ضمان حقوق الإنسان مقصدا من مقاصد الشريعة الإسلامية - 5/16

الرئيسية » الأعمدة » بصائر » ضمان حقوق الإنسان مقصدا من مقاصد
الشريعة الإسلامية – 5/16

8 ـ إتاحة العلاقة المباشرة بين العبد وربه:

فقد ألغى الشَّارع الحكيم أيَّ وساطة بينه وبين عبادِه، تفسد الاعتقاد الجازِمَ به سبحانه(1)، قال تعالى: (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ) [البقرة: 186].

 9 ـ الحرية:

قال الراغب الأصفهاني: «الحرية ضربان: الأول من لم يجر عليه حكم الشيء، نحو»الحر بالحر». والثاني: من لم تتملكه الصفات الذميمة من الحرص والشره على المقتنيات الدنيوية، وإلى العبودية التي تضاد ذلك أشار النبي صلى الله عليه وسلم بقوله»تعس عبد الدرهم، تعس عبد الدينار..» وقيل: عبد الشهوة أذل من عبد الرقّ»(2).

وقال الجرجاني صاحب التعريفات:»الحرية في اصطلاح أهل الحقيقة: الخروج عن رق الكائنات، وقطع جميع العلائق والأغيار، وهي على مراتب:1- حرية العامة عن رق الشهوات، 2-وحرية الخاصة عن رق المرادات لفناء إرادتهم في إرادة الحق، 3- وحرية خاصة الخاصة عن رقّ الرسوم والآثار، لانمحاقهم في تجلّي نور الأنوار»(3).

وهو ما ينص عليه القرآن الكريم في الآية (لاَ إكْراه في الدّين) [البقرة  256]، وفي الآية:(أنلزمكموها وأنتم لها كارهون) [هود 28]، وكذا الآية:(وقلِ الحقّ من ربّكم فمَن شاء فليُؤمن ومن شَاء فليَكْفر) [الكهف 29]،وفي الآية (إنّ هذه تَذكِرة فَمَن شَاء اتخذ إلى ربّه سبيلا) [الإنسان 29]، وفي الآية: (أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مومنين) [يونس  99]، وفي الآية (لست عليهم بمسيطر) [الغاشية 21، 22].

وقد سيقت كلمة «إكراه» بالتنكير في قوله تعالى(لاَ إكْراه في الدّين) [البقرة  256]، والتنكير عند علماء الأصول يفيد الاستغراق لكل مرتبة أو نوع من الإكراه. قال الإمام محمد الطاهر بن عاشور رحمه الله في تفسير آية نفي الإكراه؛ البقرة 255: «جيء بنفي الجنس لقصد العموم نصًّا، وهي دليل إبطال الإكراه بسائر أنواعه؛ لأن أمر الإيمان يجري على الاستدلال والتمكين من النظر»(4)

وما أجمل ما قال عبد المتعال الصعيدي بهذا الصدد في كتابه»حرية الفكر في الإسلام» :”مثل المرتد مثل الكافر الأصلي في  الدعوة إلى الإسلام، فكما يدعى الكافر الأصلي في الإسلام بالحكمة والموعظة  الحسنة، ويجادل بالتي هي أحسن، كذلك يدعى المرتد إلى العودة إلى الإسلام بالحكمة والموعظة الحسنة، ويجادل بالتي هي أحسن، ولا يكره على العودة إليه بوسيلة من وسائل الإكراه، كما لا يكره الكافر الأصلي على الإسلام بهذه الوسائل أيضا”(5)

وقد أحسن بعض الدارسين حين فكك الردة إلى قسمين: مركبة، فيها الارتداد عن الدين ومفارقة الجماعة والعمل على إلحاق الأذى بها، وردة بسيطة فيها الارتداد عن الدين فقط، وقد ذهب العلماء إلى أن الردة غير المركبة تجري عليها أحكام قوله تعالى(لا إكراه في الدين)(6)

فالحرية في المنظومة التشريعية الإسلامية هي الأصل، قال محمد الطاهر بن عاشور: «الحرية وصف فطري نشأ عليه البشر، وبه تصرفوا في أول وجودهم على الأرض، حتى حدثت بينهم المزاحمة، فحدث التحجير»(7).

(1) – كاتِّخاذ كُفَّار مكَّة الأصنام واسطةً، وقولِهم: (مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى) [الزمر: 3]،

(2) – مفردات ألفاظ القرآن، تحقيق عدنان داوودي، دار القلم، دمشق، الطبعة 3، 1423هـ/2002م، ص224

(3) – التعريفات، تحقيق الأبياري، بيروت، لبنان، دار الكتاب العربي، ط1985م، ط116.

(4) – التحرير والتنوير، الشركة التونسية للتوزيع 3/26.

(5) – حرية الفكر في الإسلام، ص73.

(6) – أحمد الريسوني في العيد من حواراته.

(7) – الطاهر بن عاشور، أصول النظام الاجتماعي في الإسلام، دار الكتاب، تونس ط 1977م، ص 162.

شارك:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *