هل نستطيع استخدام الخوارزميات لاتخاذ قرارات مصيرية قد تغير حياتنا؟

الرئيسية » إعلام ورقميات » هل نستطيع استخدام الخوارزميات لاتخاذ قرارات مصيرية قد تغير حياتنا؟

الحياة مملوءة بالقرارات الصعبة؛ من يجب توظيفه أو الاستغناء عن خدماته؟ ما الدرجات التي ينبغي أن يحصل عليها الطلاب في امتحاناتهم؟ هل يتعين الإفراج عن المتهم الذي ينتظر المحاكمة أو حبسه؟ وغيرها كثير من القرارات الصعبة التي تحتاج إلى حسم.. وكثيرا ما يخطئ البشر في الإجابة. البديل الأكثر شيوعا في الزمن الرقمي هو تفويض الخوارزميات باتخاذ القرار المناسب على أمل أن تصحح هذه الخوارزميات من أخطائنا وتحيزنا وتناقضاتنا الجامحة. فالخوارزميات مبنية على الأرقام والبيانات وهي لا تعرف التحيز والانجرار وراء العواطف الخداعة في كثير من الأحيان.

قد يسأل البعض: هل يجب أن نستخدم الخوارزميات لاتخاذ قرارات مصيرية قد تغير حياتنا؟ الإجابة هي “نعم ولا” حسب رأي الكاتب تيمي هارفورد في مقال له نشرته صحيفة “الفايننشال تايمز” حديثا؛ فهو يرى أن من المفيد جدا استخدام الخوارزميات وعلم البيانات لاتخاذ كثير من القرارات المصيرية، ولكنّ هناك جانبا آخر هو جانب إنساني لا تفهمه الخوارزميات الحالية حسب رأيه، ويجب العمل على تطويرها لاستيعاب الأبعاد الأخرى للنفس البشرية كي تتمكن من القيام بهذه المهمة. ولعل الأسئلة الأخرى الأكثر أهمية هي: ما هذه الخوارزميات التي أصبحت تدخل في كل شيء في حياتنا، ونستعد لإعطائها تفويضا على بياض لاتخاذ القرارات المصيرية بالنيابة عنا؟ ما تاريخ هذه الخوارزميات؟ وكيف يمكن تحسين أدائها؟ وما مدى سرعة تطورها؟

كل هذه الأسئلة الحاسمة أدّت إلى قيام فريق مكون من كبار العلماء في مختبر علوم الحاسوب والذكاء الاصطناعي (CSAIL) بجامعة “ماساشوستس للتكنولوجيا” (MIT) بالبحث والتنقيب للإجابة عنها.

ما مدى سرعة تطور الخوارزميات؟

كان السؤال الأساس الذي انطلقوا منه هو: ما مدى سرعة تطور الخوارزميات؟ وجد الباحثون أن المعلومات الموجودة حاليا للإجابة عن السؤال غير كافية على الإطلاق، وفي مواجهة هذا النقص شرع العلماء في تحليل البيانات من 57 كتابا جامعيا تدرّس في أعرق الجامعات الأميركية والأوروبية، فضلا عن أكثر من 1110 ورقات بحثية من مختلف دول العالم، بغرض تتبع تاريخ تطور الخوارزميات. كثير من هذه الكتب والأبحاث أكدت مدى جودة الخوارزميات الجديدة، ولكنها لم تذكر كيف وصلت الخوارزميات إلى هذه النقطة من الجودة.

تاريخ الخوارزميات

في المجموع، بحث فريق العمل في تاريخ 113 “عائلة خوارزمية” (algorithm families)، وهي مجموعة من الخوارزميات التي تحلّ المشكلة نفسها المطلوب الإجابة عنها باعتبارها الأكثر أهمية في كتب علوم الحاسوب الجامعية. وتتبع فريق العمل تاريخ إنشاء وتطور هذه الـ113 عائلة خوارزمية، كما تتبعوا كذلك كل مرة يتم فيها اقتراح خوارزمية جديدة لحل مشكلة ما مع ملاحظة خاصة لتلك التي كانت أكثر كفاءة. وعاد فريق العمل للبحث في تاريخ هذه الخوارزميات بدءا من أربعينيات القرن المنصرم وصولا إلى وقتنا الحالي، ووجد الباحثون أن كل عائلة تتشكل من 8 خوارزميات في المتوسط، من بينها هناك خوارزميتان أثبتتا فعاليتهما وكفاءتهما.

ولمشاركة قاعدة البيانات التي توصلوا إليها؛ أنشأ فريق العمل منصة تحت اسم (Algorithm-Wiki.org)، ودوّن العلماء مدى سرعة تطور هذه العائلات وتحسنها مع التركيز على قدراتها التحليلية وسرعتها في حل المشكلات. وما ظهر للعلماء نتيجة كل هذا البحث كان تنوعا هائلا أعطى لفريق العمل رؤى مهمة للغاية عن كيفية تحسين الخوارزميات التحولية لعلوم الحاسوب وتطويرها لتخدم البشرية بصورة أفضل بكثير مما هو حادث الآن.

أما مشاكل الحوسبة الكبيرة، فكان لدى 43% من عائلات الخوارزميات تحسينات سنوية مساوية أو أكبر لتلك التي تنبّأ بها قانون مور الذي ينص على أن عدد الموصلات في كل بوصة مربعة يرتفع ارتفاعا مضاعفا منذ اختراعها. ولاحظ العلماء أنه في 14% من المشكلات التي عولجت أثبتت هذه الخوارزميات تفوقها في الأداء وتقديم الحلول المناسبة، وبالذات في معالجة المشاكل النابعة من البيانات الضخمة إذ برهنت الخوارزميات على قدراتها الهائلة على التعامل معها، وتحليلها بسرعة فائقة.

من التعقيد الأسي إلى التعقيد المتعدد الحدود

أكبر تغيير فردي لاحظه الباحثون هو عندما انتقلت عائلة خوارزمية من التعقيد الأسي إلى التعقيد المتعدد الحدود، بمعنى أن مقدار الجهد الذي يتطلبه حل مشكلة أسية يشبه محاولة شخص ما تخمين الأرقام السرية لقفل خزنة ما، بحيث يكون من الصعوبة بمكان سرقة تلك الخزنة، فمثلا إذا كان لديك قفل واحد مكون من 10 أرقام فستكون المهمة سهلة لفك تشفير هذا القفل، لكن إذا كانت هناك 4 أقفال فستكون المهمة صعبة للغاية، وسيستغرق الأمر وقتا طويلا وخطوات كثيرة معقدة. المشاكل ذات التعقيد الأسي تشبه تلك التي تواجهها أجهزة الحاسوب العادية التي ينطبق عليها قانون مور أو الخزنة ذات القفل الواحد، أما الخوارزمية المتعددة الحدود فإنها تستطيع بسهولة التعامل مع مجموعة من الأقفال وليس قفلا واحدا فقط، وذلك يجعل من الممكن معالجة المشكلات المعقدة بطريقة لا قدرة لأي حاسوب عادي على معالجتها.

انتهاء صلاحية قانون مور

مع اقتراب قانون مور من انتهاء صلاحيته إذ أثبتت الخوارزميات عدم فعاليته وتفوقت كثيرا عليه، ستزداد حاجة علماء الحاسوب إلى اللجوء إلى الخوارزميات لتحسين الأداء. ويؤكد فريق العمل أن المكاسب من الخوارزميات كانت هائلة تاريخيا، فأجهزة الحواسيب العادية تتطور تطورا بطيئا جدا مقارنة بالخوارزميات التي تتطور بسرعة مذهلة في كل يوم، وهو ما يعني أن الخوارزميات ستحل مكان الحواسيب العادية في المستقبل القريب جدا.

ويقول نيل تومسون العالم في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا وقائد الفريق “إن هذا البحث الجديد يظهر مدى سرعة تحسن الخوارزميات وتطورها عبر مجموعة واسعة من الأمثلة، ومن خلال تحليلنا، تمكنّا من تحديد عدد المهام الإضافية التي يمكن إجراؤها باستخدام القدر نفسه من قوة الحوسبة بعد تحسين الخوارزمية، ومع زيادة المشكلات إلى مليارات أو تريليونات من نقاط البيانات يصبح تطوير وتحسين قدرة الخوارزميات أكثر أهمية من تطوير الأجهزة، وذلك في عصر أصبحت فيه التكلفة البيئية للحوسبة مثيرة للقلق على نحو متزايد، فهذه طريقة جديدة لتحسين الأعمال من دون الجوانب السلبية التي جلبتها الحواسيب”.

الجزيرة

شارك:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *