ماذا يمكن أن نرى داخل الثقوب السوداء في الفضاء؟

الرئيسية » حياة وتكنولوجيا » ماذا يمكن أن نرى داخل الثقوب السوداء في الفضاء؟

ماذا يمكن أن نرى داخل الثقوب السوداء في الفضاء؟

إذا كنت تستقل سفينة فضاء، وسافرت بها عبر أحد الثقوب السوداء، فكيف يمكن أن يبدو الأمر؟ الصحفي العلمي “ماركوس وو” يحقق في الأمر.

شيء ما عن الثقب الأسود في الفضاء يسترعي انتباهك بالكامل. بالتأكيد، جاذبية الثقب الأسود في غاية القوة لدرجة أنها تمتص الضوء ذاته. لكن هناك شيء آخر، شيء يصعب تحديده.

ربما كان الظلام الدامس للثقب الأسود، تلك الهوة الغامضة التي ليس لها قاع ولا قرار، هو ما يهمك، أو ربما كان ذلك هو ما يجبرك على أن تقترب أكثر لمعرفة المزيد عنه.

الرحلة إلى أحد الثقوب السوداء هي رحلة ذات اتجاه واحد، أي ذهاب بلا عودة. بمجرد أن تجتاز النقطة التي لا يستطيع الضوء المرور من خلالها، فلا مجال أمامك للعودة. على الأرجح، ستموت بطريقة عنيفة. إذا لم يردعك ذلك، دعنا على الأقل نستكشف ما الذي يمكن أن نراه إذا قدر لنا أن نزور أحد هذه الثقوب السوداء.

عندما يستهلك نجم هائل وقوده، ينهار بفعل وزنه، ويهوي إلى أحد الثقوب السوداء. فقط النجوم ذات الوزن الكبير، والتي تكون عادة أكبر من شمسنا بنحو 25 مرة، هي التي يؤدي موتها إلى ظهور ثقب أسود.

وهناك واحد فقط من بين كل ألف نجم في المجرة يكون حجمه كبيراً لدرجة أن يؤدي إلى ظهور ثقب أسود. في مجرة درب التبانة وحدها هناك على الأقل 100 مليار نجم، وهو ما يعني وجود 100 مليون ثقب أسود كامن هناك.

لكن لا تنس أن الفضاء واسع جداً. حتى لو كنت مسافراً بسرعة الضوء، فإنك تحتاج إلى عدة آلاف من السنين لكي تصل إلى أقرب ثقب أسود.

لكن دعنا نقول إنك وصلت بطريقة أو بأخرى إلى أحد هذه الثقوب السوداء، فما الذي ستراه؟

في الواقع لا شيء. فقط اللون الأسود. ولو قمت بالدوران حوله، ستجد أنه كروي الشكل، ليس كتلك الثقوب المحمولة المسطحة التي تظهر في أفلام الصور المتحركة التي تحمل اسم “رود رانر”.

مغلف بالغبار والغازات

وإذا دار حول نفسه، وهو أمر مرجح، كما تفعل بقية الأشياء في هذا الكون والتي تدور بدرجات معينة، فستجد أن الثقب الأسود متسع في منطقة الوسط، وليس على شكل دائرة تامة.

ولرؤية منظر أكثر إثارة، انتقل إلى مركز درب التبانة، حيث يوجد ثقب أسود هائل أكبر من الشمس بحوالي أربعة ملايين مرة. وقد أدت جاذبية هذا الثقب الأسود إلى تجمع الكثير من جزيئات الغبار والغازات، والتي تراكمت على شكل اسطوانة تتصاعد داخل الثقب، وتحيط بتلك البالوعة، إن صح القول.

ذلك القرص الساخن له منظر أخاذ. أما بالنسبة للثقب الأسود نفسه، فلن يكون بإمكانك رؤيته مباشرة، إذ أنه مغلف بالغبار والغازات. لكن بإمكانك أن ترى كيف تقوم جاذبية الثقب الأسود بتغليف أشعة الضوء حولها، محدثة بذلك صورة بصرية في المواد المحيطة به يطلق عليها اسم “ظل الثقب الأسود”.

وتغلف الجاذبية صورة الظل نفسه، مما يجعل ذلك الظل يبدو أكبر خمس مرات من حجم الثقب الأسود. في العادة، نعتقد أن الضوء ينتقل في حزم ضوئية مستقيمة. لكن بالقرب من الثقب الأسود، تعمل الجاذبية على شفط الخلايا الضوئية (الفوتونات) وتجعلها تدور حول الثقب في مدارات محددة.

بعض هذه الخلايا الضوئية تتمكن من الإفلات من الجاذبية، وتصل إلى عينيك، (أو إلى التلسكوب)، وما ستراه حينها هو حلقة ساطعة على حدود ذلك الظل.

في هذه الأثناء، يدور الجزء الداخلي من القرص على شكل دوامة حول الثقب الأسود بسرعة تقترب من سرعة الضوء. وحسب نظرية أينشتاين النسبية، يظهر مصدر الضوء أكثر سطوعاً إذا كان مندفعاً باتجهاك.

ظل لامع

فإذا كنت تنظر إلى الثقب الأسود يكون ذلك الجزء من القرص الذي يقترب منك أكثر لمعاناً، ويظهر على شكل هلال على حافة الثقب الأسود.

وهكذا عندما لا تستطيع رؤية الثقب الأسود مباشرة، يمكنك أن ترى ظله محاطاً بحلقة مضيئة وبهلال. ويبدي بعض الباحثين قلقهم من أن بعض الغازات وزرات الغبار والجسيمات المشحونة التي تقذف بعيداً عن القرص يمكن أن تحجب عنا رؤية هذ الصورة المثيرة.

ولكي نتصور بالضبط شكل ظل الثقب الأسود، صمم العلماء واحداً من أكثر برامج المحاكاة دقة حتى الآن، والذي يحاكي الطبيعة الفيزيائية للغازات والجاذبية المحيطة بالثقب الأسود.

وقد تبين أن المنظر يمكن أن يبقى واضحاً ومشرقاً، كما تقول فريال أوزيل، عالمة فيزياء الفضاء بجامعة أريزونا، والتي ساهمت في تصميم برنامج المحاكاة.

ويمكن البناء على هذا البرنامج في إنتاج أفلام رائعة، لكن الأهم من ذلك هو أنه يساعد علماء الفلك على توقع ما سيرونه عندما يراقبون في الواقع ظل الثقب الأسود الموجود في درب التبانة.

وبالجمع بين قدرات 11 جهاز تلسكوب حول العالم، يعمل علماء الفلك على التوصل إلى تلسكوب واحد بحجم الكرة الأرضية ليرى للمرة الأولى ظل الثقب الأسود وكلاً من الهلال والحلقة اللذان يميزانه.

تقول أوزيل: “هذا هو ما أحلم به؛ أن نرى حلقة مضيئة في أحد جانبيها أكثر من الجانب الآخر.”

هذا التلسكوب الذي يساوي حجمه حجم الكرة الأرضية يطلق عليه اسم ” Event Horizon Telescope”، وسيحتوي على أدوات وأجهزة تمتد من القطب الجنوبي حتى تشيلي، وسوف يستخدم أجهزة كمبيوتر عملاقة (سوبر كمبيوتر) لسحاب ذلك الكم الهائل من المعلومات.

“ذلك يعطينا مستوى أعلى من التكبير لم يصل إليه أي تلسكوب من قبل”، كما يقول شيب دويليمان، عالم الفلك بمعهد ماساشوسيتس للتكنولوجيا الذي يقود مشروع التلسكوب العملاق. ويضيف: “إن معرفة ماهية ظل الثقب الأسود من كوكب الأرض يشبه رؤية حبة الليمون الهندي ( أو الغريبفروت) على سطح القمر.”

اكتشاف غير مسبوق

خلال الشهور الأخيرة، تمكن العلماء من ربط سبع أجهزة تلسكوب ببعضها، لتصبح جاهزة لإجراء التجارب. وبحلول 2017، يأمل العلماء في أن تكون هذه الأجهزة مهيأة ليرى الناس الثقب الأسود مباشرة من خلالها.

في الحقيقة، ستكون رؤية الثقب الأسود اكتشافاً غير مسبوق، كما يقول دويليمان، وسيكون ذلك بمثابة أقوى دليل حتى الآن على وجود هذه الثقوب السوداء (حيث أن كل الدلائل المتوفرة حالياً غير مباشرة، وتقوم على سبيل المثال على وجود تأثير جاذبية الثقوب السوداء على النجوم القريبة من مركز المجرة).

وسيكون باستطاعة علماء الفيزياء تحليل ما يدور بالتفصيل حول الثقب الأسود، مما سيمكنهم من اختبار التفاصيل المعقدة لنظرية أينشتاين النسبية المتعلقة بالجاذبية.

لكن ربما كانت الرؤية في حد ذاتها أمرا غير كاف، ولا يزال هناك رغبة في معرفة ماذا يوجد داخل الثقب الأسود. ولسوء الحظ، لا يعرف العلماء حتى الآن ما الذي سيحدث.

الفرضيات القائمة تقول إنك إذا اقتربت من الثقب الأسود، فسوف تتمدد وتصبح مثل المعكرونة الرفيعة الطويلة، بمعنى أنه إذا دخلت إلى الثقب الأسود بأقدامك أولاً، فسوف تتعرض أقدامك لجاذبية أكبر بكثير من الجاذبية التي يتعرض لها رأسك.

وكلما اقتربت أكثر من الثقب، سيؤدي الفرق في قوة الجاذبية التي يتعرض لها رأسك وأقدامك إلى أن يتضخم رأسك حتى ينفصل عن جسمك. وعلى الفور تقوم هذه الجاذبية المترددة بتحويل كل خلية في جسمك وكل جزيء وكل ذرة إلى أجزاء أصغر.

وطبقاً للرياضيات، إذا كان الثقب الأسود صغير الحجم نسبياً، أي عدة أعشار من حجم الشمس، فسوف تحدث عملية تمدد وفصل للرأس، وتجزئة للجسد قبل أن يجتاز الإنسان النقطة التي عندها تمتص جاذبية الثقب الأسود الضوء.

أما إذا كان الثقب الأسود ضخماً، أي أكبر ملايين المرات من حجم الشمس، فسيكون الاقتراب من تلك النقطة آمناً، حيث سيحدث التقطيع والذوبان للجسد في مرحلة لاحقة.

في عام 2012، توصل جون بولشينسكي، أثناء محاولة فهم ما إن كانت المعلومات تتوقف وتختفي في أحد الثقوب السوداء إلى الأبد، إلى أن وجود مصير آخر لهذه المعلومات أمر محتمل. فحسب ميكانيكا الكم، تصبح النقطة التي يُمتص عندها الضوء داخل الثقب الأسود جداراً هائلاً من النار يمكنه أن يحولك إلى رماد بمجرد عبوره. ولن تمر حتى بمرحلة التمدد والتقطيع تلك.

عدد من علماء الفيزياء لا تعجبهم هذه الفكرة. فحسب أحد قواعد نظرية أينشتاين النسبية، لا يشعر الإنسان الذي يسقط في نقطة اللاعودة تلك بأي شيء مختلف، فقط يطفو في الفضاء.

فجدار النار ذلك يتناقض إذن مع ما يعرف بـ “مبدأ التكافؤ” (أو مبدأ التساوي بين كتلة الجاذبية وكتلة القصور)، وهو يمثل قاعدة لا يميل علماء الفيزياء إلى إهمالها بسهولة. لهذا، جرب العلماء فكرة تلو الأخرى في محاولة التوصل إلى ما بات يعرف بـ “مفارقة جدار النار”. وفي ذلك الإطار، ليس هناك اتفاق على أي شيء حتى الآن.

ولمعرفة ما يحدث بشكل قاطع داخل الثقب الأسود، عليك ببساطة أن تذهب إلى هناك بنفسك. ولكن تبقى المشكلة في أنك لن تستطيع أن تخبر أحداً بما رأيته، لأنها رحلة ذهاب بلا عودة.

بي.بي.سي

شارك:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *