الإعلام تلك الكلمة السحرية التي أصبحت تختزل عوالم تشكيل أذهان ووجدانات البشر، مذ بدأت رحلتها مع الإنسان المتوثب دوما للجديد والغريب،فهي وظيفة ومهمة بل خصيصة ملازمة للإنسان مذ بدأ في الوعي بذاته وبعدها العلائقي والتحيزي بكل أشكاله البدائية والمتقدمة والخشنة والمهذبة، فالتواصل والاتصال فطرة قائمة به لا ينفك عنها ولاتنفك عنه، خصوصا في زمننا الرقمي الخاص الذي يشكل فيه الإعلام بمختلف وسائطه طفرة حضارية متميزة يؤكد كثير من المختصين والمهتمين بشؤونه أنه سيولد معها إنسان جديد بعواطف وأحلام وتمثلات للحياة جديدة هي الأخرى.
واكب الإعلام إذن رحلة الإنسان في سعيه لتطوير معاشه وكسبه، وتبديد مخاوفه وهواجسه من الطبيعة والأرض التي يحيا فيها وبها، كما رافقه وهو يصطنع الحروف والرقوم والرسوم من أجل التعبير عن آلامه وآماله ورغبته في إيصالها للجمهور وتخليدها، ولذلك فالتطور الذي يعرفه الإعلام اليوم وما أصبح يعبر عنه اليوم بمركزيته ومحوريته ليس ميسم هذا العصر فقط ،بل هو حقيقة حضارية لصيقة بالإنسان تعبر عن درجة تطوره العقلي والأداتي بصفة عامة، إذ تطور الإنسان في وسائل اتصاله وإعلامه من الإيماء الرمزي الجسدي وتوظيف عناصر الطبيعة من أجل إظهار ما اختلج في الضمائر والرغبة الحثيثة في إشراك الغير معه، أو إقصاءه أو غير ذلك من الأحوال التي تختصر تحت عنوان الحرب والسلم إن بين الأفراد أو القبائل أو الجماعات أو الإمارات والدول.
فهذه الفاعلية الإعلامية والاتصالية حاضرة مع الإنسان أينما كان وكيفما كان، إذ هي مجلى كسب الإنسان التقني ، فعندما ظهرت المطابع عرفت الصحافة والصحف المكتوبة ازدهارا كبيرا اعتبر في إبانه منعطفا حضاريا خاصا بشر بنوع جديد من الهندسة الاجتماعية التي كانت لها آثارها الحضارية الشاملة والمعلومة، ويقاس على مثل هذا التلازم بين الاكتشاف العلمي والإبداع في الوسائط الإعلامية احتلال الراديو أو المذياع مكانته الخاصة ، إذ بدأت الإنسانية تخطو نحو التفاعلية والاتصال المباشر بالاستماع إلى الأصوات حية تنبعث من هذه الأجهزة الغريبة والتي كانت تعبر عن مكانة اجتماعية متميزة ومصدر خاص للمعلومات، سرعان ما ستنصرف عنه منبهرة بالصورة ومشاهدة العالم الكبير في شاشة صغيرة أشعرت الإنسان بتفوقه وقدرته على المزيد، وطلب تفاعل إعلامي أكبر من مجرد الاستماع أو المشاهدة السلبية ، بل الانخراط في كل ذلك بحثا عن التفاعل الحي والمباشر في الزمن الواقعي، ولقد كانت هذه الطموحات من قبل ضربا من الخيال العلمي فأصبحت واقعا وحقيقة معيشة.
أصبح العالم إذن قرية صغيرة في هذا الزمن الرقمي المتميز، أفرز أسئلة جديدة وتحديات كبيرة استفزت العقول لبذل الجهد في الفهم والتفسير والتقويم لما هو كائن وما يمكن أن تؤول إليه الأمور، دون الركون للحلول السهلة المتمثلة في السياسة الحمائية والانكفائية ، والارتماء في أحضان الانغلاقية والتعصب باسم الخصوصية أو الهوية، فالإشكال هو كيف نحيا زمننا وتحيا بنا منظومتنا القيمية بين المنظومات الأخرى التي تتميز بكونها مبادرة سباقة للفعل والإنجاز.
mawdo3on mohim , jazaka laho bikhayr