الاستشراف العلمي والتكنولوجي - 5

الرئيسية » الأعمدة » دراسات استشرافية » الاستشراف العلمي والتكنولوجي – 5

وتعتبر الدراسات المنجزة من طرف المنظمة وثائق مرجعية لتتبع مسارات السياسات العمومية في مجالات البحث العلمي والتكنولوجيا للدول التالية: النمسا وبلجيكا وكندا والدنمارك وفرنسا واليونان وأيسلندا والسويد وايرلندا وإيطاليا ولوكسمبورغ وهولندا والنرويج والبرتغال واسبانيا وسويسرا وتركيا والولايات المتحدة الأمريكية وأستراليا والجمهورية التشيكية وفنلندا والمجر واليابان والمكسيك ونيوزيلندا وسلوفاكيا وكوريا الجنوبية واستونيا وإسرائيل وسلوفينيا.

وكلها سياسات تتجه نحو الاهتمام المتزايد بالبحث العلمي والتكنولوجي، وذلك لأهمية البحث العلمي والاستشراف التكنولوجي في صياغة المستقبل. فالتكنولوجيا هي المحدد الأساسي للسباق العالمي والرهان عليها لضمان تنمية مستدامة والتغلب على مظاهر الاختلال في المجتمع، كما أن الاقتصاد الراهن والمستقبلي مؤسس على البحث والابتكار. ولذلك ستخصص ميزانيات مهمة لتنمية الابتكار ودعم ثقافة الإبداع وترسيخ مبادئ الروح الإبداعية في المدارس الإعدادية والثانوية والجامعات، ولا يمكن الحديث عن تخطيط بدون الأخذ بعين الاعتبار قدرة وكفاءة الدولة في الابتكار.

وتتجه بعض الدراسات المستقبلية إلى القول بأن المهارات الإبداعية والابتكارية تنتقل من الغرب إلى الدول النامية ففي مجال الابتكار في الصناعات الصيدلانية، يقول جاي هرسون: “وسنرى خلال الفترة 2005  – 2015 معظم الشركات المئتين الكبرى للصيدلانيات المدرجة في مجلة (Fortune) تدعم عددا أقل من مختبرات البحوث في الولايات المتحدة. وستركز الشركات الأمريكية على التطوير السريري وعلى ترخيص (NME) من شركات أصغر حول العالم. ورغم أنها ستدعم مختبرات بحثية في اقطار مثل الهند والصين، إلا أنها ستعتمد على هذه المختبرات بدرجة أقل، بل على منتجات شركات أخرى من (NME)، وبدرجة أكبر مع الترخيص، وستجرى عمليات بحث وتطوير مهمة في الهند والصين، حيث توجد مجموعة كبيرة من قوة العمل العلمية المدربة جيدا، وحيث كلفة تنفيذ العمل والمعيشة أقل، كما يتوقع أن يكون تطوع المرضى للمشاركة في التجارب السريرية فيها أسرع مما هو عليه في الأقطار الغربية.

لكن هذه التسهيلات سيكون لها ثمنها، فستصر الهند والصين على توفير هذه الأدوية لشعبيهما بصورة فورية، بعد إقرارها في الولايات المتحدة، وهذا يعني أن على الشركات الصيدلانية تطوير بنية تحتية لدعم هذه الأدوية في تلك الأقطار. وستصر الصين والهند أيضا عند مرحلة ما، على أن تقوم الشركات الصيدلانية بتصنيع الأدوية ضمن حدودها. وسيفيد كل من هذين التطورين الشركات الدوائية في المدى البعيد، إذ سيسمح هذا التعاون في المرحلة الأولية للطب التقليدي الهندي والصيني بالتغلغل في الغرب، وستبدو كل من الهند والصين في سنة 2025، على أي حال، أشبه بالغرب، على الأقل في بعض ميادين التكنولوجيا المتقدمة. وتتزايد كلفة البحوث السريرية، وستتزايد كذلك تبنيها للطب الغربي التقليدي عندما تتحول قيم هذين القطرين نحو تلبية احتياجات السوق العالمية، والأقطار الأخرى الشبيهة بالهند والصين ستكون كوريا والتايوان وروسيا، التي ستتبع نموذج الهند والصين متخلفة عنها بعشر سنين تقريبا.

ومع حلول سنة 2040 ستكون الصناعة الصيدلانية تحركت إلى أقطار نامية أخرى، حيث توجد قوة علمية ماهرة. وربما ستظهر أقطار الشرق الأوسط اهتماما مع انتشار الديموقراطية فيها ومع انخفاض الطلب على النفط”[1].

إن دراسة جاي هرسون، تبين التحولات المستقبلية الممكنة في مجال الصناعات الصيدلانية وارتباط ذلك بالكفاءة الابتكارية أو المهارة الإبداعية. ولهذا فالسياسات العمومية في مجال البحث العلمي والتكنولوجي، تحاول إقحام البعد ألاستشرافي لتبصر البيئة المستقبلية ومعرفة الاتجاهات المحتملة في الابتكار ومدى القدرة على مواكبتها أو استباقها.

وتعتبر النانوتكنولوجيا من المجالات التي تحظى بأهمية كبيرة في مجال صياغة السياسات العمومية حول البحث العلمي والتكنولوجي.

فالاتحاد الأروبي وضع إستراتيجية أروبية حول تكنولوجيا النانو وتم اعتمادها في 12 ماي 2004، واشتملت على خمس محاور أساسية:[2]

  • المحور الأول: الانتقال إلى السرعة القصوى في مجال البحث العلمي المتخصص في النانوتكنولوجيا وتكثيف الاستثمار في المجالات التطبيقية للنانوتكنولوجيا ودعم السياسات الوطنية للاهتمام بذلك.
  • المحور الثاني: مرتبط بالبنية التحتية وتأسيس أقطاب أوربية وبنيات ومؤسسات متوفرة على تجهيزات ومختبرات وإمكانيات تقنية مهمة.
  • المحور الثالث: الاستثمار في الكفاءات البشرية، وذلك بتوفير عدد مهم من المهندسين والخبراء والباحثين في مجال النانوتكنولوجيا، والقادرين على الابتكار والإبداع وتحويل معرفتهم إلى التطبيق الصناعي. والاهتمام كذلك بالتكوين الجامعي الطويل المدى في مجال النانوتكنولوجيا.
  • المحور الرابع: الابتكار الصناعي القائم على الانتقال من الإبداع المعرفي إلى التصنيع وتحفيز الإبداع وروح المقاولة والاهتمام ببراءات الاختراع والمعارف النظرية والتنظيم التشريعي.
  • المحور الخامس: إدماج البعد المجتمعي والمراد بذلك الأخذ بعين الاعتبار التداعيات الاجتماعية والمخاطر والفرص المترتبة على اعتماد تكنولوجيا النانو، وبالتالي الانفتاح على المواطنين والمستهلكين من خلال الحوار والتشاور حول النانوتكنولوجيا.

وقد أجريت دراسات مسحية للرأي العام في أوروبا حول مدى تأثير النانوتكنولوجيا على المجتمع والدولة، وانتهت بالإجماع حول الاعتراف بخطورة التأثير المستقبلي للنانوتكنولوجيا على قطاعات مثل الصناعة الأوربية في العقود المقبلة.

ووضعت الدول الأوربية خطة عمل تنفيذية للإستراتيجية المصاغة، وتأسيس وكالات وطنية معنية بالنانوتكنولوجيا، تسهر على تنسيق الجهود بين الحكومات، كما تم بناء شبكات للتواصل أهمها ((Nanosci-Era و(MNTEranet). ومن مهام الشبكتين تمويل البحوث والمشاريع وعقد الشراكات والتسويق بين الوكالات.

وحسب بعض الخبراء ففي حدود 2014، فإن 15% من الانتاج العالمي للمواد المصنعة (وقيمة ذلك حوالي 206 تريليون دولار) ستعتمد على النانوتكنولوجيا[3]. ولهذا الاعتبار فإن اقتصاد النانوتكنولوجيا واعد بالعطاء والثروة[4]، مما دفع الكثير من الحكومات إلى تخصيص ميزانيات ضخمة للبحث في النانوتكنولوجيا. وقد نشرت المبادرة الوطنية للنانوتكنولوجيا وهي مؤسسة أمريكية، تقريرا حول الاستثمار في مجال النانوتكنولوجيا، وجاء في التقرير توزيعا للميزانية حسب الوكالات الفيدرالية كما يلي:[5]

الوكـــالـة

ميزانية 2012

ميزانية 2013

مقترح ميزانية 2014

CPSC

2.0

2.2

2.2

DHC

18.7

18.7

34.5

DOC/NIST

95.4

93.3

102.1

DOD

426.1

214.2

216.9

DOE

313.8

354.3

169.6

DOT/FHWA

1.0

00

2.0

EPA

17.5

17.5

17.2

HHS(total)

479.6

486.3

488.6

FDA

13.6

16.5

16.8

NIH

465.0

458.8

460.8

NIOSH

10.0

11.0

10.0

NASA

18.6

19.2

17.5

NSF

466.3

426.0

430.89

USDA(total)

18.3

18.3

20.3

ARS

2.0

2.0

2.0

FS

5.0

5.0

5.0

NIFA

11.3

11.3

11.3

المجموع

1857.3

1649.8

1702.0

إن الأرقام المشار لا تحتاج إلى تعليق لبيان الأهمية التي توليها الحكومة الأمريكية للنانوتكنولوجيا. وبالطبع هناك منافسة عالميا حادة[6] حول السباق لامتلاك[7] النانوتكنولوجيا واستشراف تطبيقاتها المستقبلية ومتطلبات تأسيس اقتصاد معتمد على النانوتكنولوجيا. إن الصراع الجيوسياسي على التحكم في التكنولوجيا واستشراف تحولاتها، دفع الدول المتقدمة اعتماد بالإضافة إلى التخطيط والتقييم والابتكار، عنصر اليقظة التكنولوجية. ومفهوم اليقظة التكنولوجية[8] مختلف عن التجسس التكنولوجي والاقتصادي، فهي تستهدف جمع المعلومات المتعلقة بالمجال التكنولوجي والمتاحة بشكل قانوني وعلني، بخلاف التجسس التكنولوجي الذي يعتمد أسلوبا غير قانوني في الحصول على المعلومات. وبذلك فاليقظة التكنولوجية هي مجموعة من الإجراءات التي تتوخى متابعة ورصد مختلف التطورات التكنولوجية من مختلف المصادر (مواقع – مقالات وإصدارات علمية – مؤتمرات علمية – وثائق – تقارير – جلسات برلمانية – لقاءات تلفزية – أفلام وثائقية – براءات الاختراع – النصوص التشريعية  والتنظيمات والإعلانات القانونية …).

وبالطبع لكل دولة لها قنواتها لجمع المعلومات وتحليلها، ومن ذلك التمثيليات الدبلوماسية التي تقوم بمتابعة الأخبار العلمية والتطورات التكنولوجية في البلد التي هي معتمدة فيه وبشكل قانوني. وتتوفر الدول المتقدمة على قواعد بيانات مهمة يشرف عليها خبراء من حقول معرفية متعددة، لتحليل المعطيات وتقديم تقارير دقيقة على الحكومات ومجالس التخطيط والاستشراف العلمي والتكنولوجي. ومن المعلوم اليوم أن القرار الاستراتيجي العقلاني والرشيد متوقف على كفاءة ومهارة تجميع وتحليل المعطيات وبالسرعة المناسبة. فاليقظة التكنولوجية تستهدف استباق التحولات التكنولوجية، لتهيئ الدولة ومؤسساتها لمواجهة البيئة الدولية المتسمة بالتعقيد والتنافسية الحادة. ولا يمكن بالطبع صياغة استشراف تكنولوجي بدون بنيات ومؤسسات تسهر على تدبير قواعد البيانات ولهذا فالحرب الراهنة والمقبلة هي في امتلاك وتطوير قواعد البيانات[9].

