استشراف التعليم - 1

الرئيسية » الأعمدة » دراسات استشرافية » استشراف التعليم – 1

كيف تشخص اليونسكو واقع التعليم وتتوقع مستقبله؟

(قراءة في مضامين التقرير العالمي حول التعليم للجميع)

المقدمة:

لا جدال في كون التعليم وتعميمه هو أخطر الرهانات وأهمها، لما له من تداعيات اقتصادية واجتماعية ونفسية وسياسية وحضارية. ولذلك هناك اهتمام شديد من طرف الحكومات والمنظمات الدولية والمنظمات غير الحكومية ومراكز الأبحاث وحواضن الفكر المستقبلي، فكل هذه المؤسسات تحاول فهم وإدراك السبل الفعالة لتحقيق تعليم جيد ودائم ومنتظم، وكذلك استشراف الوضع التعليمي العالمي، في المستقبل القريب والمتوسط والبعيد.

ويندرج موضوع تعميم التعليم ضمن اهتمامات منظمة اليونسكو وكذلك برنامج الأهداف الإنمائية للأمم المتحدة. وقد خصصت اليونسكو مجموعة من الدراسات للموضوع. وصدرت مجموعة من التقارير حول رصد التعليم للجميع، تولت اليونسكو تسهيل صدورها ودعمها. وهذه التقارير صدرت بالشكل التالي:

  • 2002 التعليم للجميع – هل يسير العالم على الطريق الصحيح؟
  • 2003 – 2004 قضايا الجنسين والتعليم للجميع: قفزة نحو المساواة.
  • 2005 التعليم للجميع – ضرورة ضمان الجودة.
  • 2006 القرائية من أجل الحياة.
  • 2007 إرساء أسس مبنية من خلال الرعاية والتربية في الطفولة المبكرة.
  • 2008 التعليم للجميع بحلول 2015 هل سنحقق الهدف؟
  • 2009 أهمية الحكومة في تحقيق المساواة في التعليم.
  • 2010 السبيل إلى إنصاف المحرومين.
  • 2011 الأزمة الخفية: النزاعات المسلحة والتعليم.

وفي سنة 2012، صدر التقرير العالمي لرصد التعليم للجميع تحت عنوان: الشباب والمهارات: تسخير التعليم لمقتضيات العمل. وسنحاول في هذه الدراسة المتواضعة، النظر في مضامين هذا التقرير، وإبراز معالمه وأفكاره ومقترحاته وكذلك فهم هواجس اليونسكو وتوقعات الخبراء في هذا المجال. ويتكون التقرير من مقدمة وجزء أول يرصد التقدم نحو تحقيق أهداف التعليم للجميع، ويتضمن فصلين، الأول حول الأهداف الستة للتعليم للجميع والفصل الثاني حول تمويل التعليم للجميع. أما الجزء الثاني فحول تسخير التعليم لمقتضيات العمل، ويتضمن فصلا حول الشباب والمهارات والعمل ثم فصل حول الاستثمار في المهارات من أجل الازدهار وفصل آخر حول التعليم الثانوي ثم فصل حول مهارات الشباب في المدن (فرصة لبناء مستقبل أفضل) وفصل حول مهارات الشباب في الأرياف – مخرج من الفقر. ثم ينتهي التقرير بالحديث عن مهارات الشباب والتفكير في مستقبل أفضل ثم خاتمة بالإضافة إلى ملحق يتضمن مؤشر تنمية التعليم للجميع والجداول الإحصائية والجداول الخاصة بالمعونة ثم المسرد والمختصرات والمراجع.

أولا: تشخيص واقع تحقيق أهداف التعليم للجميع.

تعتبر قمة دكار[1] في السنغال سنة 2000، المخصصة لأهداف التعليم للجميع، محطة تاريخية مهمة للاتفاق حول مهلة إنجاز الأهداف الستة للتعليم؛ والتي تعاهدت الدول 164 على إنجازها في حدود 2015. ففي المنتدى العالمي للتربية (دكار 200) ثم الالتزام بأن تكون سنة 2015 هي الموعد لتعميم انتفاع الجميع بالتعليم. وتعمل الحكومات والوكالات الإنمائية ومنظمات المجتمع المدني ومؤسسات القطاع الخاص على تحقيق هذه الأهداف. وقد تم تكليف اليونسكو بموجب إطار عمل دكار بتنسيق أنشطة هؤلاء الشركاء بالتعاون مع الوكالات الأربع التي دعت إلى منتدى دكار وهي برنامج الأمم المتحدة الإنمائي وصندوق الأمم المتحدة للسكان واليونيسيف والبنك الدولي.

إن النظر في السياسات العمومية حول التعليم مرتبط بمدى التزام الدول بتحقيق الأهداف المتفق عليها في قمة داكار. ولذا من الأهمية بمكان معرفة ماهية هذه الأهداف الستة التي تم تحديدها بموافقة الدول والمنظمات الدولية والمجتمع المدني العالمي.

1- الأهداف الستة للتعليم للجميع.

1-1- الهدف الأول: الرعاية والتربية في مرحلة الطفولة المبكرة.

هناك اتفاق بين الباحثين وصناع القرار السياسي في البلدان المتقدمة حول أهمية التعليم في مرحلة الطفولة المبكرة، وهكذا “أصبح واضعوا السياسات على المستويين الوطني والدولي أكثر قناعة من أي وقت مضى بأن الرفاه في مرحلة الطفولة المبكرة ليس مجرد حق وحسب ولكنه استثمار فعال الكلفة”[2] وهذا الهدف مرتبط بثلاثة أبعاد للنماء في مرحلة الطفولة المبكرة وهي صحة الطفل وتغذيته وتربيته. وبالتالي فمؤشر الرعاية والتربية في المرحلة المبكرة، يعكس نتائج السياسات المحققة في مجال الصحة والتغذية والتربية.

ويتم قياس الصحة بحسب النسبة المئوية للأطفال الذين يبقون على قيد الحياة ما بعد سن الخامسة. وتقاس التغذية بحسب نسبة الأطفال دون سن الخامسة الذين لا يعانون من التقزم المعتدل أو الشديد. وتقاس التربية بحسب النسبة المئوية للأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين 3 و7 سنوات الملتحقين بالتعليم قبل الابتدائي أو الابتدائي. ويقول التقرير “وتوازي قيمة مؤشر الرعاية والتربية في مرحلة الطفولة المبكرة متوسط هذه المؤشرات الثلاثة. وبما أن كل مؤشر يحتسب بالنسب المئوية، فإن القيمة تتراوح بين الصفر و1. ولقد كانت 68 دولة فقط من أصل 205 تتمتع بسلسلة معلومات كاملة حول كل هذه المؤشرات في العام 2010”[3].

وتشير الدراسات والأبحاث إلى كون التعليم قبل الابتدائي له منافع هامة من حيث الأداء المدرسي، إذ بين برنامج التقييم الدولي للطلبة (PISA) لعام 2009[4]، بأن أداء التلاميذ البالغين الـ15 سنة والذين قضوا فقط سنة واحدة على الأقل قبل الابتدائي في 58 دولة من اصل 65، كان أفضل من أولئك الذين لم يتمكنوا من الاستفادة من التمدرس قبل الابتدائي: أما في البلدان المتقدمة، فتبين الدراسات الطويلة الأمد، أن التمدرس قبل الابتدائي، له منافع وتأثير على مستوى الإنجاز الأكاديمي وتطوير المهارات غير المعرفية مثل الانتباه والجهد والمبادرة والسلوك هذا بالاضافة بالطبع إلى المهارات المعرفية مثل القراءة والرياضيات. كما أشار التقرير إلى مشروع[5] “الإثراء المبكر” (Early Enrichment Project) الذي اعتمد في تركيا في الثمانينيات، وشمل المشروع مساعدة الأسر ضعيفة الدخل، في تمكين أطفالها من التعليم قبل الابتدائي، واتضح بعد عقدين من الزمن، تمكن هؤلاء الأطفال من الحصول على مراكز مهنية وتحصيل علمي مهم. كما أبرز تقييم برنامج[6] Head Start ، وهو برنامج أمريكي، يستهدف الأطفال الفقراء، النتائج الإيجابية على المدى الطويل، ويشير التقرير إلى مجموعة أخرى من الدراسات والبرامج التي تتفق جميعها حول أهمية التعليم ما قبل الابتدائي. وينتهي التقرير بخصوص الهدف الأول، إلى القول “يضطلع الوصول المتكافئ إلى التعليم قبل الابتدائي العالي الجودة، كجزء من رزمة شاملة من الرعاية والتربية في مرحلة الطفولة المبكرة، بدور أساسي في تحسين استعداد صغار الأطفال للنجاح في المدرسة. ولابد من أن يكون التعليم قبل الابتدائي الذي يساعد على تسهيل الانتقال إلى المدرسة الابتدائية معقول الكلفة وعالي الجودة. حتى في الدول الفقيرة، قد يساهم الالتزام السياسي والتمويل الملائم في تحسين الوصول ليشمل عددا أكبر من الأطفال. وبغية الحد من انعدام المساواة، يتوجب على الحكومات إيلاء اهتمام خاص لأطفال الأسر الفقيرة الذين يعانون من الحرمان أصلا – والذين سيكونون أكبر المستفيدين”[7].

2-1- تعميم التعليم الابتدائي.

يقضي هذا الهدف “تمكين جميع الأطفال وبوجه خاص البنات والأطفال الذين يعيشون في ظروف صعبة وأطفال الأقليات الإثنية، من الانتفاع ومن إكمال تعليم ابتدائي جيد مجاني وإلزامي بحلول عام 2015”[8]، وهو هدف مثالي غير واقعي، ذلك أن الأوضاع الجيوسياسية العالمية، غير موائمة لذلك، فتحقيق هذا الهدف، يفترض توفر بيئة سليمة من الصراعات والنزاعات، وقدرة الدول على القضاء على الفقر وتحقيق عدالة اجتماعية واستقرار سياسي، وهذا غير ممكن حاليا.

ويمكن القول بأن الالتزام بهذا الهدف، يفترض نظريا، التعميم على جميع الفئات ذكورا وإناثا والتركيز على الخصوص على الإناث ثم تمكين الفقراء من هذا التعميم، ثم تمكين كذلك ابناء الأقليات ويعني حمايتهم من أي تمييز، ثم ضمان المجانية والجودة.

وتعتبر الهند من الدول الرائدة في تشريع قانون الحق في التعليم والتنصيص على مجانيته في دستور 2002، وملاحقة المؤسسات والأفراد الذين ينتهكون حق الأطفال في التعليم أمام القضاء. وقلصت الهند عدد غير المستفيدين من التعليم من 20 مليون سنة 2000 إلى مليونين سنة 2008[9].

وينتهي التقرير بخصوص هذا الهدف إلى القول “لقد ساعد إلغاء رسوم المدارس الابتدائية في الحد من التكاليف ولكنه لم يلغ حاجز الكلفة أمام التحاق الأفقر حالا بالمدارس. فقد تكون التكاليف غير الرسوم على غرار الزي المدرسي واللوازم المدرسية باهظة لاسيما بالنسبة إلى الأسر الفقيرة، ما يتطلب البحث عن حلول إضافية. ولابد من إعداد استراتيجيات لتعويض الأسر الفقيرة عن التكاليف المدرسية المباشرة والتكاليف غير المباشرة الناجمة عن توجه الطفل إلى المدرسة عوضا عن العمل. ومن غير المرجح أن يتكلل إلغاء الرسوم الرسمية بالنجاح إلا في حال إدراجه في إطار تمويل تربوي أوسع يعالج هذه المسائل”[10].

3-1- الهدف الثالث: حاجات التعليم لدى الشباب والراشدين.

يتوخى الهدف الثالث، الذي يتمحور حول حاجات التعليم لدى الشباب والراشدين، ضمان “تلبية حاجات التعليم لكافة الراشدين من خلال الانتفاع المتكافئ ببرامج ملائمة للتعليم واكتساب المهارات اللازمة للحياة”[11].

ويعتبر موضوع تنمية المهارات من بين القضايا الأساسية في النقاش التربوي العالمي، حسب التقرير، وذلك لأهمية الموضوع وارتباطه بالرهانات الاقتصادية. وليس هناك اتفاق حول مواصفات التقدم في الانتفاع المتكافئ من برامج ملائمة للتعلم واكتساب المهارات. كما هناك إعادة نظر شاملة، سبب التطورات الكبيرة التي يعرفها العالم، لمفهوم المهارات وسبل اكتسابها. وقد اقترحت مجموعة العشرين في قمة سيول في نوفمبر 2010، مجموعة من المؤشرات[12]. “وتغطي ثلاث مؤشرات متميزة من سلسلة المؤشرات التي اقترحتها مجموعة العشرين أساس الهدف 3 بشكل جزئي. ويتعلق المؤشر الأول بالمهارات المعرفية الخاصة بالشباب والكبار. وتعد بعض الدراسات الاستقصائية بقياس هذا المؤشر. بدءا من يوليوز 2012، (…) وبالنسبة إلى المؤشرين الآخرين في مبادرة مجموعة العشرين واللذين يتصلان بالهدف 3 – مشاركة الشباب في برامج التمرس المهني ومشاركة الراشدين في التعليم والتدريب – كان ن الصعب عمليا جميع البيانات القابلة للمقارنة، لاسيما في البلدان التي لا تنتمي إلى منظمة التعاون والتنمية في الميدان الاقتصادي”[13]. ويبدو أن الاتحاد الأروبي، قد طور منهجا منظما لقياس تطوير المهارات[14]. ويتم الحديث عن المهارات المعرفية والمهارات غير المعرفية والمهارات التقنية؛ ويؤكد التقرير على أن محور تركيز السياسات يكمن في كون تعلم مهارات الحياة، قد يساعد على مواجهة فيروس نقص المناعة البشرية ونقص المناعة المكتسب. كما أن اكتساب المهارات لدى الشباب والراشدين، له تأثير إيجابي على التصرفات والسلوكيات[15]. ويعترف التقرير بأن ذلك غير سهل، إذ يتعين اعتماد المعلمين على مقاربة تشاركية، وتكوينهم على إدراك واكتساب هذه المقاربة في التعليم والتكوين، كما يتعين إشراك جميع الفاعلين في المجتمع المدني المحلي والعالمي في ذلك. وينتهي التقرير بخصوص الهدف الثالث إلى خاتمة مفادها “تشكل برامج التعليم على مهارات الحياة التي تركز على الشباب مكونا أساسيا من استجابة شاملة للوقاية من فيروس نقص المناعة البشرية. ويبقى الدعم الملائم وتدريب المعلمين والمسيرين أمرا ضروريا. ويمكن لبرامج لاسيما عند إشراك الشباب كمسيرين ومرشدين، أن تكمل النهوج القائمة على المدارس وتوسع التغطية للوصول إلى الشباب الأكثر عرضة للخطر”[16].

4-1- تحسين مستويات القرائية لدى الكبار.

يتحدد هذا الهدف في تحقيق “تحسين نسبة 50% في مستويات القرائية لدى الكبار بحلول عام 2015 ولاسيما لصالح النساء وتحقيق تكافؤ فرص التعليم الأساسي والتعليم المستمر لجميع الكبار”[17]. ومن المعلوم أن تحسين مستوى القرائية له تأثير مهم على تقدم المجتمعات، ولذلك هناك ضغط متواصل من طرف المنظمات الدولية على الحكومات للاهتمام بوضع سياسات عمومية فعالة بخصوص محو الأمية. إذ وصل معدل أمية الكبار العالمي عام 2010 إلى 16% أي ما يعادل 775 مليون راشدو ثلثا هؤلاء من النساء. ويهتم برنامج تقييم ورصد محو الأمية التابع لمعهد اليونسكو للاقصاء، بجميع جميع المعطيات حول طرق اكتساب مهارات القراءة والسياقات المرتبطة بها. وغالبا ما تكتسب هذه المهارات في المدارس او المراكز المخصصة لمحو الأمية. و”لفهم العمليات المرتبطة باكتساب مهارات القرائية، يجمع برنامج تقييم ورصد محو الأمية معلومات اساسية بشأن نطاق واسع من بيئات القرائية وممارسات محو الأمية. وتستخدم هذه المعلومات لتطوير قياس “كثافة بيئات القرائية” على المستويين الفردي والأسري والمجتمع”[18].

ويرى أصحاب التقرير بأن إنهاء المدرسة الابتدائية لا يضمن محو الأمية للجميع. حيث تبين من بعض الدراسات[19]، أن الأطفال في البلدان الفقيرة، رغم إتمامهم التعليم الابتدائي، لم يلموا بالقراءة والكتابة. كما يواجه نفس المشكل الأطفال الفقراء والمهاجرين وأبناء الأقليات العرقية في البلدان ذات الدخل المرتفع. ويلاحظ كذلك أن المجتمعات التي تعرف معدلات قرائية مرتفعة، غالبا ما يتعرض الأفراد الذي لهم مهارات ضعيفة في الكتابة والقراءة للوصم وبالتالي يعانون من فقدان الثقة ويميلون إلى إخفاء مشكل الأمية لديهم[20]. فهناك حوالي 47%  من الكبار في إيطاليا؛ من يعاني من ضعف مهارة في القراءة والكتابة. ولذلك يرى أصحاب التقرير بأن هذا الأمر هو مشكل حقيقي واكبر مما يعترف به، ويعود سبب هذا الضعف إلى تدني التحصيل العلمي لدى الكبار.

وتنتشر ظاهرة المهارة الضعيفة وسط المحرومين في الدول المتقدمة، إذ “تعطي متوسطات الأرقام صورة عامة من سلم مهارات القرائية الضعيفة لدى الكبار. ولكنها تخفي تفاوتات شاسعة لدى البلدان. وحتى في البلدان التي تسجل مستويات كلية أعلى لمهارات قرائية الكبار، لا تزال بعض الفئات تواجه الحرمان المرتبط ببعض الخصائص على غرار النوع الاجتماعي والفقر والاثنية واللغة والإعاقة” [21].

ولهذا الاعتبار فقد شكلت المفوضية الأوربية في فبراير 2011 مجموعة رفيعة المستوى، مهتمة لمحو الأمية في أوربا وتقييم السياسات الحالية. كما تساهم نتائج برنامج التقييم الدولي لمهارات البالغين الخاص بمنظمة التعاون والتنمية في الميدان الاقتصادي، والمرتقب نشرها في 2013، فرصة مهمة لحث الدول الغنية على مواجهة مشكلة الأمية[22].

ويبدو أن برامج محو الأمية تساهم في اكتساب مهارات ومؤهلات التعليم الثانوي والحصول هلى وظائف أفضل. كما هو الحال في إيطاليا وبقي الدول الأوربية، وخصوصا بالنسبة للراشدين من المهاجرين، ويتم ذلك في المدارس الثانوية التي تمتع دروسا في الليل ومراكز المقاطعات لتعليم الكبار. ولكن رغم ذلك فعدد الذين يملكون مهارات ضعيفة في إيطاليا وصل 19 مليون عام 2003.

ويلاحظ التقرير بأن البرامج المخصصة في أماكن العمل، تساهم في معالجة الأمية. كما هو الحال في النرويج، حيث يمكن لأي مؤسسة أن تتقدم بطلب للحصول على التمويل الكافي لتأمين التدريب على المهارات الأساسية[23]. وكذلك صندوق محو الأمية في مكان العمل في نيوزيلندا.

ولمواجهة مشكلة الوصم المرتبطة بضعف المقروئية والكتابة، قامت انجلترا بحملات إعلامية وتقديم المشورة المجانية والسرية، وقد ساهم ذلك في الاعتراف بمشكل الأمية لدى الكبار[24]، وفي بعض الدول، تم اللجوء إلى استعمال الهاتف لتقديم المشورة حول المشاركة في محو الامية وعلى سبيل المثال “خدمة info-Alpha في كيبك في كندا هي خدمة مجانية وسرية وناطقة بلغتين تقدم المساعدة والمعلومات لذوي مهارات القرائية المتدنية. وتحيل هذه الخدمة المتصلين إلى موارد محو الأمية ومقدمي الخدمات في هذا المجال في كل منطقة.

كما تقدم ألمانيا عبر موقع إلكتروني[25] (أرغب في تعلم الكتابة)، مجموعة من الدورات الدراسية لفائدة الراغبين في محو الأمية واكتساب مهارات جديدة في القراءة والمعارف (رياضيات – لغة انجليزية) مع الالتزام بالسرية وإمكانية تنبع المتعلم في اي مكان كان وبأي إيقاع شاء. وقد استفاد حوالي 2000 ألف متعلم من هذه البوابة منذ انطلاقها في سنة 2004. كما ساهم برنامج Acceder  في اسبانيا من إفادة 37 ألف شخص وذلك عبر 48 مركز.

ويشير التقرير إلى ضرورة إعداد مدرسين بشكل جيد لهم كفاءة التكيف مع احتياجات السكان غير المتجانسة.

وينهي التقرير بخصوص هذا الهدف الرابع إلى القول بأنه “لم تعالج مسألة المهارات القرائية الضعيفة لدى الكبار بشكل كاف في البلدان الغنية. وإذ تم الاعتراف بأن مهارات القرائية الضعيفة لا تزال تشكل حافزا اجتماعيا واقتصاديا بوجه ملايين الراشدين في هذه البلدان، يصبح من الضروري تغيير محور تركيز السياسات بشكل كامل ودعمه بالموارد الكافية”[26].

د. خالد ميار الإدريسي
رئيس تحرير مجلة مآلات، فصلية محكمة تعنى بالدراسات الاستشرافية

الهوامش:

[1]-  اجتمع في أبريل 2000 أكثر من 1100 شخص من 160 دولة في داكار بالسنغال، للمشاركة في المنتدى العالمي للتربية. وقام المشاركون في هذا المنتدى، من معلمين ورؤساء ووزراء وأكاديميين وراسمي السياسات وهيئات حكومية ومديري منظمات دولية بارزة، باعتماد إطار عمل داكار “التعليم للجميع: الوفاء بالتزاماتنا الجماعية” كما وافق المشاركون على ستة أهداف تعليمية واسعة وحددوا 2015 موعدا لتحقيقها. ويمثل التقرير العالمي لرصد التعليم للجميع الوثيقة الرئيسية لتقييم التقدم المحرز عالميا في تحقيق أهداف داكار الستة للتعليم للجميع. فالتقرير برصد التقدم المحرز، ويحدد الإصلاحات الفعالة الخاصة بالسياسات وأفضل الممارسات المتبعة في جميع المجالات المتعلقة بالتعليم للجميع. كما يشير في التقرير الانتباه إلى التحديات المستجدة وسعى إلى تعزيز التعاون الدولي في مجال التعليم.

انظر موقع اليونسكو www.unesco.org/new/ar/education.

[2]-  انظر: التقرير العالمي لرصد التعليم للجميع، اليونسكو 2012 ص: 40.

[3]-  نفس المصدر، ص: 45.

[4]-  نفس المصدر، ص: 48.

[5]-  نفس المصدر، ص: 49.

للتوسع أنظر: Duncan, G,J. Dowsett,2007. School readiness and later achievement. Developmental Psychology, vol 43, N°6, pp 1428 – 46.

[6]-  تقرير التعليم للجميع 2012، ص: 50.

[7]-  نفسه، ص: 49.

[8]-  نفسه، ص: 57.

[9]-  نفسه، ص: 58

[10]-  نفسه، ص: 73.

[11]-  نفسه، ص: 80.

[12]-  نفسه، ص: 80.

[13]-  يقول التقرير: “هذا وسلطت الأزمة الاقتصادية التي أثرت حفلا في البلدان النامية وأدت إلى انتشار مستويات مرتفعة من البطالة في صفوف الشباب، الضوء على ضرورة تحديد الاحتياجات من المهارات وقياس مستويات المهارات. ودعت خطة العمل المتعددة السنوات المتعلقة بالتنمية، التي اعتمدتها قمة سيول في نوفمبر 2010، منظمة العمل الدولية ومنظمة التعاون والتنمية في الميدان الاقتصادي واليونسكو والبنك الدولي إلى إعداد مؤشرات للمهارات قابلة للمقارنة على المستوى الدولي بحلول عام 2012، مع التركيز بصورة خاصة على البلدان المتدنية الدخل. ولقد اقترحت المنظمات المعنية سلسلة من المؤشرات بما فيها مؤشرات حول اكتساب المهارات (منظمة التعاون والتنمية في الميدان الاقتصادي والبنك الدولي، مرتقب) وترتكز هذه المؤشرات إلى حد بعيد على مؤشرات متوافرة بسهولة، يخضع العديد منها لعملية رصد في سياق أهداف أخرى في إطار التعليم للجميع. أنظر نفس المصدر، ص: 82.

[14]-  نفس المصدر، ص: 83.

[15]-  ورد في التقرير ما يلي: “ويجمع الإطار المرجعي المؤلف من ثماني مهارات بين المعارف والمهارات والسلوكيات التي يحتاج إليها الأفراد كافة في العمل وفي احتياجات أخرى. وحددت خمسة أهداف للعام 2020 ومنها هدف واحد متعلق بشكل مباشر بالهدف 3: ينبغي أن يشارك ما بعادل 15% على الأقل من الراشدين في التعلم مدى الحياة. ويجري رصد ذلك من خلال الدراسة الاستقصائية السنوية للقوة العاملة وعبر دراستين استقصائيين تنفذان كل خمس سنوات: الدراسات الاستقصائية لتعليم الكبار والدراسة الاستقصائية للتدريب المهني المتواصل”. نفس المصدر، ص: 83.

[16]-  نفس المصدر، ص: 87.

[17]-  نفس المصدر، ص: 89.

[18]-  نفس المصدر، ص: 90.

[19]-  نفس المصدر، ص: 94.

للتوسع انظر: Gwadlupe, C and Cardoso, H – 2011. Measuring the Continuum of litearcy Skills among adults : educational testing and the LAMP expérience. International Review of Education, vol 57, N°1-2 pp. 199-217.

[20]-  تقرير 2012، مصدر سابق، ص: 98.

[21]-  نفس المصدر، ص: 98.

[22]-  نفس المصدر، ص: 100.

[23]-  نفس المصدر، ص: 103.

[24]-  نفس المصدر، ص: 103.

وبخصوص ظاهرة التميز والوصم يقول التقرير “لم يحظ إرث التمييز والوصم الذي تواجهه الشعوب الأصلية في البلدان الغنية – على غرار استراليا وكندا ونيوزيلندا والولايات المتحدة – بقدر كاف من الاهتمام ولكنه يتجلى بوضوح في بيانات محو الأمية:

يعاني الراشدون في الأمم الأولى في كندا، الانويت وشعب الميتي، أكثر من غيرهم من النقص في مهارات القرائية الأساسية. ففي إقليم نونافوت، كان الراشدون من الإنويت معرضين عشر مرات اكثر من الراشدين من غير الانويت لامتلاك مهارات قرائية ضعيفة جدا في اللغة الإنجليزية أو الفرنسية. في نيوزيلندا، حيث ينتمي حوالي 14.6% من السكان إلى الاثنية الماورية، يظهر 82% من الراشدين الماوريين مهارات قرائية ضعيفة جدا في اللغة الانجليزية مقارنة بـ 13% من السكان غير الاصليين. وفي الولايات المتحدة سجل 19% من الراشدين من الهنود الأمريكيين وشعوب ألاسكا الأصلية نتيجة ادنى من المستوى الأساسي في معرفة قراءة النثر مقارنة بـ7% من الأمريكيين البيض. أما في ما يتعلق بمعرفة الحساب، فلقد كانت الثغرة أكبر: 32% مقارنة بـ13% وتختلف أسباب مهارات القرائية الضعيفة لدى الشعوب الأصلية ولكنها غالبا ما تبدأ في المدرسة. ففي أستراليا أظهر برنامج التقييم الدولي للتلاميذ لعام 2009 أن نسبة التلاميذ في سن 15 الذين لم يبلغوا مستوى القراءة الأساسي كانت 38% بين الشعوب الأصلية. وعلى مستوى الرياضيات، كانت النسبة 40% و15%. ومنذ العام 2008، كان 30% فقط من السكان الأصليين في استراليا الذين تتراوح أعمارهم بين 25 و34 عاما قد أنهوا 12 عاما من المدرسة مقارنة بـ 73% من الأستراليين غير الأصليين. وتبحث البلدان عن طرق لمعالجة التحديات التي تواجهها الشعوب الأصلية. فتحاول الحكومة الكندية أن تصلح إرث المدرسة الداخلية الخاصة بالهنود التي تبعد أطفال الشعوب الأصلية عن عائلاتهم، بهدف استيعابهم وهي تلجأ حتى إلى معاقبتهم إن تحدثوا بلغتهم الخاصة. فبعد اتفاق التسوية المتعلق بالمدارس الداخلية للهنود عام 2007 والاعتذار الحكومي الرسمي عن المدارس الداخلية للهنود عام 2008، تعهدت الحكومة بتحسين التمويل والنوعية والمراعاة الثقافية في مدارس المحميات. أنظر نفس المصدر، ص: 101.

[25]-  “في النرويج أطلق برنامج المهارات الأساسية الحياة المهنية عام 2006. وبحلول عام 2011، كان هذا البرنامج يدعم 249 مشروعا في أكثر من 400 شركة بميزانية تبلغ 16 مليون دولار أمريكي تقريبا وقد انتفع منه أكثر من 20 ألف راشد”. نفس المصدر، ص: 104.

[26]-  تفس المصدر، ص: 205.

انظر: – National Adult literacy Agency ,2012.

شارك:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *