طالت تأثيرات الذكاء الاصطناعي كل مناحي الحياة تقريبا، ولم يعد أي قطاع صناعي بمنأى عنه، ومثل هذا هو حال البشر أيضا، خاصة عقب انتشار جائحة كورونا، ليصبح محركا أساسيا للتقنيات الناشئة، بدءا بجمع البيانات الضخمة التي تعتبر أساسا للخوارزميات، وصولا إلى إنترنت الأشياء، ومرورا بالروبوتات والطباعة الثلاثية الأبعاد.
ويتفق الخبراء على أن عام 2021 سيكون عام الذكاء الاصطناعي دون منازع، الأمر الذي سيشكل بداية لعقد غير مسبوق في تبني التكنولوجيا الناشئة والاعتماد عليها. وسيترافق ذلك بمخاوف أمنية ومراجعة شاملة لقواعد الخصوصية وضرورة التأسيس لقوانين تفرض الاستخدام الأخلاقي للذكاء الاصطناعي، وإعادة التفكير خصوصا بالتأثيرات المتزايدة للتغيرات المناخية في القطاعات الصناعية.
أفضل طريقة يمكن بواسطتها التنبؤ بمستقبل الذكاء الاصطناعي هي تتبع الابتكارات الجديدة واللاعبين الرئيسيين في هذا القطاع، من خلال التوزع الجغرافي لبراءات الاختراع والمنشورات العلمية. ويمكن الاستعانة في ذلك بمنشورات المنظمة العالمية للملكية الفكرية وتقاريرها. يساعد تحليل براءات الاختراع في تمييز اتجاهات الذكاء الاصطناعي، ويساعد في استكشاف تقنياته ومجال تطبيقاته، وهو مهم لأي شخص يحاول فهم تطور التكنولوجيا الناشئة وآثارها وأين وصلت مساعي تطويرها وإلى أين تتجه.
وتكشف تقارير المنظمة عن استخدام العديد من تقنيات الذكاء الاصطناعي في مختلف الصناعات. وحسب التقارير تقود شركة مايكروسوفت حاليا سباق براءات الاختراع المرتبطة بتلك التقنيات، مع أكبر عدد من براءات الاختراع، إذ حصلت على أكثر من 18300 براءة اختراع متعلقة بالذكاء الاصطناعي، تليها شركة آي.بي.إم وسامسونغ وكوالكوم وغوغل. لكن هل يحل الذكاء الاصطناعي محل البشر في المستقبل؟ الإجابة القصيرة هي نعم. رأينا سابقا روبوتات تؤدي وظائف بشرية في قطاعات التصنيع. الجديد أن هذه الروبوتات باتت تحتوي اليوم على شكل من أشكال الذكاء الاصطناعي المدمج فيها، ما يضمن عملها بشكل جيد.
سيرفض بعض الناس التكيف مع هذه التغييرات، رغم كونها الدافع الحقيقي لعجلة التقدم التقني، ويعد الذكاء الاصطناعي، شئنا أم أبينا، أحد الاتجاهات التقنية الكبرى لعام 2021 وما بعده، وسيصبح ركنا من أركان حياتنا اليومية. أما في ما يتعلق باتجاهات التكنولوجيا الحديثة وتأثيراتها على حياتنا اليومية فقد شدد المحللون للتقرير الصادر عن المنظمة العالمية للملكية الفكرية على أربعة تغيرات يترتب عليها مستقبلا تغير حياتنا كما عرفناها إلى وقت قريب جدا.
وتشمل هذه التغيرات محاولة بعض الشركات الجريئة في العام 2021 فتح آفاق جديدة للذكاء الاصطناعي مثل توفير خاصية عقد اجتماعات عمل ثلاثية الأبعاد عن بعد وتصنيع أجهزة حسب الطلب. وتتوقع التقارير أن تتكيف ثلث الشركات مع الظروف الجديدة التي فرضتها جائحة كورونا والاعتماد على الذكاء الاصطناعي لتسهيل عمل الموظفين من منازلهم، مثل تسهيل عمليات العثور على المستندات ورعاية الزبائن وتتبع سير العمل.
لقد غيرت الجائحة خطط المؤسسات ومشاريعها، وبرز للأتمتة الذكية والروبوتات والذكاء الاصطناعي دور جديد سيساهم في زيادة كفاءة ومرونة الشركات ويوسع من عملياتها. وستحل روبوتات الدردشة محل البشر في عمليات التواصل مع الزبون، ويمكن أن يتعلم هذا النوع من الروبوتات بشكل أفضل، اعتمادا على تقنية تعلم الآلة لفهم ما يقوله الإنسان بشكل أفضل وتوفير تواصل أقرب إلى المستوى البشري، أي بعبارة أخرى محاكاة بوتات الدردشة للمحادثات البشرية.
ويستدعي الطلب المتزايد على هذه التكنولوجيات ضرورة وجود مبادئ أخلاقية تنظم استخداماتها، وهو ما سيتصدر قائمة المطالب الملحة خلال عام 2021، وسيكون على مطوري التقنية الاستجابة بسرعة لهذه المطالب وصياغة مبادئ أخلاقية لها. ولم تكن المنظمات التي تبنت تعلم الآلة وتقنيات الذكاء الاصطناعي منشغلة كثيرا بتأثير هذه التقنيات الأخلاقي على المجتمعات، لكننا نرى اليوم تغيرا في المفاهيم، إذ يرغب المستهلكون أن تستخدم الشركات ابتكاراتها بمسؤولية، ومن المتوقع أن يجري تقييم الشركات مستقبلا وفق المبادئ الأخلاقية التي تؤمن بها.
إضافة إلى الأسئلة الملحة المطروحة مثل، من هي الجهة المسؤولة في حال ارتكاب الذكاء الاصطناعي لخطأ ما؟ وهل ينبغي السماح لأنظمة الذكاء الاصطناعي بالقتل؟ ومن يسيطر على تقنيات الذكاء الاصطناعي وتجنب تحيزه؟ وكيف سيتعامل البشر مع أنظمة الذكاء الاصطناعي؟ ستشمل قائمة القضايا الأخلاقية الملحة أيضا فقدان الوظائف وعدم المساواة في الثروة.
صحيفة العرب