في سابقة أكاديمية على مستوى الجامعة المغربية
في مبادرة علمية وإنسانية ذات أبعاد اجتماعية وسياسية غير مسبوقة، على المستوى الأكاديمي والعلمي ببلادنا، ونادرا ما سبقتها تجارب ببعض الدول، وفي إطار تبادل التجارب والخبرات جسّد طلبة ماستر العلوم السياسية بكلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية بسلا (جامعة محمد الخامس السويسي)، نموذج قمة مؤتمر لمنظمة التعاون الإسلامي كإطار “أنموذج دولي لمحاكاة” (آدَمَت).
واحتضن المدرج الرئيسي للمعهد الوطني للبحث العلمي بمدينة العرفان هذه المحاكاة الأولى التي قام بها طلبة سلك الماستر بكلية سلا، وبمشاركة طلبة باحثين في سلك الدكتوراه والإجازة، وتأطير من طرف عدد من الأساتذة الباحثين وبحضور عميد كلية سلا، ومدير المعهد الوطني للبحث العلمي والتقني، وممثل عن وزارة التعليم العالي، وممثل عن وكالة بيت مال القدس الشريف، بالإضافة إلى مدير مركز الدراسات والأبحاث التابع لمؤسسة خالد الحسن.
ويعد نموذج منظمة التعاون الإسلامي أحد نماذج المحاكاة التي تعرفها كلية الاقتصاد والعلوم السياسية في جامعة القاهرة، وهو عبارة عن تجربة ناجحة ومتميزة باعتبارها شكلاً جديداً للتكوين والبحث العلمي، يهدف إلى تقوية وتدعيم المهارات العلمية وتطوير الخلفيات الفكرية والثقافية، ذالك من خلال تعلم كيفية التعبير عن الرأى بطريقة مقبولة ومفهومة مع احترام الآراء الأخرى المخالفة.
وتبرز أهميته أيضا في كونه يزيد من درجة الوعى بأهمية العمل الجماعى لنصرة الأمة والتوعية بقضاياها وتحقيق الترابط بين أفرادها، كما يمكن من اكتشاف قدراتهم الشخصية وميولاتهم على المستوى المهنى والشخصي.
كما أن الشباب المشارك في النموذج ستتاح له فرصة اكتساب مهارات أكاديمية وتنظيمية؛ من قبيل المهارات البحثية وخلفيات معلوماتية حول أهم القضايا المعاصرة، بالإضافة إلى تطوير مهارات التحاور والتفاوض والاتصال، وتنظيم الوقت وتقسيمه وحسن التخطيط، وتحديد الأولويات.
أوّل تجربة وطنيا..
حسب وثيقة صادرة عن منظمي برنامج المحاكاة (آدَمَت) فإنه انطلاقاً من الاعتبارات السابقة، والتي تؤكد على الدور المهم لهذا الأسلوب التدريسي في تطوير البحث العلمي الأكاديمي داخل الجامعات، وفي إطار تبادل التجارب والخبرات قرر ماستر العلوم السياسية في فوجه الثاني بكلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية جامعة محمد الخامس السويسي – بسلا، إعداد نموذج مماثل يشتغل في إطاره على مستوى مادة التداريب البحثية. فيما قد يكون أول تجربة لنموذج محاكاة داخل الجامعات المغربية.
وبما أن النموذج يعتمد على تبني موضوع معين لتعمل في ضوئه مجموعة من الطلبة الباحثين، فقد ارتأى طلبة ماستر العلوم السياسية الفوج الثاني أن يكون الموضوع الذي سيتبناه نموذج منظمة التعاون الإسلامي هو موضوع “القدس”، وذلك راجع لعدة اعتبارات، بحسب المصدر ذاته؛ أولاً؛على اعتبار أن منظمة التعاون الإسلامي (منظمة المؤتمر الإسلامي) والتي يعمل “النموذج” على محاكاتها، تأسست كرد فعل للعالم الإسلامي على حادثة حرق المسجد الأقصى على يد الصهاينة سنة 1969. وثانياً تعتبر القضية الفلسطينية عموماً و”القدس”، على وجه الخصوص، من القضايا المصيرية للأمة العربية والإسلامية. وثالثاً ما تعرفه القدس في السنوات الأخيرة من تصعيد لسياسة التهويد والاستيطان الصهيوني، وهو ما أصبح يهدد هوية القدس لعقود طويلة قادمة.
ولذلك اختار فريق البحث ماستر العلوم السياسية الاشتغال على موضوع النموذج والذي يهم “الحملة الدولية لكسر الحصار عن القدس”.
وجدير بالذكر أن “الحملة الدولية لكسر حصار القدس” تأتي نتيجة لجهود متواصلة من التنسيق والتشاور واللقاءات الحثيثة مع النشطاء والفعاليات المعنية بنصرة القدس، وبالتحرر الوطني الفلسطيني داخل الوطن العربي والعالم الإسلامي وخارجهما؛ وذلك مع مختلف الهيئات الجمعوية والأحزاب والنقابات العمالية والاتحادات المهنية والنسائية والطلابية والشبابية، فضلاً عن المفكرين والكتاب والعلماء وغيرهم من ذوي الرأي والأمر رؤساء وقادة ومسؤولين.
من أجل نصرة القدس…
في سياق الإعداد لهذه “الحملة”، وبدعوة من “المؤتمر العام لنصرة القدس” تم عقد ملتقى القاهرة التضامني في 15 فبراير 2012، للإعلان عن انطلاق “الحملة الدولية لكسر حصار القدس”، يوم 9 مايو 2012 في كل من (أندونيسيا وماليزيا والجزائر والسودان والمغرب ومصر)، وذلك من أجل دعم صمود ورباط المقدسيين، وتصعيد الفعاليات التضامنية، وتحقيق “المؤاخاة” بين القدس وكافة الساحات الدولية المنضوية في “حملة كسر الحصار”، على كافة الأصعدة الاقتصادية والقانونية والاجتماعية والسياسية، وعلى المستويين الشعبي والحكومي، محلياً ودولياً. كما تستهدف هذه الحملة تحقيق التفاف عربي وإسلامي ومسيحي دولي واسع ومستمر حول “منظومة دعم متكامل” لصمود القدس والمقدسيين إلى أن يتحقق “كسر الحصار الصهيوني”.
واستهدف النموذج الطلبة الباحثين داخل ماستر العلوم السياسية، والبالغ عددهم 28 طالباً وطالبة، على أنه سيتم توسيع دائرة العاملين بالنموذج في نسخته الثانية لاحقاً، باعتبار أن الفوج الثاني يعد تجربة أولية تمهيدية في هذا الصدد.
وطيلة نهار يوم الخميس (5 يوليوز) بالمدرج الرئيسي للمعهد الوطني للبحث العلمي والتقني بمدينة العرفان، قام أعضاء النموذج (طلبة الماستر)، بتمثيل وفود دول منظمة التعاون الإسلامي، مقسمين على شكل تكثلات، هي؛ المغرب الكبير الذي يضم كلا من المغرب والجزائر وموريتانيا وتونس وليبيا، وتكثل وادي النيل الذي ضم كلا من السودان ومصر والقرن الإفريقي، وتكثل الشام والجزيرة العربية الذي تشكل من العراق وسوريا والأردن ودول التعاون الخليجي واليمن، وتكثل تركيا والبلقان والقوقاز، الذي كان يضم كلا من تركيا وألبانيا والبوسنة والهرسك، وتركستان، وتكثل إيران وجوارها الذي ضم دول مناطق آسيا الفارسية وأفغانستان وإيران، ثم تكثل أندونيسيا وماليزيا الذي تشكل من اندونيسيا وماليزيا، وتكثل أقاليم شبه القارة الهندية (الهند المسلمة، الباكستان وبنغلادش)، وتكثل الإسلام الإفريقي جنوب الصحراء (جنوب ووسط إفريقيا)، بالإضافة إلى مجموعة “المسلمون خارج دار الإسلام” (الأمريكيتان، الإسلام الصيني، روسيا وأوروبا).
وتبادل الكلمة أثناء المؤتمر كل من الدكتور سعيد خالد الحسن المشرف على ماستر العلوم السياسية، وكذا عميد كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية، ومدير المعهد الوطني للبحث العلمي والتقني، وسفير فلسطين بالرباط، وممثل لجنة بيت مال القدس الشريف وممثل عن وزارة التعليم العالي، مؤكدين على أهمية هذا البرنامج التعليمي الجديد على الجامعة المغربية، ومعتبرين إياه فرصة مواتية للطلبة الباحثين لتدعيم رصيدهم العلمي والأكاديمي، مشددين في ذات السياق على تعميم التجربة لتشمل أكبر عدد من الجامعات والمعاهد المغربية.
وقام النموذج الذي تم استعراض أطواره على غرار انعقاد المؤتمرات الحقيقية لمنظمة التعاون الإسلامي، وتابعه سفراء بعض الدول أو من ينوب عنهم، على هيكلة مماثلة للهيكلة التنظيمية التي يشتغل وفقها نموذج منظمة التعاون الإسلامي؛ حيث تم انتخاب أمين عام لنموذج المنظمة ونائباً له. كما تم انتخاب رؤساء اللجان الرئيسية داخل النموذج (اللجنة العلمية، اللجنة التنظيمية ولجنة المشاريع)، وعُين مساعد للأمين العام من طلبة الفوج الثالث (السنة أولى ماستر). كما جاءت تشكيلة المحاكاة على الشكل التالي؛ الأمين العام ونائب الأمين العام، ثم اللجنة العلمية التي اشتغلت على المجالات الثقافية والسياسية
والجماهيرية، والقانونية. ثم اللجنة التظيمية، بالإضافة إلى لجان فرعية، ومنها بالخصوص اللجنة اللوجيستية، ولجنة الاتصال ولجنة التمويل ولجنة المشاريع وهمت بالخصوص القطاعين الاقتصادي والاجتماعي.
وتم خلال المؤتمر تقديم تقييم حول الحملة الدولية لكسر الحصار عن القدس، موضوع النموذج، سواء من قبل نموذج المنظمة أو من قبل الدول المشاركة وغير المشاركة في الحملة، مع تقديم مقترحاتهم وتوصياتهم من أجل إذكاء وتطعيم “الحملة الدولية الثانية لكسر حصار القدس” وذلك بحضور دبلوماسيين وأساتذة باحثين ومنهم بالخصوص أساتذة المساتر علوم سياسية بسلا الذين تتبعوا مختلف مراحل الإعداد لهذا المؤتمر الذي حاكى منظمة التعاون الإسلامي.
نورالدين اليزيد