سادسا: مآلات الدول والمؤسسات في سياق السباق التكنولوجي.

ليس الغرض عندنا هنا الحديث عن المشاهد المستقبلية المرتبطة باستعمال التكنولوجيا ومن ذلك النقاش السياسي والأخلاقي حولها، وإنما نريد هنا صياغة السيناريوهات الممكنة أو المحتملة في حالة إدراج الدولة للاستشراف العلمي والتكنولوجي في سياستها أو إهمال ذلك. وبالتالي ما هي الفرص المتاحة أمام الدولة، إذا اعتمدت الاستشراف التكنولوجي والعلمي؟ وما هي المخاطر التي ستواجهها إذا تركت الاستشراف العلمي والتكنولوجي أو لم تطور مناهجها الاستشرافية؟

1. مشهد التحكم في إيقاعات السياق التكنولوجي العلمي

إن التحكم في التطور التكنولوجي حاليا ومستقبلا مرتبط بتوفر الدولة على إستراتيجية واضحة المعالم، مدعمة بإمكانات متعددة:

  • البنيات التحتية للبحث العلمي (جامعات – مراكز – مختبرات…)
  • التمويل المالي الكافي والمستمر.
  • كفاءة تنظيمية للبحث العلمي.
  •  وفرة الباحثين والخبراء وتكوين مستمر لهم.
  • كفاءة استشرافية ويقظة تكنولوجية.
  • استقرار سياسي وإجماع حول خيارات الدولة.
  • حماية كافية لقواعد البيانات.
  • تشريع متلائم.
  • كفاءة تحليلية واستباقية.
  • كفاءات إبداعية وابتكاريه.
  • نظام تعليمي مستوعب للروح الابتكارية.

إن العوامل المذكورة لها دور حاسم في تمكين الدولة من بناء مقدرات استشرافية علمية وتكنولوجية ولكي يكون هذا الاستشراف قادر على ضمان قدرة الدولة في التحكم في إيقاعات التطور التكنولوجي واستباقه، لابد للدولة من تحقيق أسبقية في مختلف المجالات التكنولوجية وفاعلة من الدرجة الأولى في دينامية الثورات الثلاث:

  • ثورة الحاسوب وعلومه.
  • الثورة البيوجزئية.
  • ثورة الكم.

في هذا المشهد لن يكون هناك متحكم وحيد، بل مجموعة من القوى وهي الولايات المتحدة والصين والهند واليابان وبريطانيا وفرنسا وألمانيا وروسيا. وذلك بناءا على التقرير الذي قامت به مؤسسة مجلس الاستخبارات الوطني الأمريكي عام 2012[10].

وقد رصد التقرير تراجعا في مستوى التعليم في الولايات المتحدة، مما سيرسخ نهاية الأحادية القطبية[11].

ومن الملاحظ أن سنة 2010 كانت الصين[12] محتلة للرتبة الأولى على مستوى عدد خريجي الدراسات العليا بنسبة 18% بينما الولايات المتحدة الأمريكية 14% ويتوقع أن تصل الصين إلى 29% سنة 2020 بينما ستتراجع الولايات المتحدة الأمريكية إلى نسبة 11% واحتلال الهند الرتبة الثانية بنسبة 12%.

ويعترف التقرير[13] يكون مركز الثقل انتقل من الغرب إلى الشرق وأن مجموعة من الشركات والخبرات والمهارات في مجال التكنولوجيا وكذلك رؤوس الأموال، تتدفق نحو بلدان مثل الصين والهند والبرازيل. ومن المعلوم أن الدول المتقدمة المشار إليها (أمريكا – الصين – الهند – روسيا – فرنسا – ألمانيا) لها شركات كبرى تحتكر مجالات تكنولوجية متعددة وسيبقى الصراع في المستقبل بين هذه القوى، مع هيمنة أمريكية في مجال تكنولوجيا الطيران والفضاء والدفاع، ثم هيمنة صينية في مجال تكنولوجيا الهندسة المدنية البناء وهيمنة أمريكية على مجال تكنولوجيا المعلوميات، واستمرار تفوق شركة سامسونج لكوريا الجنوبية في مجال تكنولوجيا الإلكترونيك[14]

وتميل الدراسات المستقبلية إلى ترجيح الصين والهند لاحتلال المراكز الأولى في التكنولوجيات الجديدة.

2. مشهد البقاء في دائرة السباق العالمي.

مجموعة من الدول مثل جنوب إفريقيا ودول الاتحاد الأوربي وكندا وبعض الدول الأسيوية مثل سنغافورة وماليزيا، ستبقى في الدائرة الثانية للسباق وستحاول اللحاق بالدائرة الأولى، كما ستحاول البرازيل التغلب على مشاكلها الاجتماعية لضمان استقرار سياسي قادر على تمكين الدولة من تقوية علاقتها بمجموعة البريكس (BRICS).

وستستند بعض دول الجنوب من انتقال الشركات الكبرى إليها للحصول على التكنولوجيا.

واعتمادها على الاستشراف العلمي والتكنولوجي، سيمكنها من تقدير وتقييم الإنتاجية التكنولوجية وانتقال الأدمغة وإمكانية الاستفادة من الثورة التكنولوجية في تحسين الأوضاع البيئية والاقتصادية والاجتماعية.

3. مشهد اضمحلال كيان الدولة والخسارة الإستراتيجية الكبرى.

تصنف الدول حسب التقارير العالمية كما يلي:

  • مجموعة الدول الغنية.
  • مجموعة الدول الغنية نسبيا.
  • مجموعة الدول الفقيرة نسبيا.
  • مجموعة الدول الفقيرة.

وهو تقسيم يخضع لمعيار الدخل الوطني. وهناك تقسيم آخر للدول:

  • دول متقدمة.
  • دول في طريق النمو.
  • دول متخلفة.

وهو تقسيم يخضع لمعايير الإنتاجية الاقتصادية والديمقراطية والاستقرار السياسي والحضور في العلاقات الدولية، ومستويات التنمية وغير ذلك.

وهناك تقسيمات أخرى، متعددة ترتبط بمجالات معينة مثل عدد السكان، عدد مستخدمي الانترنيت، الموقع الجيواستراتيجي، عدد البطالة، معدل الوفيات، الامتداد الجغرافي وغير ذلك.

ويمكن في نظرنا تقسيم الدول كذلك بناءا على موقعها في الساحة الدولية ودرجة تفاعلها مع التفاعلات العالمية:

  • الدولة القطب.
  • الدولة الطامحة إلى القطبية.
  • الدولة القوية دوليا.
  • الدولة القوية إقليميا.
  • الدولة العادية.
  • الدولة الضعيفة والتي تحاول البقاء.
  • الدولة المضمحلة.

والاستشراف العلمي والتكنولوجي، هو أساس صياغة المشاهد المستقبلية التي تكون فيها الدولة قطبا منفردا أو حاضرة دوليا أو على الأقل تملك من الأسباب الكافية بأن لا تنحدر إلى مستوى الدولة الضعيفة. والصراع التكنولوجي سيحدد مصير الكثير من الدول. فالتفاوت بين القوى في مجالات التكنولوجيا يقدر بالسنوات القليلة أو الكثيرة.

ولهذا فإن الأخذ بالاستشراف العلمي والتكنولوجي يمكن الدول من البقاء في ساحة السباق العالمي، بينما عدم الأخذ به وتجاهل تصور المستقبل القادم، يمكن أن يؤدي بالدولة مهما كان حجمها إلى خسارة موقعها في السباق العالمي أو الخروج منه بل ضياع الفرصة الإستراتجية للبقاء والانحدار إلى مشهد قاتم هو تفكك الدولة واضمحلالها بحكم تضاعف مشاكلها وتراكم الإكراهات التي تخضع لها وخصوصا إذا كانت دولة لا تتوفر على موارد طبيعية. فالتكنولوجيات المستقبلية للطاقة ستستغني عن النفط والغاز، وهنا ستكون الدول التي ليس لها استثمار علمي وتكنولوجي في مجالات متعددة، مهددة بفقدان مصادر دخل مهمة.

ومن المسلم به أن السياق النانوني الطارئ وكذلك التهافت على امتلاك تكنولوجيا الهندسة الوراثية والذكاء الاصطناعي، سيخلق فجوة كبيرة جدا بين الدول العالمة والدولة الجاهلة.

4. المشهد الكارثة المرتبط بعدم التحكم في التكنولوجيا واستشراف مخاطرها.

من خلال المنظور ليس هناك دول معنية وغير معنية بل جل الدول في العالم مطالبة ببناء منظومات متطورة لحماية قواعد بياناتها ومرافقها الحيوية (معالجة المياه – مصانع التغذية – محطات الكهرباء – مواقع رقمية – المحطات النووية – القنوات الفضائية…).

فمن تداعيات عدم تبصر مخاطر التطور التكنولوجي واستشراف مآلاته على الدولة والمجتمع، هو الدخول في الفوضى والرعب وانتشار الإجرام بكل أنواعه. فعلى سبيل المثال، فإن اختراع الطباعة ثلاثية الأبعاد(3D) ، أدى إلى طباعة الأسلحة حيث تمكن البعض من صناعة مسدس يطلق عليه [15] (Liberator) ، ويمكن للأفراد والجماعات اقتناء الطابعات الثلاثية الأبعاد لابتكار ما تشاء من الأسلحة، مما سيخلق نوعا من الفوضى واهتزاز أمن المجتمع، وانتشار الإرهاب. كما أن امتلاك المختبرات المحمولة مستقبلا، والقدرة على إنتاج الفيروسات من شأنه تهديد الصحة العالمية، وخلق الرعب في المجتمعات[16].

ومن السيناريوهات المفزعة اقتحام مواقع التحكم في المحطات الكهربائية وحرمان الدولة من الطاقة لأيام عديدة. أو اختراق الأنظمة المتحكمة في إطلاق الصواريخ العابرة للحدود والسبب في حرب عالمية[17]. كما هناك إمكانية لاختراق جوجل وإلغائه أو الدخول في حرب رقمية افتراضية شرسة تحطم الانترنيت نفسه[18]. وهناك من يتصور تسرب مواد إشعاعية أو فيروسات أو تسبب تجارب جيولوجية في إحياء براكين وبالتالي دخول العالم في سلسلة من الكوارث الطبيعية. هذا دون الحديث عن مخاطر النانوتكنولوجيا واحتمال ابتلاع المادة !!

في هذه المشاهد المتعددة، هناك ضرورة لتضامن دولي لمراقبة التطورات التكنولوجية واستشراف تداعياتها على العالم.

خاتمة.

إن بناء مقدرات علمية وتكنولوجية هو الرهان الأساسي لتطور المجتمعات، ومن الملاحظ بان التسارع العلمي والتكنولوجي سيخلق فجوة كبيرة بين المجتمعات الجاهلة والعالمة، والدولة والمجتمع المدني والأفراد، الكل مسئول عن ضياع المستقبل في حالة عدم الأخذ بأسباب وضع إستراتيجية متكاملة للاستشراف العلمي والتكنولوجي.

د. خالد ميار الإدريسي
رئيس تحرير مجلة مآلات، فصلية محكمة تعنى بالدراسات الاستشرافية

الهوامش:

[1]  – جاي هرسون: مستقبل الابتكار في الصناعات الصيدلانية ضمن واغنر (تحرير) مرجع سابق، ص: 562 – 563.

[2] – Avis présenté par Aain Obadia (Avis et Rapport du conseil économique et social : les nanotechnologies. 2008 pp 144 – 145.

[3] – www.cordis.europa.eu

[4] – يمكن التوسع من خلال قراءة مجموعة من الدراسات والأبحاث والتقارير حول النانوتكنولوجيا ورهاناتها الحالية والمستقبلية في موقع متخصص:

www.nanotechproject.org.

[5]  – الوكالات الفيدرالية في مجال النانوتكنولوجيا في أمريكا:

  • (Consumer Product Safety commission (SPSC
  • (Department  of homeland Security (DHS
  • (Department of commerce (DOC
  • (National Institute of Standards and Techonology (NIST
  • (Department of Defense (DOD
  • (Department of Energy (DOE
  • (Department of transportation (DOT
  • (Federal Highway Administration (FHWA
  • (Food and Drug Administration (FDA
  • (National Institute of Health (NIH.
  • (National Institute for occupational Safety and Health (NIOSH
  • (National Aeronautics and Space Administration (NASA
  • (National Science Fondation (NSF
  • (US.Departement of Agriculture (USDA
  • (Agriculture Research Service (ARS
  • (Forest Service (FS
  • (National Institute of Food and Agriculture (NIFA

أنظر التقرير التالي:

– The national Nanotechnology initiative (supplement to the president’s 2014 Budget) pp. 8-12, in www.nano.gov.

[6]  – يمكن الرجوع إلى موقع منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية:   www.oecd.org

[7] – يمكن الإطلاع على كتاب مهم حول السياسات العمومية حول النانوتكنولوجيا.

– Brice Laurent : les politiques des nanotechnologies. Editions Charles Léopold Mayer, 201

[8] – لا نريد التفصيل في موضوع اليقظة التكنولوجية، إذ سنخصص له دراسة مستقلة ومفصلة لمعرفة آليات اليقظة التكنولوجية ودورها في بناء الاستراتيجيات الاقتصادية والعلمية والتكنولوجية، للتوسع يمكن الرجوع إلى الدراسات التالية:

– Emmanuel Rouach : La veille Technologique  et l’intelligence économique. PUE. 2010.

– Nathalie Costa : Veille et Benchmarking Ellipes Marketing 2008.

[9] – هناك حديث صاخب حول “الحوسبة السحابية” Cloud computing  التي من خلالها يتم معالجة البيانات والمعطيات في بيئة رقمية. للتوسع أنظر:

www.techniques-ingenieur.fr.

[10] – Global Trends 2030 : Alternatives World. Publication of the national Intelligence council. 2012 www.dni.gov.

[11] –  انظر: عرض وليد عبد الحي: الاتجاهات العالمية 2030: سيناريوهات الاستتخبارات الأمريكية. 25 مارس 2013 ص: 5 www.studies.aljazeera.net

[12] – Pierre le Hir : «le science, pour le meilleur et pour le pire » . in le monde Hors-série. L’Atlas du monde de Demain. 2013 pp : 136 – 137.

[13] – A shift in the technological center of gravity from west to East and South, wich has already begun, almost certainly will continue as the flows of Companies, ideas, entrepreneurs, and capital from the developed to the devloping markets increase. Duning the next 15 – 20 years, more technological activity is likely to move to developing world as multinationals focus on the fastest-9rowing emerging markets and as chinese, Indian, Brazilian, and other emerging-economy corparations rapidly become internationally competive. The speed of this movement will depend ou the availability of risk in the developing countries, rules of law to protect intellectual property rights, and the desire of developing-economy Compannies to grow and be globally Competitive.

– Global trends  2030, op-cit p 86.

[14] – Atlas géostratégique op-cit pp 79 – 80.

[15] – المسدس ابتكرته شركة Defense Distributed، انظر موقع Le monde.

[16] – للتوسع انظر www.la-fin-du-monde.fr

[17] – www.scenariocatastrophe.com

وهو موقع متخصص في عرض مختلف المشاهد المستقبلية للكوارث الطبيعية والتكنولوجية والبيئية والمناخية والمالية والنزاعات الحربية وغير ذلك.

[18]  – نفس المصدر.

شارك:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *