توصل باحثون أمريكيون من مدرسة الصحة العمومية بهارفرد، إلى أن الجزيئات الصغيرة من مادة الإيميداكلوبريد الموجودة بتغذية النحل المعتمدة، خاصة في فصل الشتاء، على السكر هي السبب الرئيسي والمباشر فيما تتعرض له مجتمعات النحل من تدمير وتخريب خلال السنوات الأخيرة.
ولإظهار تأثيرات مادة الإيميداكلوبريد على هذه الحشرات، لجأ فريق العمل إلى إطعام النحل ولمدة ثلاث شهور بالسكر المستخرج من الذرة والمتوفر على تركيزات ضعيفة من مادة الإيميداكلوبريد، إلا أنه لم تسجل أي تغيرات طيلة هذه المدة. غير أنه وبعد مرور ستة شهور، خلصت التجربة إلى أن 15 خلية من أصل 16 فقدت جميع النحل الموجود بداخلها، في حين تمكنت مجموعة الخلية 16 من البقاء، كون أن غذاءها كان خاليا من مادة الإيميداكلوبريد. وبالنسبة للخليات الميتة، لاحظ الباحثون أنه لم يبق بها سوى عسل ولقاح وبعض النحلات الصغيرات والنادرة، حسب ما جاء في تقرير هارفرد.
ومن المعلوم، أن محاصيل الذرة الأمريكية تعالج بمبيدات حشرية تدخل في تركيبتها مادة الإيميداكلوبريد، وبالتالي فإن السكر الذي يتم إطعامه للنحل، يستخرج من هذه الذرة المشبعة بمادة الإيميداكلوبريد، إحدى مكونات المبيدات الحشرية. وقد بدأ استعمال هذه المادة لأول مرة سنة 1990 كمجموعة جديدة من المبيدات الحشرية المتقدمة، ليتبين فيما بعد أنها المسؤولة عن انهيار مستعمرات النحل واختفاء العديد من أصنافه.
وفي دراستين سابقتين تم نشرهما بمجلة ساينس العلمية، تبين لعلماء البيئة في جامعة ستيرلنغ (المملكة المتحدة)، مدى التأثير السلبي لنوعين من المبيدات المنتمية إلى عائلة نيونيكوتينويد، على تنمية وسلوك النحل البيتي/الداجن، وأيضا على اتجاه أنواع أخرى من الملقِّحات البرية والنحل الطنان، وتمكنوا كذلك من تفسير ظاهرة اختفاء بعض الأنواع الأخرى من الملقِّحات البرية، والتي كان مجموعها يقارب 20 ألف صنف تنتشر في كل من المملكة المتحدة وأمريكا الشمالية.
ويشار إلى أن بعض المركبات الكيماوية الموجودة بالمبيدات تعمل على قتل النحل، عن طريق امتصاص هذا الأخير لرحيق تلك الزراعات (نوار الشمس، الأرز، الخضر الذرة، حبوب القمح..) التي تمت معالجتها ورش أوراقها بالمبيدات المكونة متسببة في وفاة أعداد كبيرة منها.
وتعتبر مادة الإيميداكلوبريد لمعالجة البذور والمحاصيل، من الملوثات العضوية الثابتة المهاجمة للخلايا العصبية المتشابكة للحشرات. فعندما ترتشف النحلة الرحيق من الأزهار المعالجة بالمبيدات، فإن الإيميداكلوبريد تنتقل إلى التشابك العصبي للنحلة، مسممة أعصابها وكبدها وجهاز مناعتها، ومتسببة في آثار عصبية حادة عبر دورتها الدموية.
وبما أن الإيميداكلوبريد ينتمي إلى عائلة النيونيكوتينويد، فله نفس تأثيرات النيكوتين، وبالتالي فإنها تتسبب في تقلص/انقباض عضلات جميع الخلايا العصبية للنحلة كالقلب والرئتين، مما ينتج عنه موت النحلة تكززا.
وإذا تركزت معظم الأبحاث والدراسات على التأثيرات السلبية لمادة الإيميداكلوبريد والنيونيكوتينويد، فإن تقرير مركز “أوبرا” للأبحاث ينفي العلاقة بين تعرض النحل للمبيدات وبين معدلات الوفيات في مستعمراته، ويرجع الوضع إلى عوامل أخرى تتمثل في الأمراض والطفيليات، والممارسات الخاطئة للمبيدات وعدم التقيد بالتحذيرات والمقاييس، وطريقة الإشراف على خلية النحل، والعوامل المناخية، والأمور المتعلقة بصحة الملكة، ومشاكل التغذية، وفقدان التنوع الوراثي، والعوامل البيئية مثل التكوين الإنشائي للطبيعة الزراعية الحديثة.