهذا إيجابي في بعض النواحي، لأنه يسمح للدماغ باستغلال الطاقة في أمور أخرى في الوقت الذي يحدث فيه سلوك معتاد بأقل جهد من التفكير، مثل قيادة السيارة إلى العمل، لكن في حالات أخرى، يمكن للعادات، خاصة السيئة، أن تدمر حياتنا، كما يحدث أحيانا مع عادة كانت مفيدة، وتستمر، حتى لو لم تعد ذات فائدة.

في دراسة أجراها علماء الأعصاب في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا بالولايات المتحدة الأمريكية قبل بضعة أعوام، هدفت إلى إمكانية إيقاف العادات السيئة في الدماغ، ووجدوا أن النشاط في منطقتين مختلفتين من الدماغ، ضروري لتشكل العادات وتبلورها، وأنه هنالك منطقة صغيرة من قشرة الفص الجبهي للدماغ، حيث يحدث معظم التفكير والتخطيط، مسؤولة عن التحكم لحظة تلو اللحظة، بأي العادات التي يتم تفعيلها في وقت معين.

وأجرى الباحثون آنذاك تجاربهم على فئران تم تدريبها على الجري في متاهة على شكل حرف «T»، وعند وصول الفئران لنقطة معينة تسمع نغمة تحدد ما إذا كانت ستجري يسارا أم يمنة، وعندما تختار المسار الصحيح، يتم مكافأتها بحليب الشوكولاتة، إذا استدارت يسارا، أو بماء محلى، إذا استدارت يمينا.

وبعد أن أصبحت للفئران عادة الذهاب لمسار الشوكولاتة، أراد الباحثون معرفة ما إذا كان يمكن كسرها عن طريق التدخل بجزء من قشرة الفص الجبهي المعروفة باسم «أنفراليمبيك» Infralimbic IL، واستخدم الباحثون في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا بقيادة الأستاذة في المعهد آن غرايبييل، ما يسمى بعلم البصريات الوراثي (optogenetics)، وهو تقنية تسمح للباحثين بتثبيط نشاط خلايا معينة بالضوء، «أوقف» الباحثون نشاط قشرة «IL» لثوان عدة عند تجاوز الفئران النقطة في المتاهة، التي تقرر فيها أي طريق ستسلك، وعلى الفور توقفت الفئران عن الجري إلى اليسار (الجانب الذي يتضمن حليب الشوكولاتة)، وهذا يشير إلى أن إيقاف قشرة «IL» حوَّل أدمغة الفئران من «نمط الاستجابة الآلية إلى نمط معرفي أو تشاركي أكثر، يحلل ما الذي يجرون من أجله بالضبط»، حسب قائد فريق مؤلفي الدراسة كايل سميث.

وخلص الباحثون من الدراسة إلى أنه بالإمكان كسر العادات القديمة، لكن لا يمكن نسيانها، فتحل محلها عادات جديدة، لكن العادة القديمة تظل كامنة، ويبدو أن قشرة «IL» (المفتاح الرئيسي) تفضل العادات الجديدة على القديمة. وبحسب كارين باين الباحث في علم النفس من جامعة «هيرتفورد شاير» البريطانية، فإنه من الممكن أن تتطور هذه الحالة كاستجابة لمحفزات بيئية، وتظهر في البداية باعتبارها وسيلة للسيطرة على العواطف، إلا أنها تستمر، لأن المخ تعلم الربط بين هذه العادة، وبين الاستجابة للمحفزات، ويعمل على تعميمها على نطاق واسع حتى يصبح الشخص يقوم بهذه العادة بصورة لا إرادية.

سمة شخصية

أظهرت دارسة كندية أن العادة قد تكون في الواقع علامة على سمة شخصية تسمى «الكمالية»، وهي عبارة عن رغبة الشخص الملحة في الوصول إلى الكمال، وليس القلق، وكشفت التجارب التي أجراها الباحثون أن المشاركين هم أكثر عرضة للبدء في قضم الأظافر عند الإصابة بالإحباط والملل، وهي مشاعر ترتبط على حد سواء مع الكمال.

وبحسب الباحث كيرون أوكونور من جامعة «مونتريال، فإن الأفراد الذين يعانون هذه السلوكات المتكررة، ربما يعانون (الكمالية)، مما يعني أنهم غير قادرين على الاسترخاء وأداء المهام بشكل طبيعي، ولذلك فهم أكثر عرضة للإحباط، وعدم الرضا في حالة عدم الوصول إلى أهدافهم، وقد يصبحون عرضة لمستويات أعلى من الملل».

إبراهيم باهو – جريدة “الخليج”

شارك:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *