اختتم النادي الجراري موسمه الأدبي والثقافي قبل حلول شهر رمضان الأبرك باستضافة الأديب الروائي الدكتور عبد الإله ابن عرفة يوم الجمعة 5 يوليوز 2013 في مقر النادي “زهرة الآس” الكائن بحي الرياض في الرباط.
في البداية، تناول الكلمة الدكتور محمد احميده الذي رحب بضيف النادي، ثم قام بتقديم نبذة من سيرته وأعماله. وبعد ذلك أعطى الكلمة للدكتور محمد التهامي الحراق الذي أعد عرضاً بالمناسبة تحت عنوان “نحو كتابة روائية بملامح عرفانية : اقتراب أولي من المشروع الروائي للدكتور عبد الإله ابن عرفة”.
تتبع صاحب العرض جوانب تجربة الروائي انطلاقاً من رواية “جبل قاف” الصادرة سنة 2002، مروراً بروايات “بحر نون” (2007)، وراية “بلاد صاد” (2009)، ورواية “الحواميم” (2010)، ورواية “طواسين الغزالي” (2011)، وانتهاء برواية “ابن الخطيب في روضة طه” (2012).
وقد توقف الباحث محمد التهامي الحراق عند رواية “الحواميم” التي اعتبرها مفصلية في مسار مشروع الروائي ابن عرفة، وهي الرواية التي تدور أحداثها من سقوط غرناطة سنة 1492 إلى صدور قرار الطرد النهائي للموريسكيين الأندلسيين في 22 سبتمبر 1609. وتجلى هذا التحول في بعض المؤشرات الدالة التي توقف عند بعضها الباحث، ومن أهمها انتقال الأديب من تصدير أعماله بالمقدمات إلى عنونة ذلك التصدير بالبيان الأدبي. وهذا التحول يعكس نضجاً في هذه التجربة حسب الباحث ويؤشر على الوعي بانتقال المشروع من مجرد أعمال مفردة إلى انضباطه ضمن نسق مكتمل يجدد في الكتابة الأدبية ويؤسس لأدب جديد مما يحتم إصدار بيانات أدبية ترافق هذه التجربة وتساعد القارئ المتتبع والمتبصر بتطور الأدب إلى جدة المشروع، وهو ما دفع الروائي لاحقا إلى تسمية هذا السرد الأدبي الجديد بالرواية العرفانية.
وبعد إبحار موفق في هذه التجربة، تناول الكلمة مجموعة من رواد النادي الذي أغنوا النقاش بآرائهم ومرئياتهم وملاحظاتهم واستفساراتهم عن فرادة هذه التجربة وتميزها، ونبهوا على تقصير النقد المغربي في مواكبتها رغم التكريس الأدبي الذي حققته هذه الأعمال في الوطن العربي وخارجه، والذي عكسته مجموعة من الجوائز والتكريمات التي حازها الروائي بفضل أعماله، ومن ضمنها تأهل عمله الأخير “ابن الخطيب في روضة طه” للائحة الأخيرة من جائزة الشيخ زايد للآداب لسنة 2013 من ضمن ما يزيد عن 1260 عملا أدبياً من مختلف الأجناس الأدبية في العالم العربي. وهو مؤشر له دلالته. وقد عزا أغلب المتدخلين ارتباك النقد المغربي في مرافقة هذه التجربة المتميزة إلى كونه لم يطور بعد أدوات خاصة لقراءتها وفق خصوصيتها وفرادتها.
ثم تناول الكلمة بعد ذلك الروائي ابن عرفة فوضع معالم للجغرافية الروائية العرفانية التي اختطها لمشروعه المتفرد. كما أجاب عن الإشكاليات التي طرحها المتدخلون من قبيل العلاقة بين التخييلي والتاريخي، والحدود الفاصلة بينهما والناظمة لهما. كما أجاب عن مسوغات مرافقة أعماله ببيانات أدبية زاوج فيها بين التنظير النقدي والسرد الإبداعي.
وفي الأخير، ختم الروائي بقصيدة صدر بها روايته الأخيرة “ابن الخطيب في روضة طه” في حق بطل الرواية لسان الدين ابن الخطيب، ونبه إلى ضرورة احتفاء المغرب بمرور الذكرى سبعمائة لولادة ابن الخطيب التي طرحها في بيانه الأخير بما يتوافق مع الأفق الحضاري والتاريخي المغربي ضمن حوار الثقافات. وقد بين بعض المسوغات لهذا الاحتفال منها رد الاعتبار لابن الخطيب الذي راح ضحية مؤامرة سياسية بسبب آرائه الوحدوية بين المغرب والأندلس التي خلص إليها انطلاقا من تجربته كرجل دولة في الأندلس، والتي لخصها ابن خلدون بقوله “إن نزعته كانت مرينية وسياسته مغربية”. وحيث إن المغرب بصدد استكمال وحدته الترابية يتحتم عليه أن يعيد الاعتبار لابن الخطيب من جريمة القتل والتمثيل بجثته وإحراقها التي لحقت به على أرض المغرب من قبل غرناطة الآيلة للسقوط. كما دعا إلى ضرورة إعادة تسمية باب المحروق في فاس حيث يوجد ضريح ابن الخطيب بباب لسان الدين ابن الخطيب لتتويج هذا الحدث الكبير خلال الندوة الدولية التي ستعقدها منظمة الإيسيسكو وجمعية ابن الخطيب لحوار الثقافات في فاس، بالتعاون مع منتدى الفكر العربي في عمان، وجامعة سيدي محمد بن عبد الله، ومجلس مدينة فاس.