أبدأ بالتنويه أن فكرة المقال جاءت بعد أن طلب مني أحد مراكز الدراسات الدولية الذي يأخذ من عاصمة غربية مقرا له بتقديم تقرير عن أكثر الفضائيات العربية تأثيرا على الساحة السياسية السورية والعالم العربي وعن القنوات الأقلها نفوذا وعنوان التقرير بالانجليزي؛ The Arab Satellite TV Channels with the Most Political Impact on Syria and the Arab world.
لأن التقرير يتألف من عدة صفحات لاحتوائه معلومات وتفاصيل وأسماء قد ترهق القارئ لذا اختصرت النقاط الرئيسية في هذا المقال المقتضب.
بلغ عدد الفضائيات العاملة في الأجواء العربية حوالي 700 محطة ورغم هذا العدد الضخم إلا أن الفضائيات ذات السطوة بمعناها السياسي والتأثير على الرأي العام في العالم العربي لا تزيد عن أربعة أو خمس فضائيات. إذا تم استثناء محطات الترفيه والموسيقى والدراما والمسلسلات والأفلام والوثائقية والرياضة والأطفال وما إلى ذلك وكلها تحظى بشعبية ومتابعة كبيرة والقنوات الخاصة وما أكثرها، ولكن لا يزال هناك كم هائل من القنوات التي يمكن وصفها بالفائضة عن الحاجة مثل القنوات الدينية وبيع الفتاوى على الهواء وقنوات الشعوذة وقراءة البخت وبيع الجنس الوهمي والمسابقات الزائفة وقنوات غسل دماغ البسطاء ولا تستحق الوقوف عندها أو مناقشتها.
ويتواجد على الساحة عدد من المحطات الفاشلة التي يتم تسخيرها لخدمة الدكتاتور وتلميع صورته وتنفيذ أجندته ولكن المشاهد الذكي ينفر من تلك المحطات الفاقدة للمصداقية ولا يتابعها. ولفهم الصورة الإعلامية بوضوح من الضروري تقسيمها وتصنيفها كالآتي:
قنوات الخط الأول
ما يهمنا هنا هو فضائيات التأثير والسطوة والنفوذ على الساحة وهي قنوات ما يسمى الخط الأول من حيث الميزانية والكفاءة الإعلامية والقدرات الفنية ومدى تأثيرها على الساحة السياسية السورية والعربية. مما لا جدل فيه أن فضائية الجزيرة العربية تتصدر قائمة فضائيات السطوة والتأثير..فمنذ انطلاقها عام 1996 لعبت الجزيرة دورا هاما في التأثير على الرأي العام العربي ليس فقط تثقيفيا ولكن بتقديم مواد وحوارات جريئة واستفزازية وطرح مواضيع كانت ممنوعة أو اعتبرت خط أحمر قبل وصول الجزيرة إلى الساحة الاعلامية. فقد ازعجت الدكتاتوريين حتى اعتبرها بعض القادة العرب بأنها العدو الأوحد. وصول الجزيرة كان زلزالا اعلاميا حيث فتحت أبواب حرية التعبير والديمقراطية أمام الجماهير المكبوتة. نجحت الجزيرة في اكتساب عقل وقلب الشارع العربي. ورغم الانتقادات والمصاعب التي تواجها القناة في هذه المرحلة يمكن القول أن الجزيرة الآن وبدون منازع هي العنصر الإخباري الأكثر تأثيرا في العالم العربي.
ثم انطلقت فضائية العربية عام 2003 وفرضت وجودها على الفضاء الإعلامي العربي واكتسبت نسبة كبيرة من المشاهدين بسبب المهنية والاحتراف والموضوعية ومن الجلي أن العربية تمتلك الإمكانات المالية والفنية والكفاءات الإعلامية القديرة وتعتبر المنافس الأول لقناة الجزيرة. ويشمل الخط الأول أيضا فضائية البي بي سي عربي التي انطلقت عام 2008 والتي تتمتع بمتابعة كبيرة في الشرق الأوسط. وسيشمل الخط الأول كذلك قناة سكاي نيوز – عربية التي انطلقت السادس من هذا الشهر أي قبل أيام معدودة. ومن المبكر أن نحكم على قناة سكاي نيوز ولكن بعد متابعتي لها لعدة أيام أستطيع القول أنها تضاهي العربية والجزيرة من حيث المقدرات المالية والفنية وكفاءات المذيعين والمذيعات وأتوقع أن تكون لاعبا محوريا في الساحة. سكاي نيوز عربية تستفيد من خبرة مهنية طويلة من سكاي نيوز البريطانية الناجحة.
عندما يتم الإشارة للسطوة والتأثير لا يعني ذلك فقط حجم المشاهدة وعدد الملايين التي تتابع المحطتين المذكورتين بل أيضا عدد المرات المتكررة التي تظهر فيها أسماء هذه المحطات في الصحف العربية والغربية في قضايا جدلية أو تنسيب هذا الخبر أو ذاك. وتشير صحف عالمية مثل نيويورك تايمز وواشنطن بوست والفايننشال تايمز والغارديان ومجلة الإيكونومست وغيرها لما يقوله هذا السياسي أو الخبير أو ما يصرح به هذا الزعيم لقنوات العربية والجزيرة. وما تبثه هذه القنوات يجلب اهتمام الإعلام العالمي والحكومات الغربية التي لها مصالح في المنطقة. ويصف الإعلام الغربي الجزيرة والعربية بمحطات السطوة وباللغة الانجليزية: Channels with clout.
قنوات الخط الثاني
أما الخط الثاني من الفضائيات فتشمل قناة الحرة التي انطلقت عام 2004 من ضواحي واشنطن ومحطة العالم الإيرانية وكذلك ل بي سي اللبنانية LBC و المنار والمستقبل والجديد اللبنانية وقناة الحوار من لندن وكذلك ANB من لندن والإخبارية السعودية. كما تشمل قنوات مثل فرانس 24 وروسيا اليوم من موسكو. ويمكن إضافة قناة المستقلة التي تبث من موقعها المتواضع غرب لندن ورغم حجمها الصغير وإمكانياتها المحدودة إلا أنها تطرح قضايا جريئة وشائكة ومن أبرز نشاطاتها دعم الثورة السورية والتغطية المكثفة للملف التونسي.
لا بد من التشديد أن إدراج وتصنيف تلك القنوات تحت الخط الثاني لا يعني تقليل أهميتها وقدراتها الإعلامية ولكنها لا تمتلك قوة التأثير والسطوة أو النفوذ على الساحتين العربية والدولية والتي تتميز بها قنوات الخط الأول.
قنوات “لا في العير ولا النفير”
تتواجد هذه القنوات في أسفل القائمة ورغم كثرة عددها إلا أنها محدودة التأثير والمشاهدة وهذه تشمل المحطات الطائفية ومحطات للإيجار كالتي استخدمها معمر القذافي بعد هروبه من طرابلس ليبشر الشعب الليبي بعودته ويحثهم على الصمود. وتشمل أيضا المحطات التي تدافع عن الطغاة مثل محطة الدنيا السورية والمحطات الحكومية. هذه القنوات الفضائية التي أطلق عليها صحفي مخضرم مؤخرا بمحطات “لا تهش ولا تنش” لأن مفعولها وتأثيرها على الساحة صفر أو أقل.
ويمكن إدراج تحت هذا التصنيف عددا من المحطات الثانوية الموجودة على الساحة والتي ليس لها حضور أو تأثير يذكر وتعاني هذه القنوات الهزيلة من غياب الكفاءات والقدرات الفنية والمالية وهذا واضح من شاشات تلك المحطات التي يتم تسخيرها لإرضاء مزاج أصحاب تلك المحطات وتجميل صورتهم وترويج أفكارهم وتنفيذ أجندتهم الشخصية.
الفضائيات التي فضحت جرائم النظام السوري
انفردت قنوات الخط الأول في فضح جرائم النظام السوري. بينما تتمسك البي بي سي العربي بالحياد والموضوعية حسب قوانين الإعلام البريطاني إلا أن الجزيرة والعربية تبنتا مواقف داعمة للشعوب المقهورة ضاربة عرض الحائط بالحيادية والموضوعية. واسأل هل من الممكن التمسك بمبادئ الحياد أمام المذابح والمجازر وهل من الممكن الالتزام بمهنية متناهية وموضوعية رصينة في خضم إبادة الشعب السوري والتدمير والتفجيرات التي يدبرها النظام لإحباط خطة كوفي عنان؟
لا نبالغ إذا قلنا أن فضائيات الجزيرة والعربية لعبتا دورا فاعلا وحاسما في إنجاح الثورات العربية في مصر وتونس وليبيا واليمن والمسيرة تستمر لإسقاط نظام بشار الأسد وعصابة المافيا التي تحكم سوريا.
نجحت فضائيات الخط الأول من نقل وقائع الثورات اليومية للمشاهد العربي بدقة واستفادت من وسائل الاتصال الاجتماعي والإعلام التفاعلي لنقل صور الفظائع التي يرتكبها نظام دمشق والتي يحاول إخفاءها.
من يصنع الثورات؟
في حديثه في منتدى الإعلام العربي الذي عقد مؤخرا في دبي قال رئيس تحرير الأخبار بقناة العربية نخلة الحاج أنه لا يصدق أن الفضائيات الإخبارية تحرك الثورات، ويتمنى وفق حديثه أن يكون للقنوات الإخبارية القوة ليكون لها دور في صنع الثورات. مضيفا أن القنوات العربية كانت مجرد ناقلة فقط لأحداث الربيع العربي. قد نتفق أو نختلف معه ولكن لا يمكن تجاهل دور الإعلام الفضائي العربي في تجييش وتعبئة الجماهير ضد الطغاة.
وأشعل مفهوم “الحياد” الجدال في أحد جلسات المنتدى الإعلامي العربي من حيث تغطية القنوات العربية للثورات وهو ما أكده الاستفتاء على صفحة قناة العربية على الفيسبوك التي جاءت نتائجه حول مدى مساهمة القنوات الإخبارية في صنع الربيع العربي، حيث أجاب 72 بالمائة بأن لها دور في المساهمة في الربيع العربي، بينما رفض ذلك قرابة 22 بالمائة، وجاءت النتائج الأخرى متفاوتة في الرفض والقبول.
نهاد إسماعيل
عن إيلاف بتصرف