تبدل كل شيء في عالمنا اليوم، وأصبح الجميع من مختلف المشارب البحثية والعلمية يتحدث عن الطفرة الجديدة التي ولج رحابها إنسان الألفية الثالثة، والتي أضحت تحت مسميات عدة وعناوين متنوعة، تجمع كلها على أن رؤية عالم جديدة قد تخلقت وتشكلت.
فإذا كان التواصل خصيصة لصيقة بالإنسان، باعتباره الكائن الذي أبان عن كفاية ومقدرة عالية تستطيع محاورة الوجود بمختلف تجلياته الحية والجامدة والساكنة والمتحركة، والسابقة واللاحقة، من خلال ذكائه الذي يراكم الخبرات، ويستطيع التنبؤ والاستشراف. فإنه قد بلغ اليوم بالإنسان إلى مناطق جديدة لم تطأها قط قدم من شغف ببسط سلطانه على الأرض ، حيث كانت تتنافس الأمم السالفة وتتسابق على إحراز أكبر جزء من الأرض تتفاخر به، عنوانا على القوة والمجد.
لقد اكتشف الإنسان الجديد قارة جديدة بفضل التقدم التكنولوجي وتسارع وتيرة التطور في جميع المجالات ذات الصلة بهذه الجوانب، من إعلاميات، وذكاء اصطناعي، وغيرها من العلوم والصنائع والمهارات، التي ولدت عالما رقميا له شبكاته العلائقية والاتصالية، والتي انمحت معها الحدود، وتقلصت المسافات، وتبدلت مفاهيم السيادة، حيث أصبح اليوم الحديث عن المواطن العالمي أو الكوني الذي يجوب الكون ويتفاعل مع مكوناته بشكل سريع.
لقد عرفت مفاهيم الزمان والمكان وتمثلات العالم تغيرات تكاد تصل إلى مستوى الجذرية التي تقطع مع كل ما مضى وسلف واستقر من أنظار، أنظار كانت بطبيعة الحال مشروطة بواقعها الذي أنتجها. فهذه القارة الجديدة أو السادسة كما بات متداولا اليوم في أدبيات توصيف مقتضيات العالم الرقمي الجديد، هي نتاج تزحزحِ قارات جديد تم في العالم الافتراضي، والذي أصبح يضاهي في وجوده وسلطانه العالم الواقعي، إذ يمكن الحديث عن ثقافة الطي بدل النشر، فإذا كان الواقع متناثرا متباعدا مختلفا، فإن هذه الأوصاف كلها تصير في منظومة العالم الافتراضي شأنا آخر، بل إن المعايير نفسها تعرف زلزالا يعيد ترتيب أولوياتها ويسائل جدواها.
فالعالم مطوي زمانا ومكانا وأشخاصا، ويستطيع الجميع الاتصال والتواصل والتعارف والتفاعل من خلاله، مما أدى إلى ظهور تجمعات وانتماءات تتقاسم نفس الآمال والآلام أو الأحلام والطموحات، وتستطيع التعبير عن نفسها بحرية، فالكون طوع بنان الإنسان من خلال اللغة الرقمية الجديدة.