إنه الرائد الأول والأب الروحى للرسوم المتحركة العربية(1) بلا منازع، رحلة طويلة من الإبداع والابتكار قطعها الفنان علي مُهيب..
طفولة متعسرة..
ولد فى محافظة السويس بتاريخ 26 مارس 1935، يقول ابنه علي سعد مُهيب في حوار مع موقع مسارات بهذا الخصوص: “ولد والدي رحمة الله عليه وسط سبعة من الأخوة والأخوات، وفي سن الثمانية أعوام عرف أن ولادته كانت متعسرة وأنه كان يمكن التضحية به لإنقاذ أمه، فاستقر في نفسه بأنه لم يخلق عبثاً، وأن عليه أن يثبت للجميع أن هناك فرقاً بين وجوده أو عدمه. وبالفعل أصبح في مقتبل أيامه عونا كبيراً لكل أفراد أسرته الصغيرة، وفخراً لأسرته الكبيرة..”.
وبدأت الرحلة..
تخرج الفنان المُبدع علي مُهيب سنة 1955م من كلية الفنون الجميلة بالقاهرة بتقدير امتياز، ليلتحق بعدها بكلية التربية الفنية ليتخرج منها أيضا بامتياز سنة 1957م. ليعين بعدها مدرساً للفنون بالإسكندرية حيث عايش ورسم البيئة الشعبية المصرية بكل ما فيها من أشكال وأنماط وشخصيات حُفرت فى ذاكرته لتشكل هويته الصميمة، حتى عُين مُعيداً بكلية الفنون الجميلة سنة 1959م.
اشترك علي مُهيب مع رفيق دربه الأخ الوفي حسام مهيب بتحريك رسوم فى تجارب فيلمية قصيرة على نفقتهما الخاصة، والتى كانت سبباً فى اختيارهما ليؤسسا “قسم الرسوم المتحركة” بالتليفزيون المصري، يقول علي مُهيب في حوار أجراه معه حسام حافظ قبل وفاته: “احتضن التليفزيون تجربتنا الوليدة، والفضل في ذلك يعود إلى المهندس الراحل صلاح عامر والوزير الأسبق محمد عبد القادر حاتم، فهما اللذين ساعدانا في تأسيس قسم الرسوم المتحركة داخل التليفزيون، وكانت هذه هي “فرصة العمر” لي ولشقيقي المرحوم حسام مهيب، حتى نتمكن من تنفيذ أفكارنا في الرسوم المتحركة لترى النور..” هذا العمل الذي كان حجر الأساس لتكوين أجيال من فناني الرسوم المتحركة الرواد كمحمد حسيب، فهمى عبد الحميد، فايزة حسين وشويكار خليفة…
أنامل ساحرة..
يقول الأستاذ الدكتور حازم فتح الله نائب رئيس جامعة حلوان وأستاذ الجرافيك بكلية الفنون الجميلة: ” كنت أحد تلاميذه فى كلية الفنون الجميلة، فكان أول من فتح لى آفاق الثقافة الفنية.. وكان حين يمسك بالقلم أو الفرشاة، فأنامله أنامل ساحر، فقد كانت خطوطه ساحرة بالفعل، مع كلمات مهذبة أنيقة، ينتقيها بعناية ساحرة كذلك، لقد كانت كلماته، طلقات ذكية تعرف طريقها، بشياكة..”.
ويستمر عطاء الأب الروحي للرسوم المتحركة ليؤسس بمعية رفيق الدرب حسام أول استوديو رسوم متحركة خاص بمصر والعالم العربى، والذى أصبح بمثابة مدرسة علمية دربت مئات الفنانين، استقر بعضهم فى التليفزيون، وانتقلت مجموعة أخرى الى استوديو مصر، ومجموعة ثالثة إلى المركز القومى للسينما..
في رحاب الجامعة..
نقل الفنان على مهيب تجربته الفنية إلى رحاب كلية الفنون الجميلة، حيث قام بتدريس مادة الرسوم المتحركة، حتى تطورت المادة وتحولت إلى عدد من المناهج التى تدرس بالشعبة والتي تخرج فيها عشرات من الفنانين كالفنان ستالينين الرملي والدكتورة منى أبو النصر وغيرهم كثير..
رحلة نجاح..
خلال تكريم الفنان المُبدع علي مُهيب فى مهرجان الرسوم المتحركة الثاني أكد: “إننا نعيش عصر حروب الفن بين الغرب والشرق، لذا علينا أن نتسلح استعداداً للغزو الثقافى والفنى علينا، وعلى الشباب أن يثور على نفسه مفكراً فى المستقبل بما يحويه من صراعات اجتماعية وسياسية..”.
خلف الأستاذ علي مُهيب أكثر من 1800 عمل ما بين فيلم وفوازير، وفيديو وعدد من الأفلام الدعائية سواء لمصر أو للدول العربية.. كما قام الفنان بتأسيس “الجمعية المصرية للرسوم المتحركة” عام 2001 م، وقد ضمت أسماء 15 مؤسساً، وكان أول رئيس للجمعية.
تميزت العشر سنوات الأخيرة من حياته بمشاركته في التحكيم بمهرجانات الرسوم المتحركة المصرية والدولية، وقدم عديدا من الندوات حول حاضر ومستقبل الفن التاسع.
كما حصل خلال مشواره الطويل على عديد من الميداليات والجوائز والتكريمات، وتميز الفنان علي مهيب بالدقة الشديدة، ودماثة الخلق، والأدب الجم، وطلاقة الحديث..
استراحة المُبدع
بعد مسيرة عطاء استمرت أكثر من نصف قرن، رحل الفنان المبدع علي مُهيب يوم 26 سبتمبر 2010 إلى دار البقاء..
عزيزة بزامي
(1) . عرفت مصر الرسوم المتحركة منذ سنوات طويلة، كانت المحاولة الأولى للراحل أنطوان سليم، بعدها بدأت تجارب الأخوين حسام وعلي مهيب قبل افتتاح التليفزيون بأربعين سنة، في هذه الفترة بدأت التجربة الحقيقية لفن الرسوم المتحركة بمصر، والتي أثمرت فيلما وحيدا، وعشرات الإعلانات ومقدمات الأفلام الروائية..