عوائق ينبغي تجاوزها لتجديد علومنا (6/4)

الرئيسية » الأعمدة » بصائر » عوائق ينبغي تجاوزها لتجديد علومنا (6/4)

يعيش العالم مجموعة من التقلبات والتجاوزات والانتهاكات، وكأننا في أتون كابوس دلفت إليه البشرية بمحض إرادتها عبر العقود والقرون؛ فواقعنا اليوم عبارة عن ترسبات مفاهيمية وسلوكية أشبه ما تكون بالترسبات الجيولوجية المزمنة، ولا انعتاق إلا بالوقوف على جَليتها وكيفية تكوينها؛ إذ ما نراه اليوم واقعا ليس إلا ثمرة قد تبلورت من خلال وصول النُّسغ المغذي إليها، عبر جذور وجذوع وفروع، والتعامل مع الثمرة في إهمال للجذور والجذوع والفروع كالتعامل مع النتيجة في إهمال للأسباب.

وإن من أُولى علامات الحضور والشهود الحاضرين عند أمة من الأمم قدرتها على فهم واستيعاب ما يحيط بها من أحداث ووقائع، وتبين ما يكمن وراءها من مفاهيم ومعتقدات وقيم ومناهج وأفكار، وكذا قدرتها على بلورة مواقف إزاء كل ذلك؛ مواقف يتم قياس جدواها بحسب تأثيرها في تأطير السلوك العام وتعبئته لاجتناب مصادر الخلل، وكذا القدرة على صوغ أحلام لها قدرتها التعبوية الموجهة لجهد الإنسان في تناسق مع المكان، واستعمال راشد للزمان. ومن المؤسف أن نرى أن كسب أمتنا في هذه الاتجاهات قد غيض وانحسر منذ زمن غير قصير، فانفكت عرى العلاقة مع الواقع والكون والوحي، وطفقنا نتعامل مع هذه المصادر الموجهة لكسب الإنسان، تعاملا تجزيئيا واجتراريا ومقلدا في بعد تام عن التكامل بينها.

إن الكون في المنظومة القرآنية عبارة عن كتاب الله المنظور، والوحي هو كتاب الله المسطور، ولكل أبجده الخاص به الذي يعتبر مدخلا للحوار الباني معه، وللقراءات التأسيسية المحررة للفاعلية الكامنة فيه. والذهول عن المعرفة بالأبجدين يمنع من المتح الراشد من معيني هذين الكتابين الربانيين، لكي يحلَّ الاستظهار والتقليد والترداد محل الإبصار والاسترشاد والاستهداء؛ مما يقتضي تجديدا ناجزا لمناهج القراءتين في أفق الجمع بينهما، مصداقا لقوله تعالى في سورة العلق: “اقرأ باسم ربك الذي خلق، خلق الإنسان من علق، اقرأ وربك الأكرم، الذي علم بالقلم، علم الإنسان ما لم يعلم” [العلق، 1-5].

شارك:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *