مُقدّمة لدراسة الملابس المغربية الأندلسية في العصر الإسلامي

الرئيسية » علم وحضارة » مُقدّمة لدراسة الملابس المغربية الأندلسية في العصر الإسلامي

الملابس المغربية الأندلسية في العصر الإسلامي

في بحث أثري رفيع المستوى استطاع الباحث الجزائري في قسم الآثار بكلية العلوم الإنسانية بجامعة الجزائر، الدكتور صالح يوسف بن قربة،  أن يبحر بعيدا في عالم الكتب والمتاحف للبحث في الزي المغربي الإسلامي، بنوعيه المدني والعسكري، لما يمثله هذا الزي المغربي الأصيل من تراث حضاري وقيمي.

وبالنسبة لصاحب البحث الذي عنونه بـ”مقدمة لدراسة الملابس المغربية الأندلسية؛ في العصر الإسلامي من خلال المصادر التاريخية والأثرية”، فإنه يعتبر موضوع الملابس أو الأزياء المغربية الإسلامية، بنوعيها المدني والعسكري، من الموضوعات الأثرية الهامة في تاريخ الحضارة العربية الإسلامية، جدة وطرافة في هذا المجال، لأن الملابس عامة تشكل عنصراً تراثياً هاماً من بين عناصر تراثنا المادي والفني، لا يقل أهمية عن بحث ودراسة أي أثر تراثي آخر مهما بلغت قيمته الفنية والفكرية معا.

ويضيف الباحث أن الملابس نفسها ترتبط ارتباطاً وثيقاً بالعادات والتقاليد، خصوصاً أوقات المناسبات والأعياد والاحتفالات المختلفة، التي تحدد لنا طريقة ارتدائها، وتنوع ألوانها واختلافها. ومع ذلك، وبالرغم من أهميتها القصوى، فإنها لم تلق العناية اللاّئقة بها من قبل الباحثين والمؤرخين وعلماء الآثار والمشتغلين بالدراسات الاجتماعية الأخرى، باستثناء بعض البحوث والدراسات القليلة المتفرقة هنا وهناك.

وبرأي الدكتور صالح يوسف بن قربة فإن المصادر الأثرية، التي تم الاعتماد عليها في البحث، متنوعة ويأتي في مقدمتها المخطوطات المزوقة، والخزف والنسيج والجص والعاج وغيرها، وذلك لاستكمال النقص، وبالتالي رسم صورة واقعية عن الملبوسات؛ وباعتبار أن هذا التراث ما هو إلاّ نِتَاجٌ حضاري معاصر للفترة أو الحقبة التي أنجز فيها، وبالنظر إلى كونه يفيد في معرفة التواصل الحضاري في مجال التراث المادي، ورغبة منا في خدمة هذا الموضوع، ارتأينا أن نساهم بهذه الدراسة المتواضعة عن الملابس والأزياء المغربية في العصر الإسلامي من الناحية التاريخية والاجتماعية والحربية (العسكرية)، وذلك حسبما يتوافر لدينا من أدوات البحث المتعلقة بهذا الجانب الهام.

وتناول الباحث دراسته حول الملابس المغربية من جانبين رئيسين هما:

        1 ـ جانب نظري.

        2 ـ  جانب عملي تطبيقي.

فأما الجانب النظري، برأيه، فيهتم بالناحية التاريخية لإثبات أصالة الملبوسات المغربية، وبالتالي يحاول اكتشاف المادة التراثية وتفحصها ومقارنتها، ثم ملاحظة توظيفها في المجتمع الإسلامي آنذاك.

وأما الجانب العملي التطبيقي، فيأخذ في الاعتبار كل ما تيسر من مواد الملابس والأزياء في بلاد المغرب ومخلفاتها وموادها الخام، إذا أمكن الحصول عليها. هذا، فضلاً عن مصادرها كتجارة الأقمشة والخيوط لبيان المؤثرات عليها. ويخلص هذا الجانب إلى تقسيم الملابس إلى مجموعات حسب طريقة استعمالاتها، ولاسيما الناحية الاجتماعية لاقتصارها على وظيفة معينة أو فترة محددة.

وتهدف الدراسة الميدانية إلى بيان أصالتها وتتبع جذورها من حيث كونها ملابس مغربية إسلامية متوارثة ترجع في أصولها وتقاليدها إلى القرون الأولى للهجرة. ومن الأمثلة على ذلك ما نكتشفه في كتب التراث مثل كتاب “الأغاني” لأبي الفرج الأصفهاني و”مروج الذهب” للمسعودي، و”العقد الفريد” لابن عبد ربه، و”البيان” لابن عذاري، و”المعجب” لعبد الواحد المراكشي، و”الإحاطة في أخبار غرناطة” للسان الدين بن الخطيب، و”الحلة السيراء” لابن الأبار.

وبالإضافة إلى ذلك، فهناك كتب المسالك والممالك مثل كتاب “المغرب في ذكر بلاد إفريقية والمغرب” للبكري و”نوازل” ابن رشد.

أما المعاجم اللغوية، فقد أمدتنا، يقول الباحث، بالكثير من المعلومات القيمة التي يتطلبها البحث، خصوصاً فيما يتعلق بأصول المفردات واشتقاق المصطلحات.

ويمكن القـول، في ضـوء ما سبـق، بأن بحث ودراسـة الملابس (الأزياء) العسكرية المغربية والأندلسية في العصر الإسلامي، يطرح إشكالية معالجتها ودراستها دراسة تحليلية مقارنة كما وردت في المصادر التاريخية والأثرية، لندرة ما وصلنا بشأنها. ومما يزيد في صعوبة البحث، يقول الباحث، أننا كلما حاولنا جمع شتات المادة التاريخية، نجد أنفسنا في بحر لجي بسبب ندرة الأخبار والأوصاف المتعلقة بها، وحتى إن وجدت، فهي قليلة وشحيحة جداً لا تدلنا على شكل ثابت لها. ومن ثم فهي لا تسعف الباحثين المتخصصين في هذا المجال. وهذا لا يعني بطبيعـة الحال خلو المصادر التاريخية من المادة نفسها فحسب، بل هي قليلة جداً لا تعدو مجرد إشارات وتلميحات متناثرة هنا وهناك(..).

وضمن المعلومات المتوصل إليها فإن هناك معطيات تفيد في دراسة الملبوسات العامة والخاصة التي ارتبطت بفئات وطبقات معينة في المجتمع المدني؛ كما تساعد أيضاً في التعرف بشكل صحيح على المواد الخام التي صنعت منها تلك الملبوسات. نذكر من بينها ما حفلت به مؤلفات الإدريسي، وابن حيان، والمقري، من أخبار عن أهل قرطبة حاضرة الخلافة الأموية، الذين اشتهروا بحسن الزي في الملابس والمراكب.

ويأتي في مقدمة هؤلاء المؤرخين الرحالة والجغرافي العربي ابن حوقل الذي تحدث عن أنواع الملابس المفضلة عند أهل الأندلس، فذكر منها “اللبود المغربية الثمينة والحرير، وما يؤثرونه من ألوان الخز والقز”.

ونستخلص مما أورده المقري في مؤلفه “نفح الطيب” نقلاً عن ابن سعيد المغربي من أن ما كان يجري بالأندلس، كان يجري بقرطبة. والغالب على سكانها ترك العمائم وأنهم كثيراً ما كانوا يرتدون غفائر الصوف الحمر والخضر. أما الغفائر الصفر، فكانت “مخصوصة لليهود”، وأكثرهم لا يمشي “دون طيلسان، إلا أنه لا يضعه على رأسه منهم إلا الأشياخ المعظمون”.

أما عن ابن عذاري المراكشي، فيلقي أضواء كاشفة حول الملابس الأندلسية بشكل خاص، فيعطينا ثبتاً كاملاً بأصناف الملبوسات الممتازة وتسمياتها، التي شاع استعمالها من قبل الأندلسيين خلال القرن الرابع الهجري/ العاشر الميلادي ـ كما يفهم من عبارته التي يشير فيها إلى أنه من بين أصناف الأكسية: “… الخز الطرازي، وصوف البحر والكساء العنبري، والسقلاطون، والمريشات وأنماط الديباج، والديباج الرومي والفروي الفنك”.

ومما يؤثر على أهل الأندلس ما سنه الفنان زرياب لسكان قرطبة من لبس البياض وترك الملابس الملونة في فصل الصيف، بينما يعودون إليها “ويلبسون بقية السنة الثياب الملونة”.وجعلهم يلبسون في الفصل الذي بين الحر والبرد “جباب الخز والملحم والمحرر والدراريع التي لا بطائن لها”.

وإذا كانت هذه حال الملابس الأندلسية كما كشفت عنها أوصاف المؤرخين والجغرافيين العرب، فماذا عن الملابس المغربية خلال العصر الإسلامي؟ فهل نالت هي أيضاً عناية واهتمام هؤلاء الكتاب والمؤرخين أم أنها ظلت بعيدة عن ذلك؟ والغريب أن ما ذكره المؤرخون بخصوص هذا الموضوع أكدت جزءاً كبيراً منه الآثار الإسلامية.

ومهما يكن من أمر، فالذي لا جدال فيه، يقول الباحث في مقدمته، أن ما نملكه من نصوص تاريخية عن أصناف الملابس المغربية قليل لا يفي بالمطلوب ولا يسعف الباحث في هذا الحقل من الدراسات الأثرية.

        ومع ذلك، فاستناداً إلى الإشارات المقتضبة التي وردت عنها في كتب المؤرخين والجغرافيين، نستطيع رسم صورة حقيقية عنها. من ذلك مثلاً ما ذكره المقدسي حول “الرساتيق ـ الأقاليم ـ كانوا يرتدون أكسية” وأن عامة سكان المغرب من البربر الذين أطلق عليهم السوقة، كانوا يرتدون المناديل، والمنديـل ـ كما هو معروف ـ لباس من صوف يغطي الرأس ويتدلى على الكتفين والظهر، وليس ببعيد أن يكون هذا المنديل بمثابة عمامة أو زناراً يتمنطقون به، كما يستشف من الأخبار التاريخية أن لبس الجبة كان من الصوف، فهذا اللباس البسيط انتشر بشكل خاص في مدينة تاهرت حاضرة الدولة الرستمية في المغرب الأوسط، وهو ما أكده ابن الصغير في معرض كلامه عن عبد الرحمن بن رستم الذي كان يكثر من شراء هذا النوع من الملبوسات، “فاشترى أكسية صوفاً وجباباً صوفاً وفراء”.

البرنس

 استعمل أهل المغرب، في العصرين القديم والإسلامي، البرنس ثوباً خارجياً. والبرنس كما عرفه ابن سيدة هو “كل ثوب رأسه منه متصل به سواء أكان دراعة أم ممطراً أو جبة”.

وحسب المقدسي، فإن سكان هذه البلاد من البربر كانوا جميعاً يرتدون البرانس البيضاء والسوداء على حد سواء. وكما هو معروف، فالبرنس لباسٌ صوفي كان يستعمل في فصل الشتاء للوقاية من البرد والمطر، كما استعمل في بعض المناطق في كل الفصول أو على مدار السنة.

ومن المرجـح جداً أن لبس البرنـس في القديم كان يعد شارة أو علامة مميزة لطوائف من البربر، عرفوا تبعاً لذلك باسم “البرانس”، كانوا يمتهنون التجارة والزراعة، وتشربوا لثقافة اللاتينية. فهؤلاء تميزوا عن جيرانهم بلبس برنسٍ له غطاء رأس، بينما عرف الصنف الآخر من البربر باسم “البتر”، لارتدائهم برنساً مبتور الرأس، أي دون غطاء الرأس، وهؤلاء كانوا بدواً بعيدين عن تأثير الثقافة اللاّتينية.

وأما تفسير “البتر” بأنهم سموا كذلك لتجردهم من زي معين يعرف بالبرنس، فهو تفسير لغوي لا يستند إلى أساس علمي قوي. وعلى الرغم من تسليمنا بعدم صحة هذا التقسيم لسكان المغرب، فإن البرنس لباس خارجيّ كان يشكل زياً شعبياً منذ القديم في بلاد المغرب توارثته الأجيال وتواصل لبسه حتى اليوم.

ولعل لباس البرنس هذا هو الذي أشار إليه ابن الصغير في معرض حديثه عن عبد الرحمن بن رستم حينما قال: “… اشترى أكسية صوفاً”ووزعها على المحتاجين من أهل مملكته؛ ومن المحتمل جداً أنها كانت ألبسة صوفية غير مفصلة يلتحف بها كالحايك دون غطاء الرأس. وفي هذا الصدد يقول دوزي: “إن كلمة البرنس قد عنيت في الأزمنة القديمة طاقية، إلا أنها تشير إشارة في العصور الحديثة إلى معطف ضخم له قلنسوة”.

والجدير بالملاحظة أن لبس البرنس لم يقتصر على سكان المغرب فحسب، بل امتد وانتشر إلى حد ما في المشرق في العصر العباسي، حيث اتخذ لباساً مميزاً للذين يشهرون بهم من الخارجين على الدولة. وجرت العادة في مثل هذه الحالة أن يلبسوا الخوارج برانس، ويطوفوا بهم على هذه الشاكلة في الشوارع والدروب.

وبالإضافة إلى ما سبق، كان البرنس أيضاَ يشكل لباساً خاصاً عند اليهود وأطلق عليه اسم “براطيل”، كما شاع لبسه من قبل النصارى حسبما ذكره متز.

وأكد المسعودي ظاهرة استعمال البرنس في العصر العباسي بقوله: “… ودخل المعتضد وبدر الكبير مدينة السلام، وبين أيديهما وصيف الخادم على جمل فالج وعليه دراعة ديباج وبرنس وخلفه جماعته وقد لبسوا الدراريع من الحرير الأحمر وعلى رؤوسهم البرانس”.

ولا يزال البرنس يستعمل في بلدان المغرب العربي حتى اليوم؛ ويحمل الاسم نفسه، ولكننا حينما نحاول البحث عن صورته التاريخية في الآثار الإسلامية المغربية، فإنه يكون صعب المنال، بسبب زوال معظم الفنون التطبيقية التي كانت تحمل صوراً حية من المجتمع المغربي في العصر الإسلامي.

ونحب الإشارة هنا إلى أن البرنس، سواء كان مصنوعاً من الصوف أو الوبر، يعتبر من أهم الأزياء المحلية في المغرب الإسلامي.

ومما لاشك فيه أن الصوف كانت تشكل المادة الأولية في لباس القادة والخلفاء والأمراء. ويؤثر عن زعيم الموحدين الروحي المهدي ابن تومرت أنه يظهر التقشف والبساطة في لباسه، حيث اقتصر على لبس “ثياب الصوف من قميص ومن سراويل ومن جبة تواضعاً”.

وأصبح “البرنس” ولبسه من الأمور التي تحرص عليها كل طوائف المجتمع المغربي في العصر الإسلامي، يستوي في ذلك الرجل العادي والجندي والفقيه والعالم والسلطان، ولكن بدرجات متباينة يراعى فيها اللون والشكل والمادة، وهو ما أشار إليه القلقشندي في كلامه عن “لبس السلطان بالمغرب”، خصوصاً يوم الاحتفال أو يوم التمييز وهو: “يوم عرضهم (الجند) على السلطان، ويختص السلطان بلبس البرنس الأبيض الرفيع لا يلبسه ذو سيف غيره”. ومنذ ذلك الوقت صار هذا العمل تقليداً متبعاً في كل بلدان المغرب الإسلامي.

أما الفقهاء، فقد لبسوا البرنس الأبيض شأنهم في هذا شأن السلطان، على حين كان “العلماء وأهل الصلاح لا حرج عليهم في ذلك، ولا حرج في غير الملون مثل الأبيض من البرانس”.

ويستشف من الإشارات التاريخية أن البرنس المغربي كان يعد من الأشياء الثمينة التي تهدى للملوك والسلاطين بالمشرق. فقد أهدى السلطان أبو الحسن المريني لدولة المماليك بمصر”الحلل المرقومة المذهبة والأنساق والقنع والمحررات المختمة والبرانس المصنوعة من الحرير المشفف وأحاريم الصدف”.

ويتبين من الأوصاف السابقة المتعلقة بهذا النوع من الملابس الشعبية أننا نستطيع أن نتمثل صورته الواضحة. وقد ارتداه السلطان المريني والزياني وغيرهما من القادة والجند، إذ لا غنى لأحد عنه لأهميته التاريخية في المناسبات والاحتفالات الرسمية والحياة اليومية.

السروال

 إن المعلومات التي انتهت إلينا بخصوص هذا اللباس ضئيلة جداً؛ ويبدو أن سبب إحجام الكتاب والمؤرخين عن ذكره يرجع بالدرجة الأولى إلى عدم شيوعه بين الناس من جهة، وإلى كونه لباساً محدود الاستعمال من جهة ثانية.

وقبل تفصيل القول في هذا اللباس يشير الكاتب إلى أصل السروال اللغوي والتاريخي، لأن ذلك يساعدنا على فهم أهميته باعتباره لباس البدن الداخلي. وعليه، فالسروال مؤنثة، وتجمع على سراويل وسراويلات. وإذا كانت الكلمة عربية، فإن السروال في الأصـل ليس عربيـاً. ومن المرجـح أنه انتقل إلى العرب من بـلاد فارس، وهي مشتقـة من الفارسية القديمة “زرد أرد”.

وتحدث الجاحـظ عن القميص والسروال في عهده، فقال “إن القميص والسروال هما الشعار، وسائر الثياب الدثار”.

وكان السروال من ملابس المجتمع المغربي القديم، كما كان لباساً مهماً شاع بين طبقات المجتمع المغربي في العصر الإسلامي من الخلفاء والسلاطين والحكام. ويعتبر السروال بالإضافة إلى ذلك من لباس الكتاب والفقهاء والقضاة وقادة الجيش والجند.

وكان الأغنياء من التجار يلبسون القمصان والأردية فوق السراويل. ولما كان السروال لباساً عاماً، لبسه أعاظم الناس وأصاغرهم. وهي لذلك، لابد أنها كانت تختلف في شكلها ونوعها ولونها من فئة إلى أخرى، لأنها اتخذت من قِبَلِ مختلف الطبقات التي تتفاوت في المركز الاجتماعي والمادي. من ذلك مثلاً أن سراويل الإمام يعقوب بن أفلح الرستمي كانت تمتاز بعرضها الفضفاض حتى بلغت “حجرة سراويله في جنبه”.

وكان السروال في بلاد المغرب الإسلامي ذا أهمية خاصة عندما أصبح يشكل زياً رسمياً لرجال الدولة، بالإضافة إلى أزياء أخرى استعملت معه. ومع ذلك، فينبغي أن نأخذ في الاعتبار أن كل طبقة من الطبقات التي سبقت الإشارة إليها كانت تختلف سراويلها من حيث شكلها ولونها ومناسبات لبسها. فقد جرت العادة في بلاد المغرب على أن الجند المقاتل وخصوصاً فرقة المشاة، كانوا يرتدون “جبا دولي” الأحمر أو الأخضر، ومن لباسهم أيضاً السروال الأزرق، والصدرية والعمامة أو الطربوش وكلاهما أحمر. أما سراويل الجند والفرسان، فالمعلومات والإشارات الواردة بشأنها ضئيلة جداً ومقتضبة وغامضة، وأحياناً متناقضة؛ كما أن المصادر التي نستقي منها معلوماتنا عن الملبوسات المغربية قلما تذكر طول الملبوس وطريقة تفصيله وخياطته أو طريقة ارتدائه أو الألبسة التي تلبس مجتمعة معا. وفي هذه الحالة، نلجأ إلى المصادر المادية الأثرية، والتي لا يزال بعضها يحتفظ برسومها أو صورها. ومن الأمثلة على ذلك، نذكر أن السروال المصور على الآثار المغربية والأندلسية، جاءت بأشكال وأنماط متباينة في تفصيلها وخياطتها تبعاً للمناسبة التي اتخذت فيها. وفضلاً عن ذلك، فإننا نستدل على صورة هذه السراويل من العلب العاجية التي كانت تصنع في الأندلس. وقد وصلت إلينا مجموعة طيبة من صناديق مستطيلة الشكل غطاؤها على هيئة هرم مسطح وعلب أسطوانية الشكل، وجميعها كانت تتخذ لحفظ العطور والعنبر والمسك.

وتبين من رسوم هذه العلب أن الفرسان من الصيادين يرتدون سراويل تصل حتى الأقدام وتكاد تلتصق بالسيقان بحيث تبدو كما لو كانت جوارب.

ومن المرجح جداً أن تلك السراويل هي اللباس نفسه الذي أطلق عليه المقري اسم: “الأشكر لاط”. وعلى العموم، ومهما يكن من شكل هذه السراويل، فليس بين أيدينا في الحقيقة رسم مصور واضح للسروال الأندلسي بعد القرن الخامس الهجري/ الحادي عشر ميلادي.

وفيما يخص بلاد المغرب الإسلامي، فالإشكال يظل مطروحاً بسبب إحجام المؤرخين من جهة، وغياب الفنون والصنائع التي قد تساهم برسومها في حل هذا الإشكال من جهة ثانية؛ وحتى إن وجدت، فنادراً ما تحمل بين زخارفها رسوماً آدمية.

نورالدين اليزيد عن مجلة التاريخ العربي بتصرف

شارك:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *