كشفت دراسة أجرتها مؤسسة “بلومبيرغ” (Bloomberg) أن حجم السوق العالمي للسيارات الكهربائية في نمو مضطرد، حيث يوجد في العالم الآن أكثر من 5.6 ملايين سيارة كهربائية تمشي على الطرقات. وأظهرت الدراسة أن السيارات الكهربائية تشكل حاليا 3% فقط من مبيعات السيارات في جميع أنحاء العالم، ولكنها ستصل إلى 10% عام 2025، وستنمو إلى 28% عام 2030 ثم إلى 58% عام 2040. وللتدليل على حجم النمو الذي سيشهده سوق السيارات الكهربائية في العالم، يكفي أن نعرف أنه كان هناك مليون سيارة كهربائية فقط في أميركا عام 2018، ولكن بحلول عام 2030 سيكون هناك أكثر من 4 ملايين مركبة كهربائية في ولاية كاليفورنيا وحدها، وذلك كما ذكرت منصة “بوليسي أدفايس” (policyadvice) مؤخرا.
هل يمكن استخدام طاقة بطاريات هذه السيارات في استعمالات أخرى؟
نعم بكل تأكيد، هذا ما يؤكده الباحث البروفيسور توم ستيسي والباحثة الدكتورة ينغ شلا، الأستاذان في جامعة أنجليا روسكن البريطانية، حيث أكد الباحثان في دراسة لهما مؤخرا أن السيارات الكهربائية ستعمل على إنارة ملايين المنازل في العالم خلال السنوات القليلة القادمة، عن طريق استخدام الطاقة المخزنة في بطارياتها لتوصيل الكهرباء إلى الشبكة المنزلية، وهي تقنية جديدة ورائدة من نوعها، وقد بدأ استخدامها فعليا في اليابان. وأشار الباحثان إلى أنه يتم إنتاج العديد من السيارات الكهربائية (EVs) في العالم الآن، مع خاصية جديدة هي القدرة على استخدام بطارياتها الموجودة على متنها لإعادة إرسال الطاقة مرة أخرى إلى مصدر الكهرباء الذي تم توصيلها به من أجل شحنها. وسواء كان ذلك منزل مالك السيارة، أو شبكة الكهرباء العامة، فقد تم ابتكار هذه التقنيات من أجل تحقيق التوازن بين عمليات الشحن والاستهلاك، بحيث تكون متبادلة وليست باتجاه واحد فقط.
إن القابلية والقدرة على استخدام البطاريات تنسجم مع الرؤية المستقبلية لتوفير مصادر طاقة نظيفة بدلا من الوقود الأحفوري لتوليد الكهرباء، والعمل يتسارع حاليا من أجل استخدام مصادر متجددة ونظيفة مثل طاقة الرياح والطاقة الشمسية، وتخزين الكهرباء المتولدة عنها في البطاريات لإعادة استخدامها مرة أخرى، وهو ما سيمكن من خفض الانبعاثات المسببة للاحتباس الحراري. وتبدو الخطة رائعة، ولكنها صعبة كما يؤكد الباحثان، لأن الكهرباء يصعب تخزينها. لكننا بالفعل نخزن كميات هائلة من الكهرباء في سياراتنا، وذلك مع ازدياد استخدام السيارات الكهربائية في العالم بشكل مضطرد، وهناك الآن في المملكة المتحدة مثلا نحو 300 ألف سيارة كهربائية على الطرقات، ويمكن لبطاريات هذه السيارات مجتمعة تخزين 18 غيغاوات في الساعة من الكهرباء، والتي يمكن استخدامها بشكل مفيد في إنارة وتشغيل المنازل.
وفي الحقيقة، فإن هذه الكمية الضخمة من الكهرباء المخزنة في البطاريات تزيد على قدرة تخزين أكبر محطة لتخزين الكهرباء في المملكة المتحدة، وهي محطة “دينورينغ” (Dinorwig pumped storage plant) التي تبلغ سعتها التخزينية 9 غيغاوات في الساعة فقط. وبحلول عام 2030، سيكون في المملكة المتحدة ما يقرب من 11 مليون سيارة كهربائية على الطريق. وبافتراض أن 50% من هذه المركبات تستخدم بطاريات قادرة على إعادة تغذية الطاقة غير المستخدمة إلى الشبكة، فإن هذا يعني تزويد 5.5 ملايين أسرة بريطانية بالكهرباء.
كيف يمكننا تحقيق ذلك؟
للإجابة عن هذا السؤال يوضح الباحثان أننا نحتاج إلى 3 أشياء، وهي:
أولا، يجب استخدام بطاريات قادرة على نقل الطاقة في اتجاهين، أي من السيارة إلى نقطة الشحن والعكس أيضا، ويعرف هذا النظام باسم “من المركبة إلى الشبكة” (vehicle-to-grid) أو (V2G)، وتم استخدامه أول مرة في اليابان عقب كارثة فوكوشيما عام 2011، لتعويض النقص الذي حصل في مصادر الطاقة وقتها.
ثانيا، هناك حاجة إلى المزيد من مجالات التطوير اللازمة لنشر هذه التكنولوجيا. ويتضمن ذلك تركيب أجهزة شحن من “المركبة إلى الشبكة” في المنازل، وتوافق المركبات (استخدام بطاريات سيارات حديثة قادرة على إعادة الشحن)، وإجراء تغييرات في سوق الطاقة.
الجزء الثالث من اللغز التقني، هو استخدام شبكات حديثة لتوزيع الطاقة، حيث إن شبكات التوزيع الحالية في العديد من البلدان -بما فيها بريطانيا- هي شبكات قديمة وبحاجة إلى صيانة وتحديث، لهذا يجب التأكد من قدرة الشبكات المحلية في كل دولة على التعامل مع هذه التقنية الجديدة.
إشراك السائقين وأرباب المنازل
ويشير الباحثان إلى أنه بمجرد أن يتم تطوير التقنيات اللازمة للعملية ووضعها في مكانها الصحيح، فيجب التأكد من تفاعل الأشخاص الداخلين في العملية بشكل إيجابي، ومن هؤلاء أرباب المنازل الذين يجب عليهم معرفة وتعلم أنظمة عمل نظام “من المركبة إلى الشبكة”، كما يجب إشراك السائقين من خلال تدريبهم على كيفية عمل النظام والمكاسب التي سيحققونها من خلاله.
في الوقت الحالي، يتم إجراء معظم التجارب بواسطة شركات الطاقة التي ترغب في معرفة كيفية عمل هذه التكنولوجيا تجاريا، لكن يجب التركيز أيضا على شرح مزايا النظام ومقدار التوفير والربح الذي يمكن للسائقين والمستهلكين تحقيقه من خلاله، إضافة إلى الفوائد الكبيرة التي ستجنيها البيئة والصحة العامة للناس عموما.
مكاسب عديدة
ويؤكد الباحثان أن شحن السيارات الكهربائية بأرخص تكلفة، وإعادة بيع الطاقة إلى الشبكة في وقت الذروة يمكّن العملاء من كسب ما يصل إلى 725 جنيها إسترلينيا سنويا. فإذا أضفنا هذا إلى التوفير الكبير في تكلفة الوقود (تبلغ تكلفة شحن السيارة الكهربائية في المتوسط نحو 500 جنيه إسترليني سنويا، مقابل 1435 جنيها إسترلينيا سنويا للسيارات العاملة بالبنزين أو الديزل)، فإن الربح سيكون جزيلا بكل المقاييس. إن الحد من التلوث البيئي، وتوفير تكاليف الوقود، وتشغيل البيوت بالطاقة النظيفة والرخيصة، كلها فوائد عظيمة ستجنيها البشرية من هذه التكنولوجيا. وعن العقبات التي ستعترض تنفيذ هذا المشروع الطموح، يوضح الباحثان أن العقبات موجودة ومن أهمها: التكاليف المحتملة لتركيب شواحن من المركبة إلى الشبكة في المنازل، والتأثيرات المتوقعة على نمط الحياة، ومتاعب التأخر في شحن السيارة الكهربائية الموصولة بالكهرباء (إذا كانت السيارة تعمل على تشغيل المنزل)، والخوف من تدهور ونقص عمر البطارية.
طاقة أزيد من إنتاج 10 محطات نووية مجتمعة
وتعتزم المملكة المتحدة استثمار ملايين الجنيهات الإسترلينية في إنشاء نظام طاقة أكثر مرونة لدعم كهربة المركبات وتوليد الطاقة المتجددة، والانتقال إلى اقتصاد منخفض الكربون وأكثر عدلا وشمولا. وفي الحقيقة، فإنه إذا تم استخدام هذه التكنولوجيا فستكسب دولة مثل بريطانيا قدرة توليد طاقة تصل إلى ما تولده 10 محطات طاقة نووية كبيرة، وبإمكاننا تخيل الربح الكبير الذي سيتحقق من هذه التقنية، كما يشرح الباحثان. لن تكون العملية سهلة وستحتاج إلى دعم من شركات الطاقة ومصنعي السيارات وشركات التمويل، وهناك الكثير من المشاكل التي تجب معالجتها، ولكن علينا أن نتذكر أن سياراتنا تبقى أغلب الوقت مركونة في المواقف من دون عمل، وغير مستخدمة بنسبة تصل إلى 95% من الوقت، وهنا فإن فرص استخدام هذه السيارات لكي تكون مصادر توليد نظيفة للطاقة وأكثر اخضرارا وأرخص، هي فرص هائلة بكل تأكيد.