صور الأقمار الصناعية تكشف عن ثغرات في البيانات السكانية العالمية

الرئيسية » علم وحضارة » صور الأقمار الصناعية تكشف عن ثغرات في البيانات السكانية العالمية

صور الأقمار الصناعية تكشف عن ثغرات في البيانات السكانية العالمية

لن يضطر المسؤولون في قطاع الصحة في نيجيريا إلى الاعتماد على بيانات التعداد السكاني المغلوطة – التي تعود إلى عقود مضت – عند الإعداد لإطلاق حملات تطعيم ضد الحصبة في العام القادم. وبدلًا من ذلك،. ستتاح لهم خريطة سكانية، تُعَدّ هي الأكثر تفصيلًا، والأحدث على الإطلاق، التي يتم إعدادها لدولة نامية. إن الخريطة التي أنتجتها مؤسسة “بيل وميليندا جيتس” في سياتل في واشنطن، ثم سلمتها للمسؤولين النيجيريين في الأول من مايو الماضي، مبنية على تحليل دقيق للمباني في صور التقطتها الأقمار الصناعية، وما يزيد على ألفي عملية مسح للأحياء السكانية على الأرض.

يُعَدّ هذا المشروع أحد المشروعات العديدة التي تستغل بيانات الاستشعار عن بُعْد، وخوارزميات التعلُّم الحاسوبي الحديثة؛ لرسم خرائط للتجمعات السكنية البشرية حول العالم، بدقة غير مسبوقة. ويأمل الباحثون أن تساعد هذه البيانات على زيادة كفاءة إدارة الصحة العامة، والبنية التحتية، والموارد الطبيعية، وعلى تحسين التخطيط لحالات الطوارئ. وينطبق ذلك تحديدًا على الدول النامية، حيث تشتهر تقديرات التعداد السكاني بها بعدم الموثوقية، وبالقِدَم.

يقول بودهندرا بادوري، رئيس معهد الديناميكيات الحضرية في “مختبر أوك ريدج الوطني” في تينيسي، وأحد المساهمين في مشروع مؤسسة جيتس: “إذا كنتَ لا تملك معلومات حول أعداد الناس وأماكنهم؛ فلن يكون لديك أي نوع من الخطط الممنهجة والمنظمة لتغيير حياتهم”.

ظلَّ الباحثون لعقدين من الزمن يرسون الأسس اللازمة لإنتاج هذه الخرائط المتطورة. وبدأ “مختبر أوك ريدج” في استخدام صور الأقمار الصناعية في أواخر تسعينيات القرن الماضي؛ لتحسين دقة تقديرات التعداد السكاني. وفي غضون بضعة أعوام، أصبح يصدر خرائط نهارية، وأخرى ليلية، تُظْهِر الأماكن التي يعيش ويعمل بها الناس في الولايات المتحدة، لكن تَطَوُّر الخوارزميات، وزيادة القدرة الحاسوبية أتاحا تطبيق هذا النهج عالميًّا في السنوات العديدة الأخيرة.

يقول مارتينو بيساريسي، خبير الاستشعار عن بُعْد بمركز البحوث المشترك، التابع للمفوضية الأوروبية، في إسبرا بإيطاليا: “كانت البيانات متاحة دائمًا، ولكنْ لم يتمكن أحد من معالجتها”. وفي عام 2014، استخدم فريق بيساريسي نظامًا آليًّا لرسم خرائط للتجمعات السكانية في جميع أنحاء العالم، باستخدام صور التقطتها الأقمار الصناعية الأمريكية “لاندسات” Landsat. ومنذ ذلك الحين، حلل الفريق صورًا مختارة، تعود إلى عام 1975، كما ينشر تحديثًا سنويًّا بدقة 10 أمتار، باستخدام بيانات بصرية ورادارية من أقمار “سينتينل” Sentinel الصناعية الأوروبية.

شاركت شركة “فيسبوك” أيضًا في هذه الجهود الحثيثة لرسم الخرائط، بعد أن أعلنت في عام 2014 عن خطط لتوسيع نطاق الوصول إلى شبكة الإنترنت في جميع أنحاء العالم باستخدام طائرات دون طيَّار، وأقمار صناعية. فقد اشترى عملاق شبكات التواصل الاجتماعي هذا صورًا تجارية بدقة نصف متر، التقطتها أقمار صناعية لثلاثين دولة، وطوَّرَ خوارزمية للتعرف على الهياكل التي بناها البشر، وذلك قبل المشارَكة التي دخلت فيها “فيسبوك” مع جامعة كولومبيا في مدينة نيويورك، لإعادة كتابة بيانات التعداد السكاني. أصدرت جامعة كولومبيا خرائط سكانية لثمان من تلك دول، كما تخطط لإنهاء الخرائط الباقية خلال بضعة أشهر.

ويقول جريج يتمان، المدير المساعد لقسم التطبيقات الجغرافية المكانية بمركز شبكة المعلومات الدولية لعلوم الأرض، التابع لجامعة كولومبيا: “إن خوارزمية “فيسبوك” تجد ما يبحثون عنه بالفعل، وهو سكان المناطق الريفية”. كما يقول إن إحدى فوائد هذا النهج هي أنه لا يستلزم إجراء عمليات مسح على الأرض، كتلك التي تجريها مؤسسة “جيتس”.

بدأت مؤسسة “جيتس” مشروعها لرسم الخرائط بعد تعرضها لمشكلات في أثناء توزيع لقاح شلل الأطفال في نيجيريا، إذ كانت ملايين من الجرعات تُرسل إلى أماكن لم تكن بحاجة إليها، ثم تختفي، بينما عانت مناطق أخرى من نقص اللقاحات. ومن ثم، شكلت المؤسسة فريقًا، ضمّ باحثين من أوك ريدج، وجامعة ساوثامبتون في المملكة المتحدة، وذلك في عام 2013، لإنتاج أول خرائط شديدة الوضوح للولايات الشمالية في نيجيريا. وقد انتهوا منها في عام 2015، وكان من المقرر أن ينشر الفريق أولى خرائطه الشاملة للدولة بأكملها في شهر يونيو الحالي.

يقول فينس سيمان – عالم الأوبئة، ونائب المدير المؤقت لقسم البيانات والتحليلات للتنمية العالمية بمؤسسة “جيتس” – إن الخريطة تُظْهِر قرى لم تكن مدرَجة بأحدث تعداد سكاني لنيجيريا، أُجري في عام 2006، كما تُظْهِر أن مناطق حضرية كثيرة بها أعداد سكانية أكبر مما أشارت إليه بيانات التعداد. ويضيف قائلًا: “يمكن لذلك أن يغيِّر شكل القصة بأكملها. ففيما يتعلق بجميع التطعيمات بمختلف أنواعها في نيجيريا، قد يوفر هذا الأمر مليار دولار أمريكي في غضون بضعة أعوام”.

إنّ ما يميز مشروع المؤسسة عن غيره هو كيفية توزيع الناس على الخريطة. فبدلًا من الاعتماد على بيانات التعداد السكاني، استخدم الباحثون في “أوك ريدج” خوارزميات حاسوبية لتحديد أنواع مختلفة من الأحياء السكانية، حيث تشير شبكات الشوارع النظيفة والمنظمة، والبنايات الضخمة – غالبًا – إلى أن هذه المناطق أكثر ثراءً، بينما يمكن لكتل الخطوط غير المنظمة أن تعَبِّر عن الأحياء الفقيرة والمساكن العشوائية (انظر: “تصوير السكان“). وقد استخدم باحثون من جامعة ساوثامبتون هذه البيانات بعد ذلك لتصميم استقصاءات أُسَرية سكانية لكل نوع من هذه التجمعات، واستُخدِمَت النتائج لحساب الكثافات السكانية.

صور الأقمار الصناعية تكشف عن ثغرات في البيانات السكانية العالمية

يقول سيمان إن تكلفة هذا الإجراء تتراوح بين مليون ومليوني دولار أمريكي للدولة الواحدة، من أجل تكراره في أي مكان آخر. كما تعمل مؤسسة “جيتس” حاليًّا مع وزارة التنمية الدولية بالمملكة المتحدة لتوسيع مشروعها لرسم الخرائط، ليشمل إثيوبيا، وجمهورية الكونغو الديمُقراطية.

ويقول أيضًا إن الهدف من الآن فصاعدًا لا بد أن يكون مساعدة الدول النامية على جمْع بيانات التعداد السكاني بالرجوع إلى الموقع الجغرافي؛ لالتقاط صور حقيقية للأعداد. وتخطِّط إثيوبيا للقيام بهذا الأمر في وقت لاحق من العام الحالي، وستَتبَعها نيجيريا في عام 2018. كما يأمل سيمان أن يدعم مشروع مؤسسة “جيتس” لإعداد الخرائط هذه الجهود، التي – في حال نجاحها – “ستجعل بياناتنا غير ذات جدوى”، كما يقول.

nature arabic

شارك:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *