صرخة المورو

الرئيسية » الأعمدة » أوراق » صرخة المورو

مثلما شغل أبو عبد الله الصغير، آخر سلاطين غرناطة، العرب قديما وحديثا، شغل الإسبان بالقدر نفسه، فالرجل يقف على جسر بين العرب والإسبان. وبينما يشكل بالنسبة إلى العرب والمسلمين رمزا لوجودهم في أقاصي أوربا، يشكل بالنسبة إلى الإسبان رمزا لآخر احتلال عربي في الجزيرة الإيبيرية، وفي كلا الحالتين يمثل رمزا لماض تفرقت حوله وجهات النظر. لكن في الوقت الذي ينظر إليه العرب كبطل للخيانة، بسبب تسليمه مفاتيح غرناطة للملكين الكاثوليكيين فرديناند وإيزابيلا، ينظر إليه بعض الإسبان كضحية لهذه الخيانة لا كمسؤول عنها، لأن الملكية في إسبانيا لم تحترم شروط المعاهدة التي أبرمت بينها وبين آخر من تبقى من العرب والمسلمين في المدينة.

من بين أقدم الشعراء الإسبان الذين تغنوا بأبي عبد الله الصغير، ومأساته التاريخية الكبرى، بيدرو أنطونيو دي ألاركون. ولد ألاركون في غرناطة عام 1833 ومات في مدريد عام 1891. وفي غرناطة فتح عينيه على الآثار الباقية للعرب هناك، وعلى حكايات أبي عبد الله الصغير التي دخلت المخيال الشعبي الإسباني بشتى الأشكال، بما فيها الشكل الكاريكاتوري الذي يحاول أن يسخر من الرجل ويحوله إلى دمية بين أيدي الملكين الإسبانيين. وخلال رحلته الأدبية أنشأ ألاركون، إلى جانب آخرين، حركة أدبية وفنية سميت بـ”العادات الأندلسية” كانت تركز على استعادة العادات التي كانت سائدة في الأندلس العربية، باعتبارها جزءا من التاريخ الإسباني الذي لا يمكن التنكر له.

وقد كتب ألاركون قصيدة مطولة تحت عنوان “صرخة العربي” أو “صرخة المورو”، تغنى فيها بآخر ملوك غرناطة، متحسرا على المصير الذي لقيه في آخر حياته، قال فيها:

عندما نظر أبو عبد الله الحزين

إلى أسفل كان هو، كانت حياته وروعته

ومنذ ذاك الوقت لم تتم رؤيته

أبدا، أبدا

لكن عندما نفكر فيه

يكون الألم أكبر، واحتضاره وحشيا

ومن عينيه تخرج صرخة البكاء

وبنبرة جنائزية ومتأوهة

يصدر آهة تصل إلى جماعته…

ثم يقول ألاركون متحسرا على مأساة الملك الصغير الذي تنكرت له حتى حاشيته في السنوات الأخيرة قبل سقوط غرناطة:

من كان؟ هل كان سيموت؟

لماذا كل تلك القسوة؟

لماذا لم يكن هناك أي صوت للرحمة أو الأمل؟…

لكن الشاعر الإسباني لا يعتبر ما حصل لأبي عبد الله مأساة شخصية، بل يسحبها على أسرته النصرية الحاكمة بأسرها، ثم على بني جنسه أجمع، قائلا: “يا لسوء حظ نسل الملوك العرب”.

وهناك شاعر إسباني آخر، معاصر هذه المرة، تغنى بمحنة أبي عبد الله الصغير في أشعاره. إنه أنطونيو غارسيا فاركاس، الذي كتب قصيدة بعنوان “بوأبديل”، حيث يستعيد فيها معارك الملك الصغير مع خصومه السياسيين، مثل عمه الزغل الذي نافسه على الحكم وشن عليه حربا ضروسا، انتهت بتفكيك المجتمع الغرناطي مما سهل مهمة المسيحيين. يقول فاركاس مخاطبا أبا عبد الله:

لم تكن استراتيجيا ولا شاعرا فحلا

ولا رجلا على حدة في مجال المعرفة

أيها الملك الصغير

يا أبا عبد الله الذي أطيح به

أيها الملك الصغير الحميم الكبير

في قصر الحمراء الذي يشرئب إلى الهواء

لقد سلمت غرناطة بكبرياء جميل

دون أي إزعاج

ودون قطرة دم.

شارك:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *