مؤرخ إسباني يبحث «اللامنطق» بين المغرب وإسبانيا

الرئيسية » علم وحضارة » مؤرخ إسباني يبحث «اللامنطق» بين المغرب وإسبانيا

"المغرب وإسبانيا: تاريخ ضد كل منطق"

عرف المؤرخ والمستعرب الإسباني برنابي لوبيز غارسيا، أستاذ تاريخ الإسلام المعاصر بالجامعة المستقلة بمدريد، بعلاقاته الوطيدة مع المغرب وقضاياه منذ عقود، فقد بدأ احتكاكه بالشأن المغرب منذ عمل أستاذا للغة الإسبانية بجامعة سيدي محمد بن عبد الله بفاس، ومن تم بدأ انخراطه في دراسة تاريخ المغرب المعاصر حيث أصدر عدة كتاب حول قضية الصحراء والهجرة والانتخابات المغربية.

وقد أصدر برنابي غارسيا قبل سنوات قليلة كتابا جديدا تحت عنوان “المغرب وإسبانيا: تاريخ ضد كل منطق” ظهرت ترجمته العربية في الأسابيع الماضية، قام بها محمد مساري، بدعم من وزارة الثقافة الإسبانية.

أهمية الكتاب تكمن في أن مؤلفه يعيد التنقيب في جذور تشكل صورة المغرب في الاستوغرافيا الإسبانية وفي بدايات الاستعراب الإسباني، كما تكمن في اطلاعه الجيد على التاريخ المتشابك للعلاقات بين البلدين منذ القرن الثامن عشر تحديدا، بل قبل ذلك منذ سقوط غرناطة.

يكشف المؤلف أن البدايات الأولى للاهتمام الإسباني بالمغرب بدأت في النصف الثاني من القرن الثامن عشر، مع البعثة الملكية إلى المغرب سنة 1767، التي شكلت المنطلقات الأولى لانبعاث الدراسات الاستعرابية حول المغرب، ويقول المؤلف إنه بعد هذه البعثة التي حصلت في عهد حكم الملك كارلوس الثالث بدأت النوايا الاستعمارية تتجلى من خلال البعثات أو التفاقيات التجارية، والتآليف الأولى التي ظهرت في ميدان المعاجم اللغوية والنحو.

وفي عام 1844 أصدر استيبانيث كالديرون، الذي كان يشغل وقتها وظيفة مستشار قانوني للجيش، كتابا تحت عنوان “دليل الضابط في المغرب” أو”بيان جغرافي إحصائي تاريخي سياسي عسكري لتلك الامبراطورية”، وكان ذلك الدليل يهم كل الجوانب المتعلقة بالمغرب، من السكان إلى الفلاحة والتجارة والتقاليد الاجتماعية والتاريخ، كما تم تذييله بفصل مخصص للكلمات والجمل من أجل التفاهم بالعربية.

ثم تطور هذا الاهتمام الإسباني بالمغرب مع حرب إفريقيا الشهيرة عامي 1859 و1860، التي لجأت إليها إسبانيا بعد ضياع مستعمراتها، فاتجهت إلى شمال إفريقيا للتغلغل والتعويض عن الخسارة. ويقول المؤلف إن حرب إفريقيا تزامن مع ظهور الكولونيالية الرومانسية المثالية، التي تمثلت في ظهور اهتمامات فنية وأدبية بالمغرب وتقاليده الاجتماعية وخصوصياته الدينية.

ارتبطت حرب إفريقيا بحملة أودونيل الشهيرة، المنسوبة إلى الجنرال “ليوبوردو أودونيل إي جوريس” الذي كان جنرالا عسكريا وينتمي في نفس الوقت إلى صف النبلاء الإسبان وشغل منصب دوق مدينة تطوان، كما كان رئيسا للمجلس الحربي.

كانت إسبانيا تعتقد بأن لها حقوقا جغرافية تاريخية وضعية خاصة بالمغرب بحكم ماضي وجودها بالأراضي الأفريقية. وفي سنة 1848، عمدت إلى احتلال الجزر الجعفرية الواقعة على مصب نهر ملوية. وقد شجعتها على القيام بذلك الانتصارات التي حققتها فرنسا بالمنطقة وتزايد التأثير البريطاني، مما جعل طموحاتها قريبة من التحقيق فأخذت تتحين الفرصة السانحة للعب دور سياسي على الرقعة المغربية. ولم تتأخر الفرصة المنتظرة عن الظهور، إذ كانت الغارة التي شنتها قبائل أنجرة الريفية ضد الأسبان إثر قيامهم بإنشاء مترس جديد على الجهة الخارجية لسور مدينة سبتة في صيف 1859 كافية لاستغلالها كمبرر من أجل إعلان الحرب على المغرب. وقد مثلت هذه الحرب بالنسبة للجنرال أودونيل امتيازا آخر لمواصلة احتلال مزيد من الأراضي حتى يتم شغل الرأي العام الأسباني بقضية “حرب إفريقيا” وتحويل أنظاره عن المشاكل الاقتصادية العميقة التي كانت تتخبط فيها إسبانيا من قبيل المضاربات المالية وفضائح القصر التي كانت تهدد استقرار العرش. شكلت وفاة السلطان مولاي عبد الرحمان بمكناس يوم 28 غشت 1859 ظروفا ملائمة إضافية لتمكين إسبانيا من مرادها. فبالاستناد على مبررات ودسائس معتادة، صعدت إسبانيا من وعيدها للمغرب. فقد ألحت على تسليم ثلة من أعيان قبيلة أنجرة، التي حملتها مسؤولية الهجوم الذي قامت به القبائل الريفية المحاذية لسبتة ضدا على إحداث المترس. وحرصا منه على تفادي أي صدام محتمل غير محمود العواقب، حاول السلطان الجديد سيدي محمد بن عبد الرحمان (1859 ـ 1873) وبمساعدة من إنجلترا، اقتراح تقديم تعويضات مادية لإسبانيا وصلت إلى حد الاستعداد لإعادة رسم الحدود مع مدينة سبتة، والتي كانت إسبانيا تصر منذ مدة بعيدة أن تلحق إليها الأراضي الواقعة بأعالي منطقة بليونيش. غير أن حكومة مدريد رفضت ملتمس السلطان وأعلنت الحرب على المغرب يوم 24 أكتوبر 1859، وقامت بإنزال حوالي 50.000 جندي بمدينة سبتة، وبدأت بقنبلة المراسي المغربية.

ويرى المؤلف أن حرب إفريقيا كان تحولا استراتيجيا في السياسة الإسبانية اتجاه المغرب، فقد “كانت وراء تدفق أنهار من الأدب حول الموضوع”، حيث ألفت حولها العديد من الأعمال الأدبية والفنية، كما أن العديد من العساكر الإسبان الذين شاركوا فيها كتبوا مذكراتهم عنها، ضمنوها آراءهم حول المغرب ومشاهداتهم ويوميات المعارك مع المغاربة.

ادريس الكنبوري

شارك:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *