عوائق ينبغي تجاوزها لتجديد علومنا (6/5)

الرئيسية » الأعمدة » بصائر » عوائق ينبغي تجاوزها لتجديد علومنا (6/5)

 للوقوف على جلية هذه المفارقة، يمكن أن نستحضر مثال جهاز التموقع الشامل GPS، فمن يسوق اليوم في طرقات اليابان أو أوروبا أو أمريكا… يمكنه استعمال هذا الجهاز الذي يقدره وهو داخل سيارته أن يتصل بالأقمار الاصطناعية التي برمجت فيها الطرقات والأزقة، بحيث توجد في خرائط تفصيلية بأسمائها وسماتها، مما يؤهل السائق إن استجمع شروط ” القراءة” ولو لم يسبق له المجيء إلى تلك الأوطان أبدا، أن يتحرك فيها بتمكن ورشاد. غير أن تلك الخرائط وإن تطلب إنجازها عملا جبارا، إن لم تغذ بالمعطيات المستحدثة، فإنها تصبح عديمة النفع، مما يتطلب تحديثا مستداما لها. إن فهم السياق يروم إنجاز قراءة متجددة لتزويد معمارنا الفكري وبنائنا الفقهي والمعرفي بالأسماء والسمات المستخلصة من الواقع المتجدد، واستنباط أحكامها مع استحضار للمقاصد، وضرورة التسديد والتقريب، حتى يتمكن إنساننا من توقيع الفعل الراشد، واستعادة كتابة تاريخه والمسؤولية عن مصيره.

لاشك أن عالمنا أصابته رضوض وجراحات، وسكنته أقراح وأتراح؛ غير أن هذا العالم أيضا انبجست فيه عيون أمل كبيرة، واندهقت فيه مصادر فرح كثيرة، والإنسان إن استعان بالقراءة التكاملية الجامعة بين هاديات الكون الممكنة من الحركة، وهاديات الوحي الممكنة من الوجهة والقبلة، سوف ينعتق ولا شك في واقعية من إكراهات هذا الحاضر، وينطلق نحو آفاق المنشود في استكشاف لمناجم الجمال البلسم، وواحاته في كل من الوحي والكون. وبحسبنا أن نومئ اليوم بكل تواضع ومسؤولية نحو هذه الأوراش الحضارية الكبرى التي تقتضي الاستثمار الجاد والجهد الكبير، والأمل الواسع المسؤول، لكي يتم إنجاز بعض ما تتطلبه من أشغال، وتبرئة ذمة جيلنا الحاضر، التي لا تبرأ إلا بالقيام بهذه الفروض على الكفاية.

شارك:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *