التوحّد.. عدوّ البراءة

الرئيسية » حياة وتكنولوجيا » التوحّد.. عدوّ البراءة

التوحّد.. عدوّ البراءة

اختار العالم اليوم الموافق الثاني من شهر أبريل يوما عالميا لمرض التوحد الذي انتشر بين الأطفال لدرجة أن الجمعية العامة للأمم المتحدة عبرت عن قلقها الكبير بسبب انتشار هذا المرض، وزيادة نسبة الإصابة بهذه الحالة المرضية عند الأطفال على مستوى كل دول العالم، والبعض منا أتيح له أن يرى أحد الأطفال المصابين للأصدقاء المقربين، أو طفلا مصابا من أبناء الجيران أو طفل من أقارب أحد الأبوين على درجة بعيدة من القرابة، ولكننا في النهاية رأينا هذا الطفل المصاب، ولاحظنا بعض سلوكياته، فهو طفل منعزل ومنزو ومنطو على نفسه، لا يستجيب لمن حوله بصورة كبيرة، يفضل اللعب بعيدا عن أقرانه من الأطفال، ويتكلم بصعوبة شديدة، وقليل الكلام أيضا.

يشعر المستمع أن لسان هذا الطفل ثقيل على غير المعتاد من الأطفال، كما أن الأسباب غير واضحة في إصابة معظم هؤلاء الأطفال بهذا المرض، ولا تستطيع الأم أن تحدد ما هو السبب الحقيقي للحالة التي أصابت صغيرها، وخاصة أن هذا المرض يداهم الأطفال في سن مبكرة للغاية، فهو يظهر واضحا بعد مرور عامين أو عامين ونصف العام، وكثير من الأمهات لا تلاحظ أن طفلها مصاب بهذه الحالة، نتيجة صغر السن، أو قد تظن أن هذه حالة تأخر طبيعية في النمو، لان الطفل لا يستجيب للمؤثرات التي تدور حوله بشكل طبيعي، ويتميز الأداء لديه بالبطء.

إعاقة معالجة البيانات

مرض التوحد يعني وجود نوع من الإعاقة تمنع المخ من القدرة على معالجة البيانات القادمة إليه، وبالتالي لا يستوعب المعلومات، ولا يصدر إشارات استجابة لما يراه أو يسمعه أو يتأثر به، وبالتالي تحدث الكثير من المشاكل للطفل، ومنها عدم قدرته على الاتصال بالآخرين بصورة طبيعية، وخلل كبير في تعلم واكتساب سلوكيات جديدة وفشل اجتماعي كبير، وبعض المراكز العالمية تركز على جانب الخلل في التفاعل الاجتماعي والتواصل للطفل المصاب على اعتبار أنه أكثر الأعراض ظهورا وتأثيرا على الطفل، وأيضا يلاحظ تأخر كبير في اللغة، وحتى الآن لم يتم معرفة التغيير الذي يحدث في ارتباط وانتظام وتناسق الخلايا العصبية ومراكز تلاقيها واشتباكها، والذي يؤدي إلى حدوث هذا الاضطراب لدى الأطفال وهو مرض التوحد، ومن الملاحظ على الطفل المصاب بهذا المرض أنه لا يستجيب لنداء اسمه، ويكرر بعض السلوكيات وينزعج للغاية إذا حدث تغير من ترتيب أدواته أو غرفته، ويصرخ إذا سمع صوتا مرتفع، ويمكن أن يصاب بالتشنجات كنوع من رد الفعل تجاه أي مؤثرات، وحتى الآن كما ذكرنا لم يعرف السبب الرئيسي للإصابة بهذا المرض، إلا أن هناك بعد المسببات المجتمعة التي يمكن أن تقود إلى هذه الحالة المرضية، فهناك عوامل بيئية مثل التلوث بكافة أنواع الملوثات الموجودة في الجو والغذاء وداخل أرحام الأمهات، كما أن هناك بعض العوامل الوراثية وان لم تكن واضحة بشكل كبير، ولكن هذه العوامل معا لها تأثير مبكر في نمو دماغ الطفل في مراحل عمره المبكرة.

الكشف المتأخر

كان الأطباء في الماضي يصنفون مرض التوحد على أنه نوع من الفصام الذي يهاجم الطفل مبكرا، وذلك نتيجة التشابه الكبير بين الاثنين، وأيضاً الدراسات التي تتم على مرض التوحد ما زالت حديثة العهد، لأن المرض تم اكتشافه مؤخرا، وفي بعض الحالات عند الأطفال يتوقف النمو في مهارات الاتصال بصورة كبيرة، ما يصعب من مهمة تأهيل هذا الطفل أو استحالة نجاح العلاج، وتكمن خطورة إصابة الطفل بمرض التوحد، أنه يتم في سن مبكرة للغاية ولا يلتفت الأبوان إليه، إلا بعد أن يكبر الطفل ويشعر الآباء أن هناك أشياء غير طبيعية ظهرت على الطفل، وهذا التأخر في اكتشاف المرض يخفض من نتائج تحسن الحالة مع العلاج الدوائي والتأهيلي، حيث من الصعب تحديد أعراض مرض التوحد عند الطفل قبل وصوله إلى عمر 12 شهرا على الأقل، وهو أصغر سن يمكن اكتشاف المرض فيه، ولكن من السهل معرفة وتشخيص المرض عندما يصل الطفل إلى عمر سنتين، حيث تظهر علامات المرض واضحة في تأخر القدرات اللغوية كثيرا، ويكرر من أنماط سلوكية واحدة ومكررة، ويفتقد إلى التواصل الاجتماعي، كما أن بعض الأطفال المصابين بالتوحد يحدث لديهم حالة من النمو في القدرات أكثر من الطبيعي في البداية، وفجأة ينخفض هذا النمو بصورة سريعة ويتدهور.

إعاقة ومهارة

يعاني بعض الأشخاص المصابين بمرض التوحد من بعض الإعاقات الذهنية المزمنة، حيث توضح بعض الإحصائيات الحديثة أن 55% من إجمالي المصابين بهذا المرض يعانون إعاقة ذهنية دائمة، غير أن هناك درجات متنوعة من هذه الإعاقة التي تتراوح بين القصور الحاد وبين البسيط، ولكن هناك حالات من المصابين بالتوحد لها مهارات معرفية غير طبيعية، مثل التميز بقدرات متفردة في إدراك التسلسل المنطقي، والأنماط التي بينها علاقات،إضافة إلى قدرات أخرى فائقة في معرفة التفاصيل الدقيقة، وهذه الصفات والخصائص التي تميز بعضهم تجعله الأفضل في العمل في المهن التي تتطلب تلك المهارات، مثل مدخلي البيانات، والعمل في إنشاء البرمجيات واختياراتها، والعمل في المعامل التي تتطلب تلك المميزات، وهذه المهرات تنتمي إلى الجوانب المعرفية غير اللفظية.

التعايش مع الحالة

يمكن للأبوين أن يقدما الكثير للطفل المصاب بمرض التوحد، لمساعدة على التعايش مع هذه الحالة أو التحسن قدر المستطاع، ودور الأم الأكثر أهمية، حيث يمكن أن تحتضنه وتقدم له مشاعر الرعاية التي يحتاج إليها، وعلى الأب توفير خدمات الرعاية الصحية اللازمة، وكذلك التعليمية، وهذا الدعم المستمر يلعب دورا كبيرا في تحسين حالة الطفل، حيث أثبتت بعض الدراسات الحديثة أن بإمكان الآباء المساهمة في نجاح العلاجات النفسية والسلوكية وبرامج التأهيل للطفل المصاب، وهناك تقارير من منظمات عالمية عن حالات أطفال مصابين بهذا المرض تماثلوا إلى الشفاء بدرجات عالية للغاية، وبعضهم وصل إلى المراحل الطبيعية في الاستجابة والمهارة، وأصبح مثل باقي الأطفال الطبيعيين، وبعض الحالات أصبحت ناجحة في الاستقلال بعد سن الرشد، رغم أن المرض يمنعهم من الاستقلال، إلا أنهم نجحوا في ذلك، وانتشرت ثقافة مرض التوحد بين الكثير من الأوساط، بل أصبح بعض الأشخاص الذين يعانون المرض يتحركون ويسعون من أجل العلاج بأنفسهم ويستجيبون بشكل كبير، ولابد من نشر ثقافة التعامل مع المصابين بالتوحد على انهم أشخاص يمكن التعامل معهم وقبولهم بوضعهم المختلف عن الأشخاص الطبيعيين، وعدم التعامل معهم على أنهم متخلفين أو لديهم إعاقة ذهنية أو مرضى غير طبيعيين.

براءة اللقاحات المتنوعة

كان يعتقد لوقت قريب أن بعض اللقاحات والأمصال التي يتم حقن الأطفال بها في مرحلة الطفولة المبكرة هي أحد الأسباب الرئيسية المسؤولة عن إصابة الأطفال بمرض التوحد، ولكن منظمة الصحة العالمية أكدت أنه ليس هناك أي معلومات علمية متاحة في هذا الصدد تؤكد وجود علاقة بين التوحد وهذه اللقاحات التي يتعاطها الأطفال، ولا تتوافر أي معلومات تثبت الصلة بين لقاح النكاف والحصبة الألمانية والحصبة، وبين الإصابة بمرض التوحد، وكل الدراسات التي تحدثت في هذا الموضوع وأشارت إلى وجود علاقة بين اللقاح وهذه الحالة المرضية، كلها ناقصة وبها عيوب كبيرة تدحض وتنسف إثبات هذه العلاقة، ولا توجد أدلة علمية ولا بيانات تؤكد أن اللقاحات الأخرى التي تقدم للطفل في مرحلة الطفولة يمكن أن تسبب أو تزيد من فرص الإصابة بمرض التوحد، إضافة إلى أن المنظمة أثبتت أنه لا توجد أي علاقة أو صلة بين استخدام المواد الحافظة للقاحات مثل اثيل الزئبق، وبين الإصابة بمرض التوحد.

69 مليون شخص

كشف أحدث تقارير منظمة الصحة العالمية أن معدل الأشخاص المصابين بمرض التوحد حول العالم في ازدياد مستمر، وتقدر أعداد المصابين بهذا المرض نحو أكثر من 69 مليون شخص موزعين في جميع دول العالم، ففي السعودية بلغ عدد المصابين بمرض التوحد ما يقرب من 122 ألف شخص، حسب الإحصاءات الصادرة عن المملكة، وفي الجزائر وصل عدد المصابين بهذا المرض ما يقرب من 340 ألف شخص مريض، وفي مصر ارتفعت أعداد المصابين بهذا المرض إلى نحو مليونين و400 ألف طفل، ومن المنتظر أن تصل إلى 3 ملايين طفل عام 2018، حيث يوجد طفل بين كل 75 طفلاً يصاب بهذا المرض، ويرجع تصنيف أول حالة مريض بالتوحد إلى عام 1943، وأطلق عليه اسم التوحد الطفولي المبكر، وأدرج هذا المرض على أنه حالة الفصام الطفولي المبكر في ستينات القرن الماضي، وعدل هذا التصنيف في الثمانينات على انه مرض التوحد المختلف عن الفصام، وتوجد استجابات جيدة لبعض طرق العلاج لهذا المرض، إلا أن الشفاء منه تماماً حالات نادرة للغاية.

جريدة “الخليج”

شارك:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *