المحن والأزمات العقلية في بداية العمر تنتقل عبر ثلاثة أجيال

الرئيسية » علم وحضارة » المحن والأزمات العقلية في بداية العمر تنتقل عبر ثلاثة أجيال

المحن والأزمات العقلية في بداية العمر تنتقل عبر ثلاثة أجيال

توصلت أبحاث العلم العصبي إلى أن بعض التجارب والحوادث السيئة التي يعيشها الوالدان يمكن أن تؤثر بشكل ملحوظ على الأجيال اللاحقة، من ذلك أن التعرض لأزمات في بداية الحياة يؤدي إلى مشكلات انفعالية وسلوكية يمكن أن يمتد أثرها إلى مراحل لاحقة من العمر. وأشار الباحثون إلى أن الانفعالات تحدث تغيرات في الشفرات البروتينية داخل الجينات المرتبطة بالمادة الرمادية داخل المخ.

أثبتت دراسة علمية أجريت على فئران تجارب في كندا أن المحن والأزمات العصبية التي تحدث في بداية العمر تؤثر على الفئران في مراحل لاحقة من حياتها، بل ويمكن أن تنتقل عبر ثلاثة أجيال تالية.

وأجرى فريق بحثي من جامعة تورنتو ومعهد الصحة العقلية في كيوبيك بالاشتراك مع المعهد الوطني لأبحاث الكيمياء الحيوية والخلايا في إيطاليا هذه الدراسة على الفئران بغرض قياس تأثير بعض الوسائل العلاجية لمنع حدوث هذه المشكلة.

وبحسب الدراسة التي نشرتها الدورية العلمية “ساينس أدفنسز”، وجد الباحثون أن التعرض لأزمات في بداية الحياة يؤدي إلى مشكلات انفعالية وسلوكية لدى كل من البشر والفئران. وكانت تجارب سابقة قد أثبتت أن هذه المشكلات ترتبط بتغيرات في الوظائف العصبية داخل المخ ويمكن أن يمتد أثرها إلى مراحل لاحقة من العمر.

في إطار التجربة، قام الفريق البحثي بفصل مجموعة من صغار فئران التجارب عن أمهاتها ووضعها مع أمهات بديلة، ثم فصلها عن تلك الأمهات البديلة عدة مرات متكررة بفاصل أربعة أيام في كل مرة. وتبين من الفحص حدوث تغيرات في الشفرات البروتينية داخل جينات معينة تحمل أسماء “إي.أس.أي.سي 1” و“إي.أس.أي.سي2” و “إي.أس.أي.سي3”، وترتبط هذه الجينات بالمادة الرمادية والنخاع المستطيل داخل المخ وهي المناطق ذات الصلة بمعالجة الشعور بالألم.

وبحسب الموقع الإلكتروني “ميديكال إكسبريس” المتخصص في الأبحاث الطبية، توصل الباحثون إلى أن هذه التغيرات تستمر لدى الفئران حتى بعد أن تكبر وتنضج، وتبين أيضا استمرار هذه التغيرات لدى الأجيال التالية التي أنجبتها هذه الفئران على مدار ثلاثة أجيال متتالية.

وحاول الباحثون علاج هذه الأعراض المرضية لدى الفئران باستخدام دواء يحمل اسم “أميلوردي” الذي يخفض مستوى الشفرات البروتينية داخل الجينات. واتضح من التجربة أن الدواء يقلل مستوى الشفرات البروتينية، وكذلك يحد من الأعراض التي كانت تظهر على الفئران.

وتوصلت بعض أبحاث العلم العصبي على الفئران إلى نتيجة فحواها أن بعض التجارب والحوادث التي يعيشها الوالدان يمكن أن تؤثر بشكل ملحوظ على الأجيال اللاحقة، حيث أفادت الدراسة الأولى بأنه بعدما تم تعويد نوع من الفئران على الخوف الشديد من رائحة معينة عن طريق صعقها كهربائيا، لوحظ أن ذلك الخوف انتقل إلى الأجيال اللاحقة، والتي أصبحت تخاف وتتحسس بشدة من نفس الرائحة عند التعرض لها لأول مرة، رغم أنها لم تُدرب على الخوف ولم تقابل تلك الرائحة من قبل.

كما أنه عُثر على بعض التغيرات التي طرأت على بنية المنطقة المسؤولة عن كشف تلك الرائحة في المخ. استنتج الباحثون أن الحوادث والتجارب التي يعيشها الوالدان، حتى قبل الحمل، تؤثر بشكل كبير على كل من البنية والوظيفة للجهاز العصبي لدى الأجيال القادمة.

وتُلمّح هذه النتائج إلى إمكانية تناقل المشاكل والصدمات النفسية والعصبية جينيا عبر الأجيال حتى عند البشر. وهذا يعني أنه عندما يتعرض الآباء إلى فترات من الضغط النفسي أو العصبي الشديد، يمكن أن تُضاف تلك التجارب إلى الجينوم الخاص بهم وتنتقل إلى الأبناء، حيث إن طبقة إضافية من المعلومات توضع فوق سلاسل الـ”دي.أن.أي” ولا تتغير سلسلة الـ”دي.أن.أي” بحد ذاتها، ولكن “ملابسها” تتغير، إذا جاز التعبير.

فضلا عن ذلك، فقد لوحظ أن مستوى الكورتيزول في الدم يكون منخفضا أكثر عند أحفاد الأشخاص الناجين من المجازر والإبادات الجماعية، وهذا قد يلعب دورا في جعلهم أكثر عرضة للخوف والإصابة بالفوبيا والضغوط النفسية والعصبية.

ويُعرف هذا بعلم التَّخَلُّق المتعاقب أو علم ما فوق الجينات، يُسميها بعض العلماويُعرف هذا بعلم التَّخَلُّق المتعاقب أو علم ما فوق الجينات، يُسميها بعض العلماء الذين أجروا هذه التجارب “انتقال المعلومات البيئية عبر الأجيال”.

وأحد أبرز الأمثلة الحديثة في علم ما فوق الجينات تمت ملاحظته في الفئران أيضا، حيث أفادت بعض الدراسات العصبية الحديثة على الفئران بأن بإمكان الأم تحديد ما إذا كان صغارها ستكون فئرانا هادئة أو هائجة عند بلوغها، وذلك حسب الفترة التي تقضيها في الاعتناء بها. يتم ذلك بحسب الفترة التي تمضيها الأم في لعقها وحضنها، بالتحديد. لاحظ العلماء أنه إذا كانت أمهات الفئران تمضي أوقاتا طويلة في لعقها والاهتمام بها، فإن ذلك سيجعل من صغارها فئرانا هادئة.

في المقابل، إذا لم تكن الأم مهتمة بصغارها، والذي يتم التعبير عنه عادة عن طريق اللعق لفترات قصيرة، فإن ذلك سيجعل من صغارها فئرانا هائجة.

صحيفة العرب

شارك:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *