التحكيم التجاري والعولمة الاقتصادية (1)

الرئيسية » إبداع وتنمية » التحكيم التجاري والعولمة الاقتصادية (1)

إن التحولات الكبرى التي عرفها الاقتصاد المغربي منذ أواخر الثمانينات كان لها أثر حاسم في التعجيل بإصلاح السوق المالية لمواكبة المستجدات الناجمة على الخصوص عن إعادة هيكلة القطاع العمومي والشروع في تنفيذ برنامج الخوصصة وما رافق ذلك كله من تحرير مجموعة من القطاعات في أفق سياسة اقتصادية ومالية جديدة تقوم على اقتصاد السوق وكذا المنافسة الدولية ونظام عولمة الاقتصاد، وفي هذا السياق عمل المغرب على استكمال لبنات سوق رأس مال تعلق عليها أمال كبيرة لتكون محور للإقلاع الاقتصادي والاجتماعي فمن إصلاح النظام البنكي وتحرير نظام الصرف ومراجعة النظام الضريبي إلى صدور مدونة التجارة وقانون شركة المساهمة ووضع ميثاق للاستثمار، كان لابد من تتويج هذه التدابير بتحسين وتحديد أسواق رأس المال، فقد كان من الطبيعي في خضم هذه الإصلاحات التي شملت مختلف مجالات الحياة الاقتصادية أن تحضى السوق المالية بدورها باهتمام المشرع المغربي[1]. وبالتالي وضع آلية لحسم المنازعات التجارية والمتمثلة في التحكيم التجاري ووضع ضمن إطار قانوني مرن يستجيب وهذه المتغيرات التي يفرضها النظام الاقتصادي العالمي الجديد، هذا التأطير التشريعي المتعلق بالتحكيم التجاري في إطار العولمة الاقتصادية سوف نحاول أن نستشفه من خلال التحكيم التجاري في منازعات الاستثمار والدور الذي تلعبه الاتفاقيات الاقتصادية خصوصا تلك التي صادق عليها المغرب في هذا المجال، ومعرفة الإجراءات القانونية المتبعة من طرف منظمة التجارة العالمية على مستوى التحكيم التجاري كنموذج على اعتبار أن هذه المنضمة تعتبر أحد آليات العولمة الاقتصادية (المبحث الثاني) لكن قبل الخوض في ذلك سوف نحاول التطرق لمفهوم العولمة الاقتصادية وتحديد مجالاتها والآثار المترتبة عنها (المبحث الأول).

المبحث الأول: العولمة الاقتصادية، مجالاتها والآثار المترتبة عنها

إن من مظاهر العولمة في بعدها الاقتصادي زيادة الاعتماد المتبادل بين الدول والاقتصاديات القومية من خلال عولمة عمليات الإنتاج والتسويق لكثير من الصناعات الحديثة، ونمو حجم التجارة الدولية وتنويعها، وانتقال رؤوس الأموال عبر الحدود، وزيادة عدد ونشاط الشركات المتعددة الجنسيات. فيما يلي سوف نحاول التطرق لمفهوم العولمة الاقتصادية والأهداف المرتبطة بها (المطلب الأول) وسوف نسلط الضوء على مظاهرها وأدواتها من خلال (المطلب الثاني).

المطلب الأول: مفهوم العولمة الاقتصادية وأهدافها

تمثل العولمة الاقتصادية أهم قواعد النظام العالمي الجديد بحيث يتم من خلالها تحرير العمليات الاقتصادية ليصبح العالم سوقا حرا واحدا، متجاوزا بذلك الاختلافات المتباينة بين الدول التي غالبا ما تخلق حالة اللامساواة بينها وتزيد من إمكانية قيام اقتصاد على حساب اقتصاد آخر، ولذلك ظهرت تحولات اقتصادية ومن المتوقع أن تظهر تحولات اقتصادية أخرى في مختلف دول العالم كنتيجة حتمية لهذه العولمة.

الفقرة الأولى: مفهوم العولمة الاقتصادية.

إنّ العولمة ظاهرة متعددة الأوجه، ورغم أن مفهومها أصبح أحد المفاهيم الشائعة في عالمنا الراهن، إلا أن الفقهاء لم يتفقوا على تحديد تعريف لها، ثم إن الباحث تواجهه صعوبات جمة حين محاولته تعريف العولمة.وفي الحقيقة لا يوجد تعريف واحد، بل نجد تعريفات متعددة تختلف باختلاف الخلفية الإيديولوجية لصاحب التعريف. وقبل الوقوف عند مجموعة من التعاريف سوف نحاول الحديث عن الجدور التاريخية للعولمة.

أولا: التأطير التاريخي للعولمة 

يعتبر العالم السوسيولوجي الكندي مارشال ماك لوهان أول من أطلق مفهوم “العولمة”في نهاية عقد الستينيات من القرن الميلادي المنصرم في معرض صياغته لمفهوم “القرية الكونية” في كتابه المشهور “الحرب والسلام في القرية الكونية”.[2]

وقد انطلق أستاذ الإعلام السوسيولوجي في جامعة تورنتو من الدور الذي لعبه جهاز التلفزيون في أثناء حرب فيتنام التي خاضتها الولايات المتحدة وانتهت بهزيمتها وسحب قواتها. وقد استنتج الكاتب أن الشاشة الصغيرة حولت المواطنين الأمريكيين من مجرد مشاهدين أو مستهلكين للصور إلى مشاركين أو فاعلين في مجريات الحرب[3]، وسيؤدي هذا الأمر -في نظر الباحث- من جهة  إلى اختفاء الحدود بين العسكريين والمدنيين وإلى تحول الإعلام الالكتروني –خارج أوقات الحرب- إلى محرك للتغيير الاجتماعي من جهة أخرى.

 بعد مارشال ماك لوهان، يأتي دور زبغنيو بريجنسكي[4] الذي فضل استعمال مصطلح “المدينة الكونية” (Global City) بدلا من مصطلح “العولمة” (Globalization) الذي استخدمه قبله عالم الاجتماع الكندي. ويعلل بريجنسكي اختياره الاصطلاحي بكون مفهوم العودة إلى الجماعة والحياة المرتبطة بالقرية لم يعد مناسبا في دلالته على التشابكات الدولية في عصر التكنولوجيا الالكترونية[5].

وقبل الانتقال إلى محاولة تعريفها يجب التذكير على أن العولمة ليست ظاهرة جديدة تماما، بل هي قديمة إلى حد كبير، فقد تتصدر حضارة ما باقي الحضارات وتقود العالم. وحدث ذلك في الصين والهند وفارس وما بين النهرين وكنعان ومصر القديمة، وقامت الحضارة العربية الإسلامية كحلقة وصل بين حضارات الشرق وحضارات الغرب عندما كانت مركزا للعالم ومصدرا للعلم تنقل إبداعاتها من العربية إلى اللاتينية والعبرية، وقامت بذلك مجموعة من الغرب مرة أخرى (اليونان والرومان)، ثم الغرب الحديث منذ ما يسمى بالاكتشافات الجغرافية.

ثانيا: تعريفات العولمة

قد يكون من الصعوبة بمكان حصر تعريفات العولمة وتفسيراتها، إذ أنها عمليا ظاهرة مستمرة تكشف كل يوم عن وجه جديد من وجوهها المتعددة. ولكن هذا الغموض الذي يكتنف جوهر العولمة وتفاصيلها الدقيقة لم يمنع أدبيات هذا المفهوم من تحديد الخطوط الرئيسية وأهم الملامح المرتبطة بهذا الاصطلاح. وفي هذا الصدد تعتبر العولمة نتيجة طبيعية ناجمة عن التطورات الدافعة بقوة نحو قيام نظام جديد تتغير تبعا لها الخصائص والوظائف التي يقوم عليها هذا النظام. وتبعا لهذا التعريف فإن العولمة تعنى تغيير الاتجاه الذي يسير إليه العالم من المحافظة على النظام والأمن عبر التنظيمات والأحلاف العسكرية إلى مهمة تحقيق الرفاه العالمي ونقل الثقافة في إطار التكامل الدولي وهيمنة القيم العالمية النمطية على الشعوب. أما من الناحية الهيكلية، فيمكن أن يشار إلى العولمة بأنها النظام الذي يتراجع في ظله دور الدولة القومية وتنكمش فيها سلطة السيادة والغلبة في مواجهة قدرات الأفراد في مقابل تنامي دور القطاعات والشبكات الفردية الخاصة والمسجلة بقوة المعلومات وتقنية الاتصالات والعاملة في إطار منظمات غير حكومية عابرة للقارات.

ويعتبر سيمون رايش Simon Riech العولمة بمثابة ملتقى لسلسة من الظواهر الاقتصادية المتصلة في جوهرها. وتشمل هذه الظواهر تحرير الأسواق ورفع القيود عنها، وخصخصة الأصول، وتراجع وظائف الدولة (خاصة ما يتعلق بالرفاهية الاجتماعية)، وانتشار التقنية، وتوزيع الإنتاج التصنيعي عبر الحدود (من خلال الاستثمار الأجنبي المباشر)، وتكامل أسواق رأس المال[6].

ويرى الفقيه روجيه جارودي بأنها: (نظام يمكن الأقوياء من فرض الدكتاتوريات اللإنسانية التي تسمح بافتراس المستضعفين بذريعة التبادل الحر وحرية السوق)[7].

وفي إطار تعريف العولمة من خلال موضوع دراستنا يعرف بول سويزي العولمة بأنها: (صيرورة رأسمالية تاريخية يتحول فيها خط الإنتاج الرأسمالي من دائرة عولمة المبادلة والتوزيع والتسويق والتجارة إلى دائرة عولمة الإنتاج الرأسمالي مع عولمة رأس المال الإنتاجي وقوى وعلاقات الإنتاج الرأسمالية، مما يؤدي لإخضاع العالم كله إلى النظام الرأسمالي تحت قيادة وهيمنة وتوجيه القوى العالمية والمركزية وسيادة نظام التبادل الشامل والمتميز، لصالح الاقتصاديات الرأسمالية المتقدمة).

انطلاقا من مجموعة التعريفات السابقة يمكن القول بأن العناصر الأساسية لظاهرة العولمة تتمحور حول الازدياد المطرد في العلاقات المتبادلة بين الأمم سواء في تبادل السلع والخدمات أو فيما يتعلق بانتقال رؤوس الأموال أو في انتشار المعلومات والأفكار والثقافات، وما تحمله كل هذه التفاعلات من إمكانية التأثير المتبادل بين الأمم والشعوب بقيم وعادات وسلوكيات بعضها البعض.

فمما سبق يمكن اختصار المدى الأبعد لمفهوم العولمة بالاندماج الكلي لأسواق العالم في حقول التجارة والاستثمارات المباشرة وانتقال الأموال والأيدي العاملة والثقافات ومن ثم خضوع العالم برمته لقوة وميكانيكية سوق عالمية واحدة تخترق الحدود القومية وتضعف سيادة الدولة القومية على مواردها وأولوياتها ورعاياها.

الفقرة الثانية: أهداف ومنافع العولمة الاقتصادية

من المرجح أن تكون منافع العولمة الاقتصادية مهمة في ثلاث مجالات رئيسة، تمنية القطاع المالي، نوعية المؤسسات، والسياسات الاقتصادية الكلية.

أولا: تنمية القطاع المالي وتحسين نوعية المؤسسات

أتبتت الدراسات أن العديد من التدفقات المالية للدولة تعمل كعامل محفز مهم بالنسبة لتنمية السوق المالية، مثلما ينعكس في كل من المقاييس المباشرة لحجم القطاع المصرفي وأسواق أسهم رأس المال، وفي المفهوم الأوسع لتنمية الأسواق المالية، بما في ذلك الإشراف والتنظيم، كما أنه كلما اتسع نطاق وجود البنوك المالية في بلد ما تحسنت نوعية الخدمات المالية، وزادة كفاءة الوساطة المالية، وفيما يتعلق بأسواق أسهم رأس المال فإن زيادة دخول المستثمرين الأجانب يزيد من كفاءتها، والواقع أن أسواق الأوراق المالية تميل إلى أن تصبح أكتر وأكبر سيولة بعد عملية تحرير أسواق أسهم رأس المال.

وتعد تنمية القطاع المالي محددا مهما لمدى المنافع التي يمكن للعولمة المالية أن تأتي بها بالنسبة للنمو والاستقرار فكلما زاد تطور القطاع المالي في بلد ما زادت منافع تدفقات رأس المال الوافدة بالنسبة للنمو وقل تعرض البلد لمخاطر الأزمات كما أن لتنمية القطاع المالي تأثيرا إيجابيا على الاستقرار الاقتصادي الكلي.

وقد دفعت العولمة الاقتصادية عددا من البلدان إلى تصحيح هياكل حوكمة الشركات فيها، استجابة للمنافسة الأجنبية ومطالب المستثمرين الدوليين ويبدو أن نوعية المؤسسات تلعب دورا مهما ليس فقط في تحديد نتائج التكامل المالي وإنما أيضا في تحديد المستوى الفعلي للتكامل كما أنها تؤثر بقوة في تكوين التدفقات الواردة للاقتصاديات النامية، وتساعد نوعية المؤسسات الأفضل في إمالة هيكل رأس المال في البلد نحو تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر وأسهم رأسمال المحافظ مما يؤدي إلى تحقيق مزيد من المنافع الإضافية للتكامل المالي.

ثانيا : تقوية السياسات الاقتصادية الكلية

يمكن لتحرير حساب رأسمال أن يفرض بزيادته للتكاليف المحتملة المرتبطة بالسياسات السيئة، وتعزيز المنافع المرتبطة بالسياسات الجيدة، الانضباط على السياسات الاقتصادية الكلية، حيت أن تحرير حساب رأس المال يجعل البلد أكثر تعرضا لمخاطر التحولات المفاجئة في مشاعر المستثمرين الدوليين، وهو ما يلزم البلد بتبني سياسات إقتصادية كلية أفضل، كوسيلة لتخفيف احتمال وقوع مثل هده التحولات واثارها المعاكسة كما أن نوعية السياسات الاقتصادية الكلية تؤثر على مستوى التدفقات الواردة وتكوينها، وكدا على مدى تعرض البلد لمخاطر الأزمات. إذ تزيد السياسات النقدية والمالية السليمة منافع تحرير حساب رأس المال بالنسبة للنمو وتساعد على تجنب الأزمات في البلدان ذات الحسابات المفتوحة لرأس المال.[8]

المطلب الثاني: مظاهر العولمة الاقتصادية وأدواتها

إن التحرك نحو السياسات الليبرالية الجديدة، لم يحدث فقط نتيجة القوى الاقتصادية العالمية، لكنه حصل أيضا نتيجة موافقة الحكومات الوطنية على تبنيه وتطبيقه بالتوافق مع مصالحهم الوطنية الخاصة، وأيديولوجياتهم، والمنظمات العالمية التي تمثلهم. وهذه الأخيرة تهيمن عليها الدول الأقوى اقتصاديـا وسياسيـا. من هنا تتمظهر لنا أبعاد العولمة الاقتصادية التي سوف نحاول التطرق لها من خلال مميزات العولمة الاقتصادية وتوجهاتها (الفقرة الأولى)، وكذلك الحيث عن أبرز سماتها وآلياتها (الفقرة الثانية).

الفقرة الأولى: توجهات العولمة الاقتصادية

إن الاتجاه إلى عولمة الاقتصاد على نطاق كل أطراف الاقتصاد الدولي، يجعل العالم إلى قرية صغيرة محدودة الأبعاد متنافسة الأطراف بفعل ثورة التكنولوجيا والاتصالات، وتتمثل العولمة في نهوض إطار أعمال منظم عابر للقوميات يؤدي إلى عولمة الاقتصاد، بما في ذلك الدفع نحو توحيد وتنافس أسواق السلع والخدمات وأسواق رأس المال وأسواق التكنولوجيا والخدمات الحديثة. وبالتالي تحول العالم إلى كيان موحد إلى حد بعيد من حيث كثافة الاتصالات والمعاملات. وبالتالي فإن ظاهرة العولمة بدأت تنتشر على كافة المستويات الإنتاجية والتمويلية والتكنولوجية والتسويقية والإدارية، مع الإشارة إلى أن العالمية ترتبط بعولمة أو عالمية الاقتصاد القومي، وبنفس الدرجة عولمة أو عالمية المشروع من منطلق السعي لاقتناص الفرص وتكبير العوائد،  ومن خلال إلقاء نظرة شاملة على الأوضاع العالمية، يمكن القول والملاحظة، أن العالم أصبح أكثر غنى من ذي قبل، وأن الرقي التقني أصبح أكبر من ذي قبل وأكثر انتشارا، وإن الفروقات الاقتصادية أصبحت أكثر حدة وشدة مما كانت عليه وإن توزيع الدخل العالمي أصبح أقل توازنا وأقل عدلا، وإن هنالك هوة كبيرة وكئيبة مسيطرة على العالم، من المحتمل أن تمثل تهديدا جديا للنمو المتحقق والتطور المستمر مستقبلا.

في مقابل ذلك يمكن الملاحظة أن بلدان العالم أصبحت تتوزع بشكل عام، على النحو التالي:[9]

أ الدول الصناعية المتقدمة، التي التزمت بمبادئ الاقتصاد الحر سابقا ودافعت عنه وعملت على نشره، هذه الدول هي التي تقود التطورات العالمية وتصيغها بالشكل الذي يتناسب معها. فهي تمتلك مصلحة أكيدة وكامنة من تعميمها، نشرها واعتمادها من قبل أكبر عدد ممكن من البلدان، فهذه الدول قد هيأت ذاتها مسبقا، وهي بالتالي مستفيدة منها ومعتمدة عليها كمحرك ودافع لتفعيل مداخلها الاقتصادية وتنشيط مؤسساتها القائمة من خلال استغلال الفرص والإمكانيات القائمة في العالم، بعد أن تمكنت من اكتساب الخبرة من التكتلات الاقتصادية الكبيرة التي أقامتها ومنذ حين وتمكنت من إقامة الوسائل التي تتيح لها الاستفادة من الفرص عالميا من خلال تقنيات حديثة تم التوصل إليها واستخدامها بفعالية. ولا بد من الإشارة أنه رغم الفوائد الاقتصادية الأكيدة المتحققة لهذه الدول إلا أن هنالك بوادر تذمر مجتمعي من الانعكاسات السلبية على الوظائف والعمل داخل بعضها.

ب- الدول الصناعية الجديدة، التي تمكنت من إقامة قاعدة صناعية تصديرية هامة وأحرزت تطورات عديدة بفضل عوامل عديدة وكثيرة. هذه الدول استوعبت خلفيات عملية العولمة، وهي تعمل لتأمين مكاسب إضافية من خلال الانخراط والمشاركة الواسعة بالتطورات العالمية الجارية، وهي الآن تواجه منافسة قوية من الدول السابقة كما أنها تمثل منافسا هاما لها.

ج الدول التي كانت تعرف بالدول الاشتراكية أو صاحبة فكر الاقتصاد الموجه أو المركز. وهذه الدول في مرحلة انتقالية وتحول مستمر في الغالب. ورغم القاعدة التقنية التي تمتلكها هذه الدول، فإن غالبيتها تعاني من مشاكل اقتصادية واجتماعية عديدة، نظرا للانقلاب السريع الذي أصاب اقتصادها وأدخلها في متاهات عديدة. بينما الصين التي سارت في التحول التدريجي لاقتصادها وكانت قد أعطته ومنذ عقد السبعينات بعض أصناف التحرر، فإنها ما تزال تلعب دورا مؤثرا على المستوى العالمي.

د الدول النامية التي تعاني من مشاكل انتقالية واجتماعية كبيرة، وهذه الدول في معظمها ما تزال تصارع وتتأثر بالتطورات العالمية المتسارعة. وكل هذه القوى والاتجاهات شكلت هي وغيرها عملية الانتقال للنظام الاقتصادي العالمي الجديد -في المرحلة الحالية- والذي يجب الاقتراب أكثر من تحليل مكوناته وتحديد خصائصه وملامحه، والتعرف على تحولاته وتحدياته، وقضاياه التي بدأت تتحدد في مجال التجارة الدولية، وتمويل التنمية الاقتصادية، والنظام النقدي، والتصنيع ونقل التكنولوجيا، والممتلكات العامة للبشرية والحفاظ على البيئة وغيرها.

الفقرة الثانية: آليات العولمة الاقتصادية

تسيطر العولمة الاقتصادية على اقتصاد العالم بأسره من خلال آلياتها الثلاث وهي:

1. صندوق النقد الدولي:

ويختص بالسياسات النقدية للدول الأعضاء من خلال برامج التثبيت والتكيف الهيكلي وهو المسؤول عن إدارة النظام النقدي للعولمة. وقد تبلورت فكرة صندوق النقد الدولي في يوليوز 1944 أثناء مؤتمر للأمم المتحدة عقد في بريتون وودز بولاية نيوهامبشير الأمريكية عندما اتفق ممثلو خمس وأربعين حكومة على إطار للتعاون الاقتصادي يستهدف تجنب تكرار كارثة السياسات الاقتصادية الفاشلة التي أسهمت في حدوث الكساد الكبير في الثلاثينات من القرن العشرين.

فخلال هذا العقد، ومع ضعف النشاط الاقتصادي في البلدان الصناعية الكبرى، حاولت البلدان المختلفة الدفاع عن اقتصاداتها بزيادة القيود المفروضة على الواردات، ولكن هذا الإجراء لم يؤد إلا إلى تفاقم دائرة الانخفاض التي يتعاقب فيها هبوط التجارة العالمية والناتج وتوظيف العمالة. ومن أجل المحافظة على الاحتياطيات المتناقصة من الذهب والعملات الأجنبية لجأت بعض البلدان إلى تقييد حرية مواطنيها في الشراء من الخارج، وقامت بلدان أخرى بتخفيض أسعار عملاتها، بينما فرض البعض الآخر قيودا معقدة على حرية حيازة المواطنين للعملات الأجنبية. على أن هذه الحلول أدت إلى نتائج عكسية، ولم يتمكن أي بلد من المحافظة على ميزته التنافسية لفترة طويلة. وقد أدت سياسات “إفقار الجار” هذه إلى تدمير الاقتصاد الدولي، فتناقصت التجارة العالمية تناقصا حادا وكذلك توظيف العمالة ومستويات المعيشة في بلدان كثيرة.

2. البنك الدولي للإنشاء والتعمير:

يستهدف البنك تخفيض أعداد الفقراء في البلدان المتوسطة الدخل والبلدان الأفقر المتمتعة بالأهلية الائتمانية عن طريق تشجيع التنمية المستدامة، من خلال تقديم القروض والضمانات وأدوات إدارة المخاطر، والخدمات التحليلية والاستشارية. تأسس البنك الدولي للإنشاء والتعمير ليكون المؤسسة الأصلية لمجموعة البنك الدولي، حيث يشبه بنيانه الهيكلي مؤسسة تعاونية مملوكة للبلدان الأعضاء البالغ عددهم 188 بلدا يتم تشغيلها لصالحهم.

ويحصل البنك الدولي للإنشاء والتعمير على معظم موارده المالية عن طريق الأسواق المالية العالمية، وقد أصبح إحدى أكثر الجهات المقترضة منذ إصداره أول سند له في عام 1947. ويسمح الدخل الذي حققه البنك على مرّ السنوات له بتمويل الأنشطة الإنمائية، ويضمن له القوة المالية، التي تمكنه من الاقتراض من أسواق رأس المال بتكلفة منخفضة وتقديم شروط جيدة للمقترضين المتعاملين معه.

وفي اجتماعه السنوي المنعقد في سبتمبر 2006، تعهد البنك الدولي بتشجيع من حكومات البلدان الأعضاء ـ بعمل المزيد من التحسينات على الخدمات التي يقدمها لأعضائه، وحتى يتسنى تلبية الطلبات الأكثر تطورا وتقدما بصورة متزايدة من جانب البلدان المتوسطة الدخل، يقوم البنك الدولي للإنشاء والتعمير في الوقت الحالي بإجراء إصلاح شامل للأدوات المالية وأدوات إدارة المخاطر، وتوسيع نطاق تقديم الخدمات المعرفية المستقلة، وزيادة سهولة تعامل العملاء مع البنك.[10]

3. منظمة التجارة العالمية:

 هي عبارة عن إطار قانوني ومؤسسي لنظام التجارة متعدد الأطراف. ويؤمن ذلك الإطار الإلزامات التعاقدية الأساسية التي تحدد للحكومات كيف يمكن صياغة وتنفيذ الأنظمة والضوابط التجارية المحلية. كما أن للمنظمة منتدى يسعى إلى تنمية العلاقات التجارية بين الدول من خلال المناقشات والمفاوضات الجماعية والأحكام القضائية للمنازعات التجارية. ويعود تاريخ تأسيسها بعد ختام جولة أوروجواي في 15 ديسمبر 1993م، والتي وقع بيانها الختامي في اجتماع مراكش أبريل 1994م، لكي تتأسس منظمة التجارة العالمية رسميا في أول يناير 1995م.

وبالتالي أصبحت منظمة التجارة العالمية مكانا عالميا لتحديد القواعد والأعراف العالمية للسلوك التجاري العالمي، ولتكون منتدى عالميا لإجراء المفاوضات التجارية العالمية، ولتقوم بمهام تأطير وقيادة نظام العولمة.

وتتجلى أهداف المنظمة في:

– إيجاد بيئة آمنة وأجواء مستقرة للتجارة الدولية.

– استمرار تحرير التجارة من القيود (والمقصود: النفاذ إلى الأسواق).

وفي سبيل ذلك تسلك سياستين مهمتين: الأولى الحد من سياسات الدعم للمنتجات المحلية، والثانية الحد من سياسات الدعم الموجهة للصادرات.

ومن الواضح أن هدف المنظمة من ذلك تكافؤ الفرص بين المصدرين في كل الدول الأعضاء، وأن لا تكون المنافسة بين الحكومات بل بين المنشآت الخاصة والشركات.

د. مولاي مراد القادري

—————————

[1] أحمد أيت الطالب، التنظيم القانوني للسوق المالي المغربي، مطبعة المعاريف الجديدة، الطبعة الأولى، 2000، ص 39.

[2] Marshall Mc Luhan and Quentin Fiore, War and Peace in the Global Village: An Inventory of Some of the Current Spastic Situations That Could Be Eliminated.  By More feed forward, New York; 1969.

[3] د. ميمون الطاهري، دور وسائل الاتصال في العلاقات الدولية المعاصرة (الدراسة قدمت في الأصل كمساهمة في ندوة  الإعلام و العولمة في الشرق الأوسط  والتي  شهدتها  مسقط بسلطنة عمان في الفترة 20- 21  أكتوبر 2008)، منشورات جامعة السلطان قابوس، مسقط، 2008.

[4]Zbigniew Kazimierz Brzeziński  عالم سياسة أمريكي من أصل بولوني، شغل منصب مستشار الرئيس الأمريكي لشؤون الأمن القومي في سنوات 1977-1981 في عهد الرئيس الأمريكي جيمي كارتر.

[5] باسم علي خريسان، العولمة والتحدي الثقافي، بيروت: دار الفكر العربي،2001.،ص. 17.

[6] ر. هيجوت: العولمة و الأقلمة. سلسلة  محاضرات الإمارات (25) مركز، الدراسات و البحوث الإستراتيجية. أبو ظبي 1998. ص 6.

[7] أبوبكرعساف،العولمةوآثارهاالاقتصاديةالمدمرةعلىالبلادالإسلاميةوالعالم،مجلةالوعي . العدد262،السنة23،ذوالقعدة1429 ه،تشرينالثاني2008

[8] نادية العقون – العولمة الإقتصادية والأزمات المالية: الوقاية والعلاج، دراسة لأزمة الرهن العقاري في الولايات المتحدة الأمريكية. أطروحة  لنيل شهادة الدكتوراه علوم في العلوم الإقتصادية تخصص : إقتصاد التنمية. كلية العلوم الإقتصادية والتجارية وعلوم التسيير. جامعة الحاج لخضر باتنة, ص 56

[9] أوراق اقتصادية: الاتحاد العام لغرف التجارة و الصناعة و الزراعة للبلاد العربية. العدد 13. سبتمبر 1997. ص 186.

[10] عن موقع  http://www.worldbank.org/

شارك:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *