خلال أعوام ثلاثة شهدت خلالها الإنسانية كوارث كبيرة، بدءا بكورونا ومرورا بالتغيرات البيئية وصولا إلى الغزو الروسي لأوكرانيا وما نجم عنه من أزمة في الغذاء والطاقة، كان الذكاء الاصطناعي الوجه المشرق والنصف الممتلئ من الكأس.
كيف إذن استفاد العالم من خدمات هذا الوافد الجديد خلال عام 2022؟
ومؤخرا أدخلت قطر تقنيات عديدة من تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي في تنظيمها لمونديال 2022. عن طريقه تحكمت بدرجات حرارة الملاعب، وأنظمة التحكيم. حيث جهزت الملاعب بكاميرات مثبتة مهمتها تتبع الكرة المليئة بالمستشعرات، و29 نقطة بيانات على جسم كل لاعب، بمعدل 50 مرة في الثانية، تتعقّب نقاط البيانات أطراف اللاعبين وموقع الكرة، وتزوّد نظام الذكاء الاصطناعي بما يساعد الحكم على اتخاذ قرارات بشأن العقوبات، كما في حالات التسلل.
وأتاح النظام خدمة التنبيه الآلي داخل غرفة مجهزة بشاشات لعرض الفيديو، وساهم في التحقق من صحة أي قرار، وإبلاغ الحكم على أرض الملعب بالنتائج. واستخدمت الملاعب الخوارزميات للتنبؤ بتحركات الحشود ومنع التدافع، وتفادي حوادث خطيرة حصلت في مناسبات أخرى مماثلة.
على صفحات الذكاء الاصطناعي والحياة تك تابعنا أخبار أحدث التطبيقات الذكية ونقلنا مخاوف تسبب فيها هذا القادم الجديد، وعن آمال تعلقت به.
وتابعنا الجدل الذي أثاره طرد شركة غوغل مهندسا زعم أن الروبوتات تمتلك مشاعر كما البشر. وكان زعمه هذا يتعلق بروبوت دردشة هو “لامدا”. وجاء في رد غوغل أن مهندس البرمجيات بلايك ليموين انتهك سياساتها، وأن مزاعمه بشأن “لامدا” لا أساس لها من الصحة. لكن بلايك ليموين أعلن نظريته القائلة إن تقنية غوغل اللغوية واعية، ويجب بالتالي احترام “رغباتها”.
أقفل على ملفات القضية داخل الأدراج، وتوقف الحديث عنها، ولكن الجدل حول مخاوف من ثورة روبوتات ضد البشر ما زالت قائمة تدعمها آراء علماء ورجال أعمال لهم مكانتهم المرموقة.
إن كان لنا أن نصف هذا العصر بثلاث كلمات فستكون حتما “عصر الأخبار الكاذبة”، وهنا كان للذكاء الاصطناعي دور مميز في الكشف عنها.
وتبحث مؤسسة ويكيميديا، وهي منظمة غير ربحية تشرف على “ويكيبيديا”، بانتظام عن حلول جديدة لمحاربة عيوبها، كما كشفت تقارير في 2022. وتعاونت المؤسسة مع “ميتا” لتحسين الاقتباسات من “ويكيبيديا” بالذكاء الاصطناعي.
وتستخدم “ويكيبيديا” المراجع لتأكيد المعلومات في الموقع، لكن هذه غالبا ما تكون مفقودة أو غير كاملة أو غير دقيقة. وبينما يتحقّق متطوعو “ويكيبيديا” مرة أخرى من الحواشي السفلية، يصعب عليهم المواكبة مع إضافة أكثر من 17 ألف مقالة جديدة شهريا. وبالاستعانة بتقنية تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي من “ميتا”، يمكّن النموذج الأول من التقنية من مسح مئات الآلاف من الاقتباسات تلقائيا في وقت واحد للتحقق من دقتها. وتعتمد التقنية على مجموعة بيانات تتكون من 134 مليون صفحة ويب عامة، وفقا لموقع ذا نِكست ويب التقني.
وإسهامات الذكاء الاصطناعي لم تتوقف عند الملاعب والكشف عن الأخبار الكاذبة، نشر الكثير عن إسهامات أنظمة الذكاء في الفنون، من الرسم إلى الكتابة.
في مايو الماضي أُعلِن عن كتابة فيلم قصير يحمل اسم Boy Sprouted مدته 26 دقيقة، من تأليف الذكاء الاصطناعي للروبوت Furukoto وإخراج يوكو واتانابي. وصرّح واتانابي حينها “جودة النص تقريبا بمستوى جودة كتابة البشر. لو لم أكن أعرف، ما كنت لأشك في أنّ إنسانا كتبه”.
ويتنافس نوعان من خوارزميات الذكاء الاصطناعي تطلق عليهما تسمية “الشبكات العصبية” على تقديم الصورة الأكثر اكتمالا للفنان.
ولا يمكن تحقيق هذه المهمة الضخمة إلا بمشاريع تتمتع بتمويل كبير كنموذج Dall – E 2 من شركة أوبن إيه آي الناشئة في كاليفورنيا التي تحظى بتمويل خاص من رجل الأعمال الشهير الملياردير إيلون ماسك، أو مشروع “إيماجن” المنافِس من “غول ريسيرتش”.
واستنادا إلى جملة واحدة يصبح الكمبيوتر قادرا على مزج المفاهيم وإنشاء تمثيلات متعددة وتوليد الصور. ويعتقد الخبراء أن هذه البرامج يمكن أن تحدث ثورة في صناعة إنشاء الصور وتنقيحها.
وبعد أقل من شهرين أعلنت “ميتا” عن نموذج ذكاء اصطناعي يحمل اسم NLLB – 200 يمكنه التحدث بـ200 لغة، تشمل لغات محدودة الانتشار في آسيا وأفريقيا. وكانت الشركة قد أطلقت قبل ستة أشهر من الإعلان مشروع NLLB الذي يهدف إلى تدريب الذكاء الاصطناعي على الترجمة بسلاسة بين اللغات من دون الحاجة إلى المرور باللغة الإنجليزية أولا.
ووفقا لبيان من الشركة يمكّن NLLB – 200 من ترجمة 55 لغة أفريقية بنتائج “عالية الجودة”. وقررت “ميتا” فتح مصدر NLLB – 200، بالإضافة إلى تقديم منح قيمتها 200 ألف دولار للمؤسسات غير الربحية، لتطوير تطبيقات واقعية لهذه التكنولوجيا.
الصورة لم تكن وردية دائما، الذكاء الاصطناعي دخل أرض المعركة من خلال الأسلحة الفتاكة ذاتية التشغيل التي باتت جزءا من واقع الحروب اليوم. نسمع يوميا عن مسيرات تستخدمها دول مارقة في الاعتداء على جيرانها.
في حرب أوكرانيا، انتشرت أخبار تفيد بأن موسكو نشرت بنادق كلاشينكوف مزودة بذخيرة تعمل بالذكاء الاصطناعي، بينما استخدمت كييف طائرات تركية الصنع من طراز “بيرقدار تي بي 2” تتمتع ببعض القدرات الذكية الذاتية. وأوردت “فورين بوليسي” أن إسرائيل وروسيا وكوريا الجنوبية وتركيا على الأقل قد نشرت أسلحة ذات قدرات ذاتية، وتستثمر أستراليا وبريطانيا والصين والولايات المتحدة بكثافة في تطوير أنظمة الأسلحة الفتاكة الذكية.
ويرجح الباحثون أن روسيا ستستخدم بالتأكيد الذكاء الاصطناعي في أوكرانيا للمساعدة في تحليل بيانات ساحة المعركة، بما في ذلك لقطات المراقبة من الطائرات من دون طيار. وقد يلعب الذكاء الاصطناعي أيضا دورا حيويا في حرب المعلومات. ويخشى مراقبون غربيون من أن تقنيات مثل التلاعب المعمق (مقاطع فيديو مزيفة واقعية للغاية أُنشئت باستخدام الذكاء الاصطناعي) ستزيد من حدة حملات التضليل الروسية، رغم عدم وجود دليل حتى الآن على استخدامها.
ما زلنا في الحروب، حيث يمكن استخدام التعلم الآلي للمساعدة في الكشف عن المعلومات المضللة. وتنشر منصات بالفعل هذه الأنظمة، رغم أن سجلها في تحديد المعلومات المضللة وإزالتها بدقة لا يزالان أقل من المطلوب.
واقترح خبراء أن الذكاء الاصطناعي يمكن أن يساعد في تحليل الكم الهائل من المعلومات الاستخبارية مفتوحة المصدر، القادمة من أوكرانيا من مقاطع تيك توك ومنشورات تيلغرام، لتشكيلات القوات والهجمات، التي جرى تحميلها من قبل الأوكرانيين العاديين. وهذا يمكن أن يسمح لمنظمات المجتمع المدني بالتحقق من صحة الادعاءات التي قدمها طرفا الحرب، وكذلك توثيق الفظائع وانتهاكات حقوق الإنسان المحتملة، وقد يكون هذا أمرا حيويا لمحاكمات جرائم الحرب في المستقبل.
هذه مجرد عجالة لملامح كبيرة ميزت عام 2022، أما التفاصيل الصغيرة فهي أكبر من أن تعد أو تحصى. وسواء كنا من فئة المنتقدين أو المرحبين بتطبيقات الذكاء الاصطناعي، علينا أن نستعد لعام 2023، لأن ما سيحمله من مفاجآت أكثر بكثير مما حمله عام 2022.
العرب