قوانين الطفل.. ثورة التربية في المدرسة ولدى الأهل

الرئيسية » تربية وتكوين » قوانين الطفل.. ثورة التربية في المدرسة ولدى الأهل

قوانين الطفل.. ثورة التربية في المدرسة ولدى الأهل

تحظى المسألة التربوية وتهيئة الأطفال لخوض غمار المستقبل بالكثير من الاهتمام في المجتمعات المتقدمة. وهناك نقاش كبير في بلد مثل فرنسا حول المناهج المدرسية، وأبعد من ذلك حول المنظومة التربوية بشكل عام. والجميع يؤكدون أن المدارس لم تعد تلعب الدور المطلوب منها، كما تدل المشاهدات الخاصة على المستوى التعليمي لطلبة المدارس، وحتى على صعيد الجامعات.

و«سيلين الفاريز» هي معلمة مدرسة سابقة، أمضت سنوات طويلة في سلك التعليم وهي باحثة في الأصل في مجال علوم اللغة. ومن خلال تجربتها وملاحظاتها الميدانية خرجت بكتاب صدر قبل أسابيع قليلة ليتصدر مباشرة رأس قائمة الكتب الأكثر انتشاراً في فرنسا، الأمر الذي يدل بوضوح على الأهمية التي يكتسيها موضوع التربية في السياق الراهن.

يحمل الكتاب عنواناً رئيساً مفاده «قوانين الطفل الطبيعية» مع تحديد أن الأمر يتعلق بـ«ثورة التربية في المدرسة وبالنسبة للأهل»، وهي ثورة تعيدها المؤلفة، لما تقدمه العلوم العصبية الدماغية من مكتشفات تتلاحق وتتالى وتصب جميعها في التأكيد أن الأطفال يملكون «طاقات كامنة هائلة»، وأنهم قابلون للفهم والتعلم وحب العالم إذا تم «تحرير ملكاتهم» الدفينة. وتشبه المؤلفة قدرة الأطفال الطبيعية على التعلم بممارستهم لاستنشاق الهواء.

تنطلق «سيلين الفاريز» في تحليلاتها من مجموعة من الوقائع، التي عرفتها أو عايشتها، خلال تجربتها في سلك التعليم، ذلك عبر الإشارة إلى إحصاءات موثقة تدل أن نسبة 40 في المئة من الأطفال في فرنسا يدخلون إلى الحلقة الدراسية المتوسطة بعد الانتهاء من المرحلة الابتدائية وهم «يعانون من ضعف حقيقي في تحصيلهم العلمي المفروض». وهذه النسبة تعادل نحو 300000 تلميذ «تتم التضحية بهم سنوياً»، حسب تعبير المؤلفة، ذلك أنهم يواجهون صعوبات حقيقية في متابعة دراساتهم.

وتضيف، إن الواقع التربوي الفرنسي دل بوضوح على أن «عمليات الإصلاح العديدة التي استهدفت النظام التعليمي أثبتت عدم فاعليتها». النتيجة التي تصل لها المؤلفة مفادها أنه «تنبغي إعادة النظر في المنظومة التربوية الفرنسية كلها».

وأن نقطة الانطلاق الحقيقية نحو تأهيل تربوي وتعليمي أفضل تتمثل في «تحسين قدرة الأطفال على التعلم»، عبر استخدام الوسائل العلمية التي توصلت لها العلوم العصبية الدماغية الحديثة، وتكييف هذه الوسائل مع «المحيط»، التي يتم استخدامها فيه.

وتشرح «سيلين الفاريز» على مدى العديد من الصفحات أنها قامت هي نفسها بمبادرة تعليمية تربوية في إحدى مدارس الحضانة الواقعة في إحدى الضواحي «الصعبة» للعاصمة باريس، وما يعني أن نسبة كبيرة من السكان المعنيين في تلك الضواحي هم من أبناء الهجرة. وكانت المعلمة «الفاريز» قد طلبت من الجهات المسؤولة تعيينها في مدرسة بمثل تلك المواصفات، والسماح لها بتطبيق «طريقتها التربوية».

وتمثلت التجربة في أنها قامت بتطبيق معطيات العلوم العصبية المختصة بالدماغ الإنساني وآليات عمله في المجال التربوي المتمثلة في «المتابعة الفردية للأطفال»، و«تطوير استقلالهم الذاتي» و«إيقاظ حماسهم للتعلم». تشير المؤلفة إلى أن المراكز العصبية المسؤولة عن التعلم تعرف أكبر قدر من النشاط والفعالية «ما بين سن الثالثة وسن الخامسة».

والتأكيد أنه من الضروري أن يعيش الأطفال «تجربتهم في العمل» و«استخدام أيديهم» و«المشاركة في الحية اليومية في قاعات الدرس»، و«تركهم يختارون النشاطات، التي يميلون لها»… إلخ.

وكانت النتيجة التي تم إثباتها علمياً أنه في نهاية السنة الثانية كان «جميع الأطفال في القسم الأكبر و90 في المئة في القسم المتوسط يعرفون القراءة والعمليات الحسابية الأساسية». وأبدى الأطفال المعنيون أيضاً «قدراً كبيراً من التفتح والتعاطف حيال الآخرين قياساً بشريحة العمر التي ينتمون لها». هذا إلى جانب «التضاؤل الكبير للمستوى التعليمي ولتصاعد العنف»، أي لما يتم اعتباره في رأس قائمة المشاكل، التي تعاني منها المدرسة الفرنسية اليوم.

تلك التجربة «التربوية» توقفت عند ذلك الحد، ولم تذهب الجهات المختصة أبعد، فما كان من المعلمة سوى أن استقالت، كما تشير، لتعمل على نشر نتائج بحثها التربوي بأقصى ما يمكن، ذلك بعد أن ثبت علمياً أن تلك النتائج كانت إيجابية جداً حسب عملية الرصد، التي قام بها المركز الوطني الفرنسي للبحث العلمي، وكما تشير الشهادات العديدة التي يقدمها أهالي الطلبة المنشورة في هذا الكتاب.

ولا تتردد المؤلفة في التأكيد أنها استفادت كثيراً من الأعمال- الدروس- التي كانت قد قامت بها الطبيبة «ماريا مونتيسوري» منذ بدايات القرن العشرين، وكذلك اعتمدت كثيراً على «التقدم العلمي المعاصر في مجال علم النفس السلوكي والعلوم العصبية المتعلقة بالإدراك والمشاعر والسلوك الفردي والاجتماعي». وتشير المؤلفة إلى أنها استعانت أيضاً بعلوم اللغة التي أنجزت دراساتها حولها.

الفكرة الأساسية التي تدور حولها تحليلات هذا العمل مفادها أن العلوم العصبية الخاصة بالتفتح الإنساني وسبل دفعه إلى الأمام حددت مجموعة من «القوانين العامة الكبرى»، التي تحكم عملياً عمليات «التعلم» و«التفتح المتناسق» للإنسان.

وتستدعي هذه القوانين بالنسبة للأطفال أن يتعلموا وهم يتمتعون بـ«قدر كبير من الاستقلال الذاتي» و«في محيط يبعث الإحساس بالأمن والطمأنينة».

والتأكيد في جميع الحالات أن «الرابطة الإنسانية» هي ذات أهمية جوهرية بالنسبة لـ«التفتح الإنساني على المستوى البدني، وكما على مستوى الإدراك، والمستوى الاجتماعي». وأهمية كبيرة أخرى للأجواء «الجماعية الحية» وليس الأجواء «الباردة»، التي تسود في العلاقة بين المعلمين والمتعلمين.

والتأكيد في جميع الحالات أيضاً على أن الطرق التعليمية «الثورية» المقترحة في المجال التربوي «ليست جامدة»، كما تشرح المؤلفة. وتشير إلى أنها «منفتحة» على كل ما يمكن أن يساعد على «تطوير مدارك الأطفال»، و«متابعة طريقهم» نحو النجاح.

وتحدد المؤلفة منذ البداية القول، إن مكمن الخلل الكبير في المنظومات التربوية والتعليمية المتبناة في البلدان المتقدمة، على غرار فرنسا، لا توفر للأطفال المعلومات، التي تسمح لهم باستخدام ما يملكونه من طاقات، بل يتم في الواقع «فرض منظومة تربوية وتعليمية على الأطفال لا تتوافق مع المفاتيح الطبيعية لدماغه الفتي، وتمنعه من الفهم، ولا تشجع ما يمتلكه من كفاءات يمتلكها بالفطرة».

البيان

شارك:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *