شخصـــية العصـــر الرقمـــي!

الرئيسية » إعلام ورقميات » شخصـــية العصـــر الرقمـــي!

شخصـــية العصـــر الرقمـــي

مرحبًا بكم في القرن الواحد والعشرين…في السابق اعتدنا أن نرى أطفالا ودارسين يحملون كتبهم ودفاترهم الدراسية التي يحضرون بها دروسهم ومحاضراتهم، أو يؤدون فيها واجباتهم المنزلية. لقد ولت هذه الأيام وأصبحت تلك الوظائف متاحة من خلال المواقع الإلكترونية للمدارس والجامعات والمصممة خصيصًا لهذه الأغراض حيث يضع المدرس الواجب المدرسي على الموقع المخصص لذلك ليذهب ويأخذه الطالب على جهازه الشخصي المتصل بالإنترنت، ثم يؤديه ويضعه مرة أخرى إلى نفس الموقع.

 مر الجنس البشري بالعديد من العصور عبر التاريخ… عصر حجري ما قبل التاريخ…استخدام الأدوات الحجرية لأول مرة في صنع الأدوات والأسلحة وأنظمة الدفاع…يقول العلماء إنه استمر حوالي 2.5 مليون سنة وانتهى بالتعرف على المعادن…وعصر برونزي حيث ظهرت الفلزات وصهر المعادن…بدأ حوالي 3000 عام قبل الميلاد في الشرق الأدنى ثم تعرفت عليه أوروبا بعد قرنين…تعلم البشر كيف يصهرون أملاح النحاس مع الفحم النباتي لصنع البرونز، ثم إعادة تشكيل البرونز لصنع الأدوات والأسلحة…يا له من تطور مذهل!! وعصر حديدي حيث استعمال الحديد في صناعة الأدوات والأسلحة…بدأ في القرن 12 قبل الميلاد، واستمر حتى ظهور السجلات المكتوبة…رأينا جرار وسيوف وزخارف شخصية على كل أنواعها مع المزيد من الزينة والزخرفة عما كانت خلال العصور السابقة وذلك بسبب المهارات الجديدة عند عمال صهر المعادن…قامت عليها حضارات عظيمة وإمبراطوريات شاسعة مثل الإغريق والرومان بفضل التكنولوجيا الجديدة ووجود أبرز علماء العالم في بلدانهم…وعصر جيري، وعصر جليدي، وعصور أخرى عديدة يختلف العلماء في تسميتها، ومدتها.

ثم جاءت الكهرباء والثورة الصناعية لتغير ملامح كل شيء وتنطلق بالجنس البشري آلاف الأميال في التاريخ بسرعة فائقة لم يسبق لها مثيل…ليحقق الإنسان في شهور معدودة ما عجز عن تحقيقه في عشرات السنوات…ثم عصر الكمبيوتر وغزو الفضاء والتحكم عن بعد والإنترنت….لنصل في النهاية إلى ما قد يطلق عليه العلماء يومًا ما “العصر الرقمي.”

أهلا بكم في العصر الرقمي…حيث يحمل الأطفال أجهزة تعمل باللمس في غرف الانتظار في العيادات والمطاعم…مجرد أجهزة يلجأ الأهل إليها لإشغال الطفل وتسليته…

لكني أعتقد أن الأجهزة المحمولة قد غيرت الكثير من الطباع وبشكل سلبي في أغلب الأحيان…بات من المألوف أن ترى أطفالا ينتظرون زملائهم خارج المدرسة وقت المغادرة…واقفين الكتف بالكتف…لكنهم لا يتحدثون مع بعضهم أو مع غيرهم لأن كل واحد منهم منغمس في الجهاز المحمول الذي لديه ولا يتحرك فيه سوى عيناه وإبهامه…احضر أي اجتماع وراقب تصرفات الحاضرين حين تأتي فترة الراحة…الكل يتصرف بنفس الطريقة…يهرول إلى هاتفه المحمول ولا يعبأ بما يدور حوله.

أعلم أن البعض يكون مضطرًا لاستقبال أو ارسال بعض الرسائل بشكل فوري نظرًا لطبيعة عمله…ولكن كيف نفسر انشغال الكبير والصغير بجهازه المحمول كوسيلة للهروب من التحدث مع الآخرين!!

ومن المضحك أنك حينما تزور مريضًا في المستشفى، قد تجد هواتف نقالة وآي باد ولاب توب وسماعات أذن…لكن لا احد يتحدث مع المريض!!

وإذا ذهبت إلى أحد المطاعم…فلابد أنك سترى مشهدًا كهذا…وربما عدة مرات في نفس المطعم…وربما في يوم الفالنتاين:

أدمن الناس الأجهزة المحمولة – وأنا منهم – وأتساءل: متى نضع الأجهزة المحمولة جانبًا…ونتحدث مع من حولنا؟؟ متى نتوقف عن الشات ونحن نتناول الطعام؟؟ متى ندرك أن النوم أهم من واتس آب وفيسبوك وتويتر والآي باد؟؟

بعض الدراسات الحديثة تقول إن 63% من متناولي الطعام يتركون الطعام ويلهون مع أجهزتهم المحمولة!!

 رسائل في المصعد في طريقنا للسيارة أسفل المنزل…ورسائل داخل السيارة أثناء القيادة…ورسائل في المصعد قبل الدخول لمكان العمل…ورسائل أمام شاشة الكمبيوتر أثناء العمل… ورسائل عند مغادرة العمل…ورسائل على مائدة الطعام…ورسائل على فراش النوم…أما الرسائل أثناء القيادة فهي الأخطر على الاطلاق حيث تقول الدراسات إن ردود أفعال قائدي السيارات المشغولين بالرسائل أبطء بكثير جدًا على الطريق من قائدي السيارات المخمورين.

أتفق أن الرسائل القصيرة لها ميزة كبيرة إذا كانت بالفعل قصيرة وتؤدي الغرض…مثلا تقول لشخص بانتظارك “لا تغادر، فأنا قادم إليك”…ولكن لابد ألا تسيطر على طريقة تعاملنا مع بعضنا وتصبح نمطًا للحياة…قديمًا كنت أهنيء أبي وأمي بالعيد – مثلا – وجهًا لوجه واستخدم العديد من الكلمات…اليوم أهنئهم بهذه الطريقة: “هاي، كل سنة وانت طيب…توك 2 يو لايتر”…أو أن يكتب الطالب “Geo…A…gr8″ إذا أراد أن يخبر والدته أنه اجتاز اختبار الجغرافيا!!!

أتذكر حينما كنت أحجز في السينما كنت أتحدث مع طابور طويل من البشر ينتظرون معي…نتعارف ونمزح حتى يأتي دورنا في الطابور…أما اليوم فالطابور موجود…لكن الواقفين مشغولون مع فيسبوك وتويتر وواتس آب ولا ينظر أحدهم للآخر!!

أهلا بك في العصر الرقمي…أعتقد أن أولياء الأمور يواجهون تحديات كبيرة هذه الأيام…حيث عليهم أن يضربوا مثالا جيدًا لأولادهم في استخدام التكنولوجيا…ويرفعون وعيهم بأهمية التحدث والحوار والاتصال بالآخرين وجهًا لوجه…وليس فقط من خلال إس إم إس.

في العصر الرقمي…الآلاف من وسائل الاتصال…مع غياب المتصلين….ربما سيخترع العالم يومًا وسيلة تساعد الناس على التحدث مع بعضهم…والسؤال هل يتحول العالم من مدينة كبيرة غير متصلة….إلى قرية صغيرة غير متصلة؟؟؟

لكن، ما السبب في ذلك؟ في الأيام الأولى لظهور الهواتف المحمولة كان الهاتف المحمول أشبه ما يكون بمعدات الاتصال الفضائي كبيرة الحجم… أقرب في حجمه من حجم قالب الطوب…حيث أعتقد أن كل مستخدم اضطر إلى شراء معطف خاص ليحمل فيه جهازه المحمول…أما اليوم فقد صغر حجمه، وخف وزنه، وزادت تطبيقاته…فيما تسمى “الهواتف الذكية.”

 وقد تفتق ذهني عن حلين – كل منهما سيجلب اللعنات على شركات ومطوري الهواتف النقالة – وهما: أن نرجع إلى الهواتف النقالة بحجمها الكبير لمنع المستخدمين من الافراط في استخدامها…حيث لن يقدر على استخدامها كثيرًا إلا رافعي الأثقال!!!! أو أن نطلب من شركات الهواتف أن تبالغ في تصغير حجم الشاشة بحيث لا نقدر على قراءة وارسال الرسائل!!! يا للهول!!!

وائل يوسفديجتال قطر

شارك:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *