هل يمكن أن نعيش في منازل تحت الأرض في المستقبل؟

الرئيسية » حياة وتكنولوجيا » هل يمكن أن نعيش في منازل تحت الأرض في المستقبل؟

هل يمكن أن نعيش في منازل تحت الأرض في المستقبل؟

تشهد المدن ازدحاماً بشكل متزايد، فلماذا لا نبدأ في تشييد مساكن تحت الأرض؟ الصحفي كيران ناش يرصد بعض الأمثلة غير العادية للإنشاءات تحت الأرض على مستوى العالم، من استراليا، إلى الصين.

يبدو منزل “بيرناديت روبرتس” كأي منزل آخر من عدة أوجه، فهو مكون من ثلاث غرف، ويضم “صالة، وغرفة للطعام، ومطبخ، وبه كل التجهيزات الحديثة،” كما تقول، وهو يشبه منزلاً طبيعيا.

لكن منزل روبرتس هذا ليس منزلا عاديا من ناحية أخرى، فهي تعيش فيه تحت الأرض. وهي مواطنة من بلدة “كوبر بيدي” الصغيرة جنوبي استراليا.

وتتميز تلك البلدة بأمرين: مناجم العقيق (نوع من الأحجار الكريمة الملونة)، والمخابيء، التي هي عبارة عن منازل تحت الأرض حفرت في الصخور، ويعيش فيها نحو 80 في المئة من سكان البلدة.

لا تعد بلدة “كوبر بيدي” مكاناً مريحاً للزائرين، حيث يمكن أن تصل درجات الحرارة فيها إلى 50 درجة مئوية. قبل قرن من الزمان، أدرك عمال المناجم أن العيش تحت الأرض أقل سخونة، وبقي سكان البلدة يعيشون تحت الأرض منذ ذلك الوقت.

تقول روبرتس: “عندما تصل الحرارة إلى أقل من 40 درجة مئوية، تكون درجة حرارة المخابيء حوالي 25 درجة. وعندما تدخل إلى أحد هذه المخابيء أو البيوت، تشعر كأنك تدخل مكاناً مكيفاً.”

ورغم أن قسوة الطقس أرغمت أهالي تلك البلدة على العيش تحت الأرض، إلا أنها ليست المكان الوحيد الذي تفكر فيه الجهات المسؤولة لبناء مساكن تحت الأرض.

ومن المتوقع أن تضيق مساحة الأرض مع احتمال أن يصبح ثلثا سكان العالم يعيشون في المدن بحلول عام 2050. والكثير من المدن لا تستطيع أن تزيد مساحة البناء أفقياً أو عمودياً فيها بسبب ضيق المساحة المتوفرة، أو بسبب عوامل أخرى، كالمحافظة على التراث. لكن ماذا عن البناء تحت الأرض؟

خذ مثلاً حالة سنغافورة التي تعتبر أحد أكثر البلدان ازدحاماً في المعمورة. حيث يعيش سكانها البالغ عددهم خمسة ملايين ونصف مليون نسمة في مساحة لا تزيد عن 710 كيلومتر مربع.

يقول زو ينغشين من رابطة مراكز الأبحاث الخاصة بالعمران تحت الأرض: “السبب الرئيسي للاتجاه نحو البناء تحت الأرض في سنغافورة هو حل مشكلة شح الأرض اللازمة للبناء.”

ويضيف: “حاولنا استعادة الأرض بالحفر في البحر، وشراء التراب، لكن لا يمكن الاستمرار في ذلك، بسبب ارتفاع سعر الرمل المستخرج من البحر، واضطرارنا إلى الحفر لأعماق أكبر من السابق، وبسبب شكوى جيراننا من أعمال الحفر.”

لذا، توجد خطة الآن تحت اسم “مدينة العلوم تحت الأرض”، وهي مشروع مصمم لتوفير مساحة 300 ألف متر مربع لأغراض البحث واجراء الاختبارات، وتقع على عمق 30-80 متر تحت سطح الأرض، وهي ستساعد الصناعات الكيماوية والبيولوجية والطبية وغيرها. وإذا بنيت تلك المدينة، فمن المتوقع أن تؤوي 4200 نسمة.

في حالات أخرى، تكون الأرض نادرة بسبب القيود المفروضة على إزالة الأماكن التراثية. في مكسيكو سيتي على سبيل المثال، تفرض قيود صارمة على البناء في قلب المدينة التاريخي.

لذا عمدت شركة “بي إن كيه آر” للإعمار إلى تصميم بناية ضخمة يصل عمقها إلى 300 متر، وتتخذ شكل هرم مقلوب، وقد أطلق عليها اسم “إيرث سكريبر”، (أي ناطحة الأرض، على غرار ناطحات السحاب).

وسوف يكفي البناء المقترح لإسكان 5000 نسمة، مع وجود أرضيات تتلقى الإنارة الطبيعية من سقف زجاجي ضخم، رغم أن الطوابق السفلى تحتاج إلى إنارة إضافية عن طريق الألياف الضوئية.

ويأمل استيبان سواريز، المدير التنفيذي ومؤسس شركة “بي إن كيه آر” للإعمار في أن تصبح تلك البناية مثالاً يحتذى.

وفي الصين يدفع الطلب الكبير على السكن الرخيص الناس إلى السكن في بيوت تحت الأرض في ظروف ليست مثالية.

قضت أنيتا كيم، مديرة “مختبر سباتيال التحليلي” في جامعة جنوب كاليفورنيا، نحو عام في بكين من 2013 إلى 2014 في دراسة حالات هؤلاء الذين يعيشون في منازل تحت الأرض، والتي هي عبارة عن خليط من الملاجيء الحربية، وبعض مناطق الإصلاحات الأرضية التي أعيد تنظيمها لتكون وحدات سكن جماعية صغيرة.

تقول كيم: “يوجد تفاوت كبير في أوضاع هذه المنازل. توقعت رؤية بؤس فظيع، وهناك بالفعل أماكن رهيبة، ولكن ما يبعث على الدهشة هو أن هناك أيضاً أماكن جميلة حقاً بمقاييس بكين.”

ملايين البشر

إذن، كم عدد الناس الذين يعيشون تحت الأرض في بكين؟ تقول كيم: “تترواح التقديرات الرسمية ما بين 150 ألف إلى مليونين نسمة، وقد رأيت للتو مليون شخص هناك.”

وتضيف أن هناك عاملان قادا إلى هذا الوضع: الانفجار العمراني الكبير في الصين، الذي أوجد زيادة في المعروض من المنازل تحت الأرض، وارتفاع أسعار المساكن فوق الأرض.

في السنوات الأخيرة، انتقل عدد كبير جدا من العمال الباحثين عن وظائف أفضل إلى بكين، لكن عددا منهم لا يملكون إذناً رسمياً للإقامة فيها، مما يحرمهم من السكن في البيوت المتاحة لسكان العاصمة فوق الأرض.

الشقق الوحيدة التي يستطيعون تحمل أسعارها هي الأماكن المتاحة تحت الأرض، والتي يعلن عنها في السوق الخاص للعقارات، وهو سوق مرتفع الثمن.

على بعد 1000 كيلومتر جنوبي بكين، يعمل المقاولون على استغلال المكان المتاح تحت الأرض لبناء فندق “شيماو وندرلاند إنترناشيونال” الذي يحتوي على 300 غرفة، ويجري بناؤه حاليا في موقع أحد المحاجر الصخرية، ويبلغ عمقه 90 مترا، ويقع على بعد 35 كيلومترا جنوب غربي شنغهاي.

يقول مارتن جوشمان، مدير التصميم المسؤول عن مشروع الفندق، إنه بينما يشكل ذلك المحجر الصخري منظراً طبيعياً جذاباً، فإن كثيرا من الناس يعتقدون أنه غير قابل للاستخدام.

ويضيف: “المسالة صعبة جدا، لأن كل شيء هنا مصصم للبناء رأساً على عقب. المياه والمجاري ينبغي أن تدفع إلى الأعلى بدلا من الأسفل. إنه بناء ينخفض إلى أسفل بدلا من أن يرتفع إلى الأعلى.”

لكن هناك فوائد لهذا النوع من البناء. فطبوغرافية ذلك المحجر الصخري تخلق مناخاً خاصاً بالمنطقة، فالصخور تمتص الحرارة في الصيف، وتطلقها ببطء في الشتاء.

الحرارة تعتبر أيضاً عاملاً مهماً في هلسنكي بفنلندا، حيث شيدت الحكومة تسعة ملايين متر مكعب من الأبنية أسفل المدينة، بما في ذلك متاجر عامة، ومضمار للعدو، وملعب للهوكي أقيم على الجليد، ومسبح عام.

يقول ايجا كيفيلاكسو، المهندس الذي صمم تلك المنشآت تحت الأرض، إن الوضع المعيشي تحت الأرض أفضل من فوقها، خاصة في الشتاء حين تنخفض درجات الحرارة على سطح الأرض إلى ما دون 20 درجة مئوية.

ويضيف: “في ظل الأحوال الجوية لهلسنكي، سيكون أمرا مبهحا أن تعمل أو تحتسي القهوة تحت الأرض، حيث لا يتطلب ذلك أن تخرج إلى البرد أو المطر.”

مخاوف تتعلق بالظلام

من الممكن من ناحية فنية بناء أماكن تحت الأرض لمعيشة الناس. لكن هل نرغب فعلا في قضاء أوقات طويلة هناك؟

إن نجاح مشاريع البناء تحت الأرض مثل، مشروع “إيرث سكريبر” في مكسيكو سيتي، قد يعتمد على فكرة مساعدة الناس على التغلب على الخوف من العيش تحت الأرض.

يقول سواريز: “العقل البشري ميال بطبيعته إلى الخوف من الأماكن التي تقع تحت الأرض، والتي ترتبط عادة بالظلام، وضيق المكان، والأجواء التي تشبه بيئة الكهوف، وكذلك الخشية من أن يُدفن المرء حياَ.”

ولكن من خلال ربط كافة أنحاء مشروع “إيرث سكريبر” بمكان مفتوح وواسع يمكنه استقبال الإنارة من أعلى، يأمل سواريز أن يتغير مفهوم الناس عن العيش تحت الأرض.

بالنسبة لعدد قليل من الناس، يعد مجرد التفكير في البقاء في مكان معزول تحت الأرض أمرا مخيفاَ.

وقد توصل غونار جينسين، وهو باحث في مجال سيكولوجيا البقاء تحت الأرض، إلى أن ثلاثة في المئة من الناس يشعرون بحالة هلع شديد من عدم وجود طريق واضح للخروج من المكان، أو بسبب الخوف من حدوث فيضان، أو حريق.

كن هناك وسيلة لتبديد تلك المخاوف. يقول جينسين: “إذا طمأنت هؤلاء الناس إلى أن الوضع سوف يظل تحت سيطرتهم، فسوف يقبلون الأمر. وهذا هو لب الموضوع، على أن يتم تحويل ذلك إلى بناء معماري، وإلى تصميم كالذي نعمل عليه حاليا.”

ويضيف: “أهم شيء يجب توفيره هنا هو الهواء النقي، عليك أن تحرص على وجود أماكن واسعة، أو أماكن تبدو كذلك. بإمكانك استخدام الخداع في التصميم المعماري لجعل الأماكن تبدو واسعة وهي ليست كذلك في الحقيقة، لكن الأفضل هو توفير أماكن واسعة ذات إضاءة جيدة.”

لقد عمل جينسين في مشاريع لشق أربعة من أطول الأنفاق في العالم. و لخلق الوهم بوجود مكان واسع، جعل داخل النفق واحة تغرق في الأنوار الساطعة، مع أشجار نخيل ومناظر محاكاة للسماء على طول الطريق.

ويقول: “أنت تسافر في نفق مظلم وفجأة تجد نفسك في مكان مضاء بأنوار ساطعة، وفيه أشجار ونباتات. يصبح لديك شعور بمكان تتنفس فيه الصعداء، تشعر معه كأنك في الخارج، على سطح الأرض، حتى لو كنت على عمق 1000 متر في نفق يخترق سلسلة من الجبال.”

لكن استخدام الخدع والحيل لكي نشعر بالراحة تحت الأرض شيء، و عيشنا تحت الأرض بالفعل، وحاجتنا إلى ضوء الشمس شيء آخر.

يقول لورانس بالينكاس من جامعة جنوب كاليفورنيا إن نقص ضوء الشمس يمكن أن يتسبب في الأرق، ويؤثر سلباً على عمل الهرمونات، وعلى المزاج، وهو ما يمكن أن يتسبب في أمراض مزمنة من كافة الأنواع.

لكن “توقيت الخروج بشكل منتظم والتعرض للضوء الساطع الذي يشبه ضوء الشمس يمكن أن يساعد الناس على العيش تحت الأرض لفترات طويلة،” كما يقول بالينكاس.

إقامة مؤقتة

معنى ذلك أننا من الناحية الفنية نستطيع العيش تحت الأرض. لكن هل سيصبح ذلك واقعاً؟ تقول أنيتا كيم: “إذا استمر تدفق الناس على المدن بهذه الوتيرة، فإننا سنرى العيش تحت الأرض واقعاً بالفعل، نعم.”

وتقول أيضاً إن الأمر يعتمد على كيفية استخدام المساحات المتاحة. وتضيف: “كثير من هؤلاء الناس يذهبون لتلك الأماكن تحت الأرض لقضاء ليلتهم، فهم لا يعتبرون ذلك منزلاً يمكثون فيه و يجدون فيه الاستقرار والراحة. فهم يستمتعون بالأماكن العامة فوق الأرض ليكونوا عرضة للهواء والشمس.”

يقول لي هوانكينغ الذي أعد أطروحة دكتوراة عن التوسع العمراني تحت الأرض: “يغيب التخطيط العمراني لبناء مساكن تحت الأرض عن أجندة عمل المسؤولين في غالبية المدن حول العالم، لكن يمكن أن تستغل المساحات تحت الأرض لبناء منشآت متعددة الأغراض؛ كمراكز التسوق، والشوارع لتخفيف الضغط عن سطح الأرض، واستغلال سطح الأرض في بناء مساكن ومساحات خضراء.”

ويقول زو ينغشين من سنغافورة إن ذلك منطقي ومعقول، ويضيف: “لا يوجد سبب لإعراض الناس عن العيش تحت الأرض، لكن هناك أشياء كثيرة يمكنك إقامتها تحت الأرض قبل المساكن.”

بي.بي.سي 

شارك:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *