ب ـ التكليف:
يبرز الإنسان في منظومة الإسلام الاعتقادية والتصورية، باعتباره الجسر الكوني المؤهَّل، الذي تعبر منه القيم، والأخلاق، والتشريعات الحاملة لمراد الله التكليفي من الإنسان تجاه نفسه ومحيطه الكوني، إلى البعدين الزماني والمكاني، لتصبح جزءا من التاريخ والحياة، ويبرز التكليف الملقى على عاتق هذا المخلوق (الأمانة) (إنا عرضنا الأمانة على السموات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها وأشفقن منها وحملها الإنسان إنه كان ظلوما جهولا) [الأحزاب 72 ]. باعتباره تكليفا لا يعرف حصرا ولا حدودا، إذ الكون كله في هذه المنظومة مسرح لفعل الإنسان وعتاد له. فالنوع الإنساني كله موضوع فعله الأخلاقي، كما الكون كله.
وتبرز مقومات القيام بالواجب في هذه المنظومة الاعتقادية والتصورية من خلال:
- 1. تزويد الإنسان بالعقل وجعله مناط التكليف (والله أخرجكم من بطون أمهاتكم لا تعلمون شيئا وجعل لكم السمع والأبصار والأفئدة لعلكم تشكرون) [النحل 78].
- 2. المواءمة بين الإنسان والكون من جهة «التسخير»(وسخر لكم ما في السموات وما في الأرض جميعا منه) [الجاثية 13]، وبين الإنسان والوحي من جهة ثانية «التيسير» (ولقد يسرنا القرءان للذكر فهل من مدكر) [القمر 40].
- 3. قصدية الخلق(وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون ما أريد منهم من رزق وما أريد أن يطعمون. إن الله هو الرزاق ذو القوة المتين) [الذاريات 56-58].
- 4. بنائية الشرع والعقيدة ووحدتهما ومفهوميتهما، فمقاصدُهما، وأوامرهما، ونواهيهما واضحة قابلة للتعقل، ومتكاملة تحرر تماسكا يُمكِّن من تحديد الأولويات وتبَيُّن مراتب الأعمال.
ويعتبر تكليف الإنسان بتزكية نفسه(قد أفلح من زكاها وقد خاب من دساها)[الشمس9-10] إفادة بالتأسي ممن تم تكليفه بريادة هذا الفعل عمرانيا(هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُوا مِن قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ) [الجمعة 2]
ـ يعتبر هذا التكليف ـ رافعة عملية تستند على الواجب إزاء الحق، لتمكين الإنسان فردا واجتماعا من ضمان الحقوق والاسترواح في ظلها؛ لأن التزكية بهذا المقترب القرآني ذات حمولة وظيفية وليست فقط استيطيقية.