يطرح كتاب”متعة القراءة”، لمؤلفه دانيال بناك، تصورات هي، نتاج خبرة الكاتب حول أنجع السبل لجعل القراءة عملاً، فيه قدر من المتعة والجاذبية، يطلبها الطلاب ومن تجاوز عمراً مُعيناً، بعد أن باتت القراءة عند هؤلاء أمراً غير مُستساغ، نتيجة انصرافهم الى مواجهة أكثر تعقيداً، يفرضها نمط الحياة الجديد..
وما يتطلبه منهم من سعي وكد لتوفير حد أدنى من الاستقرار المعيشي والحياتي. ويطالب الكتاب القراء بأن ينصتوا إلى الشرط الوحيد للتصالح مع القراءة: ألاّ نطلب شيئاً بالمقابل، ألاّ نُقيم أي سور معرفي مُسبق حول الكتاب.
بأسلوب طريف وساخر، يُقدم خطوات عملية تساعد على إحياء الكتاب واعطائه نصيباً من الاهتمام، بعيداً عن مشقة ما يفرضه التربويون والأكاديميون وعلماء التحليل النفسي من تحليلات ونظريات، تهدف إلى البحث في أسباب تراجع نسبة القراء..
وما تطرحه في هذا السياق لبث العزيمة وشحن الإرادة، وجعل الطلاب أكثر اهتماماً بالكتاب. طروحاتهم تلك، عناوين تأنس إلى الحبر وتراوح في سواده.لا تُقدم حلولا عملية ولا تُسهم في تغيير الصورة، بل تزيد من نفور الطلاب وتُكرّس الطلاق النهائي بينهم وبين الكتاب.
يتساءل الكاتب في مُستهل كتابه عن أسباب عزوف الأولاد عن القراءة، هم الذين كانوا يرفضون النوم، إلاّ بعد أن تُقص على مسامعهم قصة، طالما كانوا يُطالبون رواتها بأن يُعيدوا سردها عليهم حتى لو كانوا على معرفة بتفاصيلها.
يفعلون ذلك طالما أن الولد غيرُ معني بواجب ما، يفرض عليه شروطاً، تُطالبه بإعادة سرد ما حفظه أو إعادة كتابة ما رسخ في ذهنه أو البحث في القاموس عن كلمات وردت في سياق القص لم يفهمها، أو أن يُطلب منه إعطاء ملخصات جيدة للرواية التي يقرأ أو أن يُحلل يوم الامتحان بشكل دقيق نصوصاً مطلوبة منه. كل ذلك برأي الكاتب يجعل من فعل القراءة عملاً مُضنياً يأنف الطلاب من متابعته.
إذ ليس المطلوب برأي الكاتب إملاء شروط من هذا القبيل كما هو الحال في المدارس، بل ترك الحرية للطالب في اختيار القصة، ويُمكنه أن يتجاوز صفحات بل فصولاً، لم تجذبه مقدماتها، أو أن يعرض عن الكتاب برمته واختيار كتاب آخر، وهذا ما يُلمح إليه في التقديم الذي لم يُشغل أكثر من سطر واحد، رجاء «أتوسل أليكم» لا تستخدموا هذه الصفحات كوسيلة تعذيب تربوي.
يوضح الكاتب أن فعل القراءة لا يحتمل صيغة الأمر، فإن حصل فهو مُثير للاشمئزاز، تُشاطره إياه عدة افعال أخرى كفعل «أَحب..وفعل..احلم». لذا لا يمكن للتربويين أن يفرضوا القراءة على الطلاب ويحاسبونهم في النهاية على أدائهم.
وتبدأ القراءة كما يُشير الكاتب من مُلازمة لواجب مُقدّس، يفرض على الطالب شروطاً لإنهاء كتاب مُعين في أيام دراسته الأولى، وتنتقل إلى البيت مع إلحاح الأهل على فهم ما قرأه، وإلا فإن التحريم والمنع يبدآن برسم طريق من الكراهية بينه وبين الكتاب يُمنع الطالب من مُشاهدة التلفزيون، أو من الخروج واللعب مع رفاقه أو حتى من حرمانه من أشياء يُحبها.
هذا النوع من التربية برأي الكاتب، خطوة أولى تقضي على رغبة الطفل في القراءة، وتنفّره من الكلمات التي بات تراصفها في أسطر مُتعاقبة، يُثير اشمئزازه، بعد أن حول الأهل والمربون ما يفترض به أن يكون مُتعة الى أشغال شاقة، «لو أنهم ينمون هذه المتعة حتى تُصبح واجباً، وأن يؤسسوا هذا الواجب على مجانية التعليم الثقافي، ويستعيدوا بذاتهم مُتعة هذه المجانية».
لكن، يستدرك الكاتب ان المدرسة لن تكون بشكل من الأشكال مدرسة استمتاع، «لأن المتعة تتطلب قدراً لا بأس به من المجانية، بينما المدرسة مصنع ضروري للمعرفة التي تتطلب الجهد، والمواد التي تدرّس فيها أدوات الوعي»، فصحيح ان القراءة يتم تعلمها في المدرسة أما حب القراءة ففي مكان آخر.
ويطرح الكاتب توصيات جريئة، تهدف إلى حث الطلاب على القراءة، ومنها اعتبار الكتاب ليس غاية بذاته أو اعتبار الطلاب مجبرين على تقديم شروحات وتعليقات كامتحان للتأكد من قراءتهم له، يمكن ذلك أن يكون مُفيداً جداً، لكنه ليس غاية في حد ذاته.
والى تلك المسلمات يُضيف الكاتب تجنب إعطاء الوظائف أو إضافة كلمة واحدة الى كلمات الكتاب أو أي إشارة تتعلق بالنص واعتبار النص هدية وانتظار يُثير الفضول. هذه خطوات أولى للتصالح مع الكتاب وتحول التلاميذ بعد ذلك الى مُنقبين شغوفين عن كاتب الرواية وعن سير أحداثها وتزاحم معانيها المتعددة.
بيار شلهوب – البيان