يحذر العلماء من أننا نشهد سادس “انقراض كبير”، وهم يعتقدون أننا، بدلاً من محاولة الحفاظ على أنواع بعينها مهددة بالانقراض، يجب أن نركز مزيداً من جهودنا على إنقاذ نظم بيئية كاملة.
وتقول مجلة “نيو ساينتست” العلمية المتخصصة، في تقرير نشرته أخيرا، إن هذا هو التفكير الكامن وراء طريقة جديدة لتقييم الصحة العالمية للطبيعة، تعرف بالقائمة الحمراء للنظم البيئية. وتستند هذه القائمة، التي وضعها الاتحاد الدولي لحفظ الطبيعة، إلى القائمة الحمراء للأنواع المهددة، التي تقيم التهديدات التي تتعرض لها الأنواع المختلفة، بدءاً من أشجار صنوبر “بارانا” ووصولا إلى دببة الباندا. ولكن بدلاً من محاولة الحفاظ على جميع النظم البيئية، كما تحاول القائمة الأصلية الحفاظ على جميع الأنواع، فإنه يحتمل للقائمة الجديدة أن تسلط الضوء على النظم غير القابلة للمساعدة.
محط تركيز مغاير
ويتزامن إطلاقها، الذي سيتم رسمياً في وقت لاحق من العام الجاري، مع تغيير في محط تركيز حماة البيئة: فبدلاً من محاولة إعادة الأرض إلى الأيام الذهبية القديمة، يعتقد كثيرون أنه يتعين علينا أن نتقبل حقيقة أن الأرض تتغير بشكل لا رجعة فيه، وأن نحاول ببساطة استغلال ما لدينا على النحو الأمثل. وهذا يعني التفكير في استراتيجيات لم تكن واردة في مرحلة من المراحل، مثل إدخال أنواع غير أصلية، وترك بعض النظم الإيكولوجية لمصيرها.
ويرحب علماء البيئة بالقائمة الجديدة. وتقول كيت جونز من جمعية علم الحيوان في لندن إن القائمة سوف تركز انتباه الجمهور على ما تقدمه النظم البيئية من خدمات، مثل المياه النظيفة وتلقيح المحاصيل. غير أنها تثير أيضا أسئلة صعبة حول أفضل السبل لرعاية التنوع البيولوجي. ويقول جون بول رودريغيز من مركز علم البيئة في كراكاس بفنزويلا: “من المحتمل أن تقرر الدول أنها لا تريد التركيز إلا على الأشياء غير المعرضة للخطر”، وذلك لأن حماية النظم البيئية السليمة لا تكلف كثيرا، فيما يشكل إصلاح النظم التالفة أمرا صعباً ومكلفاً.
أمر ممكن
والإصلاح أمر ممكن، حتى في البيئات الصعبة، كما يقول مارك سبالدينغ من منظمة صون الطبيعة في نيوماركت ببريطانيا. فمع انحسار الشعاب المرجانية الكاريبية، بنت مؤسسة ترميم الشعاب المرجانية في كي لارغو بفلوريدا مشاتل مرجانية، لتكون بمثابة ملاذ آمن للشعاب المرجانية، محافظة على بعض منها في ظل زوال الشعاب الطبيعية.
ولكن لا يمكن لمثل هذه المشاريع المكثفة أن تنجح في كل مكان. إذ تقدر دراسة حديثة أنه من شأن تحقيق أهدافنا المرتبطة بالتنوع البيولوجي العالمي أن يكلف حكومات العالم 76 مليار دولار سنوياً، وهذا في ما يتعلق بالأنواع البرية وحدها. ويقول كريس توماس من جامعة يورك في بريطانيا: “يتعين علينا أن نختار مواجهاتنا بعناية”، ونقرر أيا من جوانب النظم البيئية نكترث لأمره حقاً. ويضيف: “ليس كل تغيير سلبياً”. وإلى جانب تحديد أي النظم البيئية تتعذر مساعدته، فقد تكون هناك أماكن لا حاجة للتدخل فيها.
الأنواع المدخلة
ونحن بحاجة أيضا إلى إعادة النظر في مواقفنا تجاه الأنواع المدخلة، حسب قول دنيس هانسن من جامعة زيوريخ في سويسرا. إذ يحاول حماة البيئة عموما منع دخول الأنواع إلى مناطق جديدة، نظرا لأنها يمكن أن تصبح غازية على نحو مؤذ، ولكن هانسن يقول إنه يمكن للأنواع المدخلة أن تكون نعمة.
فحين ينقرض نوع ما، يفقد نظامه البيئي غالبا وظيفة مهمة، ولكن يمكن لإضافة أنواع أخرى أن تحل هذه المشكلة. ففي جزر موريشيوس، على سبيل المثال، كانت السلاحف العملاقة تمثل موزعات للبذور بالنسبة للنباتات. وحين انقرضت هذه السلاحف، تضررت النباتات المحلية، وراح حماة البيئة، بالتالي، يدخلون بديلا لها: سلاحف “ألدابرا” العملاقة، وهي نوع مهدد بالانقراض حصلوا عليه من جزيرة قريبة.
ولا تزال هذه الأفكار تؤدي إلى انقسام حماة البيئة. حيث تقول جونز إن إدخال الأنواع كان له عواقب مدمرة في الماضي، عندما تحولت، على سبيل المثال، الأرانب المدخلة إلى أستراليا إلى وباء. ويبدي هانسن قدرا أكبر من التفاؤل. إذ يقول إن الجزر تمثل حقول تجارب مثالية للبحث عن النتائج غير المقصودة قبل رفع المستوى. ولكننا، لإحداث فارق حقيقي، “نحتاج إلى القيام بذلك على المستوى القاري”.
وإذا ما قيمت وفقا لقائمة حمراء تقيس صحة النظام البيئي من جميع النواحي، فإنه يمكن لهذه الاستراتيجيات الجريئة أن تعتبر ناجحة ذات يوم.
خطوة أبعد
تقول مجلة “نيو ساينتست” إن القائمة الحمراء البيئية الجديدة تمثل خطوة أبعد من أي شيء يتم القيام به حالياً في الحدائق الوطنية والمناطق البحرية المحمية: إذ أنها ستشكل تقييما موحداً لجميع النظم البيئية في العالم، بما فيها تلك التي حولها البشر، وستسمح بعقد مقارنات مباشرة بينها. وسوف تستخدم هذه المعلومات بعد ذلك لحشد الحكومات، ومساعدة أنصار حماية البيئة على معرفة أين ينبغي أن يركزوا اهتمامهم، وعلى تقديم اقتراحات، حيثما كان ذلك ممكناً أو مجدياً، بشأن كيفية إعادة تأهيل الأراضي.
سارة الحاج – البيان