«الزلازل الصامتة» .. خطر يهدد العالم

الرئيسية » حياة وتكنولوجيا » «الزلازل الصامتة» .. خطر يهدد العالم

«الزلازل الصامتة» .. خطر يهدد العالم

يقول علماء الجيولوجيا إن عدد الضحايا الذين وقعوا جراء الزلزال، الذي ضرب نيبال في 25 إبريل/نيسان 2015، تجاوز 8 آلاف قتيل. هذا الزلزال القوي جداً الذي بلغت قوته 7.8 على مقياس ريختر، هو جزء من سلسلة من الزلازل الكبرى التي لا يمكن التنبؤ بها، كما حدث في إندونيسيا في ديسمبر/كانون الأول 2004، أو في اليابان في مارس/آذار 2011، والتي يحاول العلماء الكشف عن آليات وقوعها.

هذا النوع الجديد من الزلازال الذي هز مجتمع الجيولوجيين، يتصف بأنه بطيء وغير محسوس، وهو الذي تسبب في وقوع موجات المد الشهيرة تسونامي، التي دمرت مناطق عدة في اليابان في عام 2011. ولكن ما علاقة هذا النوع من الزلازل بكارثة نيبال؟

الحقيقة أنه على مدى 9 سنوات كاملة، هزت سلسلة لا نهاية لها من الزلازل الطبقات السفلية في اليابان من دون أن يلاحظها أحد، ولا حتى خبراء الجيوفيزياء الأكثر دراية بالأمر.

9 سنوات، ابتداء من عام 2002، كان خلالها صدع الاندساس الواقع في شمال شرقي الأرخبيل، ينزلق بتكتم تام ولم يتحدث أحد البتة عن انقلاب حتى مجرد سلة زهور، بل لم يحدث أي تفسخ في الجدران، ولم تظهر أية ذبذبة ولو صغيرة على أجهزة رصد الزلازل، لا شيء أبداً، صمت مطبق تماماً. ولكن بعد أسابيع قليلة من وقوع الزلزال في نيبال، بدأ الاكتشاف تافهاً بالفعل، لأننا نتحدث هنا عن زلزال شبح، ظل، لم يسبب لسنوات عدة أي انزعاج لأي شخص، إلا أن هذه الظاهرة تصاعدت بشكل مأساوي.

طبقاً لحسابات حديثة أجراها فريق من جامعة طوكيو فإن «الزلزال الصامت» يبدو أنه هو الذي تسبب في نهاية المطاف في حدوث الزلزال الذي وقع في 11 مارس/‏آذار 2011، وهو بقوة 9 درجات، وواحد من أقوى الزلازل، إذ كان وراء موجات تسونامي التي أسفرت عن مقتل نحو 18 ألف ياباني والكارثة النووية في فوكوشيما.

هذه الانزلاقات أو الاندساسات فائقة الصمت، وغير المؤذية في حينها، هل لها دور في تشكيل الزلازل الكبرى؟ وهل هي علامات تحذير طال انتظارها لأحداث مأساوية غير متوقعة، بما في ذلك زلزال نيبال، الذي يعتبر أحدث مثال في هذا الصدد؟ اليوم كل هذه القضايا هي تحدٍ كبير للعلماء، فاكتشاف هذه «الزلازل الصامتة» لا يرجع إلا لعقد من الزمان، فقط حين قيست هذه المسألة الغريبة لأول مرة في عام 2001 على خط صدع الشلالات الواقع عند الساحل الغربي للولايات المتحدة.

ويعتقد هؤلاء أن السر يكمن في هذه الشريحة من الانزلاقات، التي تدفقت على مدى أيام أو أسابيع أو أشهر أو حتى سنوات، وذلك على عكس الزلازل التقليدية الناجمة عن الانخفاض المفاجئ في صدع بسرعة تبلغ نحو متر واحد في الثانية، فهذه الانزلاقات تحدث بسرعة بطيئة للغاية تبلغ مليمتراً في الأسبوع ولا تنبعث منها أية موجة زلزالية يمكن كشفها حسبما يوضح ميشال كامبايلو، الباحث في معهد علوم الأرض غرونوبل.

منذ ذلك الاكتشاف الأول في عام 2001، حدد الباحثون العديد من الزلازل الصامتة الأخرى في اليابان، ونيوزيلندا والمكسيك وألاسكا وكوستاريكا. ووجد هؤلاء أن هذه الزلازل تحدث على عمق يتراوح بين 30 و50 كم، مقابل نحو 10 كم بالنسبة إلى معظم الزلازل التقليدية، وذلك في مناطق الاندساس التي يحدث عندا الالتقاء بين الصفائح التكتونية الرئيسية.

وعلى الرغم من أن الباحثين حددوا وقاسوا وأجروا حساباتهم الدقيقة الخاصة بهذه الظواهر، إلا أنها ما زالت تحتفظ بمفاجآتها لأن آليات عملها لا تزال قيد النقاش.

ويعترف جون فيدال، خبير الجيولوجيا في جامعة واشنطن، قائلاً: «ليس لدينا تفسير مادي واضح، ولا نعرف شيئاً عن البارامترات التي تتحكم في وقت وقوعها ولا بمدتها لكننا نتصور أن هذه الانزلاقات البطيئة تتوافق مع سلوك المواد في بيئة لزجة».

ولتفسير هذا الانزلاق المستمر من دون تسارع أو رجة، يعتقد العلماء وجود سوائل تحت ضغط عالٍ كالمياه، وربما ثاني أكسيد الكربون في أعماق هذه الصدوع.

وثمة صفة أخرى غريبة أو لافتة للنظر، فهذه الانزلاقات تصدر، في بعض الأحيان على مستوى حدة الصدوع، صريراً يمتد لعدة ساعات، ولكن ثمة شيء واحد مؤكد، بحسب ميشال كامبايلو وهو أن الطاقة المنطلقة من هذه الانزلاقات هي في نهاية المطاف كبيرة جداً، وتساوي بكل بساطة زلزالاً بلغت قوته 7.5 درجات، وهو ما لا يعتبر ظاهرة عارضة على الإطلاق.

ويشير غريغوري بيروزا، الخبير في الزلازل في جامعة ستانفورد، إلى أن هذه الحركات تحدث بالقرب من الصدوع النشطة، وتعمل على تعديل مجال الضغوط الميكانيكية فيها، وبالتالي يمكنها الشروع في إيقاف مناطق التوتر.

ويضيف بيروزا أن زلزال 2011، ربما لا يكون حالة منعزلة، فالعديد من الدراسات تركز على الانزلاقات البطيئة التي أدت إلى إحداث الهزات الكبيرة الماضية، كالزلزال الذي وقع في 5 سبتمبر/‏أيلول 2012 في كوستاريكا (7.6 درجة)، والذي هز المكسيك في 20 مارس/‏آذار 2012 (7.4 درجات) أو ذلك الزلزال الوحشي (8.2 درجات) الذي وقع قبالة شيلي في الأول من إبريل/‏نيسان 2014.

ويرى كيفين فيرلونج، خبير في الجيولوجيا الديناميكية في جامعة ولاية بنسلفانيا، أن النتائج الأولى المنبثقة عن إعادة تمثيل هذا الحدث تشير إلى أن الانزلاقات البطيئة، التي لم يُكشف عنها، سبقت بلا شك تلك الزلازل الكبيرة.

ويقول فيرلونج إن العمل على توضيح حالة زلزال نيبال، بدأ للتو كما أن زلازل سابقة أخرى وضعت تحت المجهر على الفور، مثل ذلك الزلزال الذي أوقع نحو 17 ألف قتيل في عام 1999 في أزميت بتركيا.

والآن هل يمكن القول إن الضوء ألقي أخيراً على نشأة الزلازل الكبيرة؟ في الواقع إن الإجابة على هذا التساؤل هي: نعم و لا، لأنه لا بد لنا من طرح تساؤل آخر هو: هل هذه الحركات الأرضية فائقة الخفاء، هي الإشارة التي كان الباحثون يأملون العثور عليها؟

ويعتقد كيفين فيرلونج أنه من الصعب القول الفصل في الوقت الراهن، فمتابعة هذه الظاهرة باتت أولوية قصوى في نيوزيلندا واليابان، لأنها تمثل الأثر المادي الجديد الذي يمكن أن يؤثر في تاريخ ومكان وقوع زلزال مدمر، علماً بأن الحالات المكتشفة لا تزال قليلة وخاضعة للنقاش.

ووقعت كثير من الانزلاقات البطيئة من دون أن تولد زلزالاً كبيراً، كما أنه ليس من الواضح أن مرحلة الإعداد لوقوع زلزال يرتبط بحجم تلك الانزلاقات.

من جهته يرى غريغوري بيروزا، أن الارتباط بين الظاهرتين ليس واضحاً بما فيه الكفاية، وفي الوقت نفسه، نجد أن دراسة هذه الزلازل البطيئة من المتوقع أن تكشف ما إذا كان الصدع نشطاً أم لا، إضافة إلى طريقة عمله.

وعلى أية حال، تكشف الزلازل الصامتة عن ثروة من الحركات التكتونية التي لم تكن متصورة حتى الآن. والسؤال الآن: هل هذا سيسهم في تسهيل مهمة علماء الزلازل أم يزيدها تعقيداً؟

محمد هاني عطوي –  الخليج

شارك:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *