الشرط الثالث، وهو فرع عن الثاني ومفاده وجوب تتبع المصطلحات قيد الدراسة في كل مواطن ورودها، واعتبار السياقات التي يتم فيها هذا الورود قبل أي تعريف لهذه المصطلحات.
الشرط الرابع، ضبط الضمائم، فإذا تم الذهول عن حقيقة أنّ الكلمة في القرآن المجيد تكون لها ضمائم كما تكون لها نظائر تلقي عليها أضواء إضافية، وإنْ لم يتم النظر في كل هذه المرافقات والمحتوشات التي تُحيط بالكلمة المصطلح فإن الباحث وإن اعتبر السياق ونظر في كل الشروط التي سلفت قد يفوّت الشيء الكثير..
الشرط الخامس، أن يكون لدى الباحث وضوح في القضايا التي يريد أن يستنطق بخصوصها القرآن المجيد في علاقة بالهيمنة، إذ حين اتضاح هذه القضايا فإنها تكون بمثابة التضاريس الفكرية والنفسية والوجدانية التي من شأنها أن تمكّن الدارس من التقاط ما يتعلق بالمواضيع المبحوث فيها من إشارات؛ وإلا فسوف تغلب على البحث العمومية والسطحية.
فالإنسان الذي قد اشتغل في التربية مثلا ووقف على بعض إشكالاتها وأدرك الأمور التي تقتضي الحل، ووقف على حيثيات التربية، يكون أكثر استعدادا لتلقي الإشارات والآيات الموجودة في القرآن المجيد بخصوص هذه المسألة. أما إذا دخل خالي الذهن فإنّه سوف يتخطّف ويُجتال بقضايا كثيرة ومتعددة، ولن يكون الاستنطاق للقرآن المجيد بخصوص الهيمنة في مضمار التربية كما هو مرجو؛ بمعنى أنّ بناء هذه التضاريس التي سوف تلتقط الآيات المتعلقة بالقضية المدروسة لابد منه بين يدي الدخول إلى عالم القرآن الرحيب لبحثها.
الشرط السادس، وهو مسألة النماذج المعرفية، أو الأنساق القياسية، أو الأطر المرجعية التي ينطلق منها الباحث: فإن كانت مُغلَقة فاته الكثير، بخلاف الأمر إنْ دخل وهو مُطَّرِحٌ بين يدي كتاب الله عز وجل، مستعد لأنْ يتجاوز ما في ذهنه من الأطر المرجعية والأنساق القياسية والنماذج المعرفية وبناء أخرى جديدة بحيث ،وهو يبحث، تكون هناك هيمنة ذاتية.. مع ضرورة استدامة الانفتاح والحفاظ على الوعي التّام بأنّه إنسان محدود وبأن هذه المحدودية تقتضي التكملة..
الشرط السابع، الذي لابد منه أثناء بحث قضية الهيمنة في القرآن المجيد، هو أن تكون مستحضرا في كل لحظة كونكَ إنساناً تنتمي إلى الأسرة الآدمية الممتدة عبر الزمان والمكان وأنك تشكل معها وحدة وتعيش معها تحديات مشتركة لا بد من العمل المتظافر لرفعها، مما يجعل منك كائنا كونيا يتبنّى هموم العالمين في كافة امتداداتهم وهذا تنتج عنه حالة من المشاركة الوجدانية تساعد على تَلقِّي إشارات القرآن الكريم بخصوص الهيمنة، إشارات لا سبيل إلى تلقيها في غياب هذا الشرط النفسي والوجداني.
وهذا الشرط يعدّ –في اعتباري- بمثابة الإطار العام المحدّد للوجهات التي سوف ينطلق فيها الباحث حين يكون منفتحا على هموم العالمين، ويكون عنده كل الافتقار وكل الإدراك اللذين مضت إليهما الإشارة.