رقاقة المستقبل تعزز وجودها في سوق معالجات الذكاء الاصطناعي

الرئيسية » إعلام ورقميات » رقاقة المستقبل تعزز وجودها في سوق معالجات الذكاء الاصطناعي

رقاقة المستقبل تعزز وجودها في سوق معالجات الذكاء الاصطناعي

في أبريل/ نيسان 1993، تأسست شركة الرقائق الإلكترونية (Nvidia) على أيدي 3 مهندسين هم: كريس مالاتشوسكي، وكورتيس بريم، والرئيس التنفيذي الحالي جين-سون هوانغ، فأضفت عبر منتجاتها في سوق الرسومات البيانية الأسرع والأكثر واقعية، اكتشافاً لعالم الحوسبة في مطلع القرن الحادي والعشرين، كما فعلت (Intel) تماماً في تسعينات القرن العشرين.

يقول كريس مالاتشوسكي: “لم تتوافر السوق التي نريدها في عام 1993، لكننا انتظرناها بفارغ الصبر”. وبالفعل، تمثلت للشركاء سوق ناشئة لوحدات معالجة الرسومات البيانية أو (GPUs) لاحقاً. وتباع هذه الرقاقات غالباً على شكل  بطاقات يدخلها هواة ألعاب الفيديو في الحاسوب الشخصي، لتشغيل رسومات بيانية ثلاثية الأبعاد فائقة السرعة، وأكثر دقة بمرات عدة من الصور التي تنتجها أجهزة ألعاب الفيديو المنتشرة على نطاق واسع، مثل: (PlayStation 4) و(Xbox One).

فيما تصل كلفة هذه البطاقات التي تسوق بأسماء تجارية معروفة مثل: (Titan X) أو (GeForce GTX 1080) إلى 1,200 دولار، ولا تزال بعد مرور عقدين من الزمن، تحقق أكثر من نصف إيرادات (Nvidia)وقدرها 5 مليارات دولار.

وبالرغم من الرواج المدهش لألعاب أجهزة الحاسوب الشخصية، نمت المبيعات في الشركة بنسبة %63 في ربعها الثالث الأخير مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي، بالرغم من تباطؤ سوق أجهزة الحاسوب عموماً. وليست ألعاب الفيديو هي السبب في تهافت (Wall Street)  على الشركة، بل مزايا الذكاء الاصطناعي التي تتميز بها منتجاتها. إذ تبين أن التقنية التي تستطيع إنتاج مشهد غريب وساحر، أو رسم صورة مثالية لانفجار ما، مناسبة جداً لأحدث مجالات الذكاء الاصطناعي، وهو “التعلم المعمق” الذي يتيح للحاسوب خاصية التعلم الذاتي، من دون مبرمجين لكتابة الرموز يدوياً. كما ينتج مستويات لا نظير لها من الدقة في مجال التعرف إلى الشخص من صورته أو نبرة صوته.

في حين يشتري عمالقة التكنولوجيا، مثل (Google) و(Microsoft)و(Facebook) و(Amazon) كميات أكبر من أي وقت مضى من رقائق(Nvidia) لمراكز البيانات التابعة لها. وتستخدم مؤسسات مثل: (Massachusetts General Hospital)  هذه الرقائق للكشف عن التشوهات الخلقية في التصوير الطبقي المحوري. كذلك شركة (Tesla) التي أعلنت مؤخراً أنها ستدمج وحدات معالجة الرسومات التي تنتجها الشركة في جميع سياراتها لتمكين القيادة المستقلة. يقول هوانغ من مقر الشركة بسانتا كلارا، كاليفورنيا: “لم يسبق لنا أن كنا بهذه الأهمية في الأسواق الكبيرة. ويمكن تفسير ذلك بأننا نفعل شيئاً واحداً ببراعة فائقة: حوسبة وحدة معالجة الرسومات“.

هناك نحو 3 آلاف شركة ناشئة للذكاء الاصطناعي في جميع أنحاء العالم، تعتمد معظمها على منصة (Nvidia) لإدخال الذكاء الاصطناعي إلى تطبيقاتها في مجالات عديدة، كتداول الأسهم والتسوق الإلكتروني والطائرات المسيرة. حتى إن هناك مؤسسة تدعى(June)  تستخدم هذه الرقائق لتشغيل أفرانها الذكية.

يقول مارك آندرسن من شركة رأس المال الاستثماري (Andreessen Horowitz): “لقد استثمرنا في الكثير من الشركات الناشئة، واعتمدنا مفهوم “التعلم المعمق” في كثير من المجالات، من خلال منصة (Nvidia) التي تشبه نظام التشغيل (Windows) من حيث الاعتماد الكلي على استخدمها في تسعينيات القرن الماضي”. ويضيف: “حين نتساءل في شركتنا عن الشركات العامة التي نرغب بالاستثمار فيها لو كنا صندوق تحوط، فنجد أننا جميعاً نريد استثمار أموالنا كلها في (Nvidia)”.

إن هيمنة الشركة على قطاع وحدة معالجة الرسومات بحصة تزيد على %70 وتوسعها في الأسواق الجديدة، ضاعف قيمة سهمها خلال 12 شهراً إلى نحو %200 وخلال السنوات الـ5 الماضية لأكثر من %550. وبهذا فإن قيمتها السوقية التي تقدر بـ50 مليار دولار، وتضاعف ربحية سهمها لأكثر من 40 مرة، يجعلها الأعلى نمواً في هذا القطاع. كما حقق أداء الشركة لهوانغ ثروة بلغت 2.4 مليار دولار (شريكه المؤسس مالاتشوسكي شبه متقاعد، والمؤسس الثالث بريام غادر الشركة في عام 2003).

إن تنامي قيمة الأسهم بهذه السرعة، من الأسباب التي جعلت الشركة في مقدمة قطاع أشباه الموصلات، ضمن قائمة أفضل الشركات الأميركية في المواطنة (Just 100) التي حددت معاييرها بالتعاون مع (Just Capital) الشركة التي أسسها الملياردير ومستثمر صناديق التحوط، بول تودور جونز الثاني.

وهي نتاج تقييم 50 ألف أمريكي لحوالي ألف شركة عامة، بناء على كيفية تعاملها مع موظفيها وعملائها ومساهميها. ومن بين المعايير الـ10 في ذلك التصنيف، كان أداء (Nvidia) أعلى من المتوسط في أجور العاملين ومزاياهم، وسمات المنتج، والأثر البيئي.

 كما أن سياستها الودية مع موظفيها– التي تشتمل على الإجازات وساعات العمل المرنة وبرامج علاج الإجهاد- منحت (Nvidia) تقييماً أفضل من نظيراتها في (Glassdoor) وهو موقع لتقييم أماكن العمل من دون الإفصاح عن الاسم، يفضله التقنيون المتنقلون بين الوظائف في وادي السيليكون.

كذلك اشتهرت الشركة ببرامجها لزيادة أعداد النساء والأقليات في المناصب الهندسية الأساسية. يقول هوانغ: “إنني أفكر في الشركة كأنها شخص أو كائن. الثقافة هي الشيفرة الجينية أو النظام التشغيلي للشركة. وإذا كان هناك شيء قد تعلمته حول الأمور المتعلقة بتأسيس الشركات، فهو أن الثقافة أهم شيء فيها“.

لقد عرف الرئيس التنفيذي أن رقائق الرسومات لها إمكانات أكبر من مجرد تشغيل أحدث ألعاب الفيديو، كتقنيات التعلم المعمق التي يشار إليها عادة بالشبكات العصبية، وهي مستوحاة من الطريقة التي يعمل بها الدماغ مع الخلايا العصبية. فأجريت عليها البحوث في الأوساط الأكاديمية منذ الستينات، وحققت تقدماً كبيراً في الثمانينات والتسعينات. لكن كان هناك عاملان منعا نجاحها: كمية البيانات اللازمة للخوارزميات، وإمكانية الوصول إلى قدرة حاسوبية رخيصة. ثم حل الإنترنت المشكلة الأولى، وأصبحت كمية البيانات غير محدودة وفي متناول الجميع، لكن القدرة الحاسوبية المطلوبة ظلت بعيدة المنال.

وبدءاً من عام 2006، أصدرت الشركة مجموعة أدوات برمجية تسمى(CUDA) سهلت برمجة كل “بكسل” على الشاشة. وجعلت بعد سنوات من تطويرها، برمجة وحدات معالجة الرسومات سهلة بمقدار سهولة لغات البرمجة عالية المستوى مثل (جافا) أو(C ++) كما تمكن العلماء من تطوير نماذج التعلم المعمق على نحو أسرع بكثير وبأسعار أرخص.

 يوضح هوانغ: “التعلم المعمق مثل الدماغ تقريباً؛ إنه فعال بشكل مدهش ويمكنك استعماله لفعل أي شيء تقريباً. لكن كان ما يشكل عائقاً كبيراً، أنه يتطلب كمية هائلة من العمليات الحسابية. وهذا ما توصلنا إلى حله مع وحدة معالجة الرسومات: نموذج الحوسبة المثالي للتعلم المعمق”. وفي الوقت الذي بدأت فيه (Google) استخدام (Google Brain) عام 2012، قدم أليكس كريزيفسكي، طالب الدكتوراه في جامعة تورنتو آنذاك، بعض البحوث المذهلة إلى مسابقة (Image Net) التي تشارك فيها الفرق من جميع أنحاء العالم، لمعرفة مدى دقة البرامج الحاسوبية في التعرف إلى الأشياء والمشاهد في الصور. لقد أوصل كريزيفسكي 1.2 مليون صورة بشبكة عصبية للتعلم المعمق، تشغلها بطاقتا ألعاب (GeForce) من (Nvidia). فكان هذا نموذجه الدقيق للتعرف إلى الصور بشكل لم يسبق له مثيل، مع نسبة خطأ %15 فقط -وهي نسبة رائعة مقارنة بمعدل الخطأ في العام الذي سبقه بمقدار %25. إن هذا الأمر لم يمكن كريزيفسكي من الفوز في المسابقة وحسب، بل مكنه من تحقيق نجاح باهر في الأوساط الأكاديمية أيضاً.

ومع ظهور مثل هذه النتائج، انطلقت مشاريع بحثية حديثة في هذا المجال لدى: (Microsoft) و(Facebook)  و(Amazon).  فكان قرار(Nvidia) للاستثمار بشكل كبير في منظومة البرنامج الأساسية من خلال(CUDA) محفزاً رئيساً في هذا التحول. يقول ايان باك، الذي أشرف على تطوير (CUDA) في (Nvidia): “لقد كان استثماراً كبيراً لسنوات عدة”. كما طورت الشركة جهازها الخاص للتعلم المعمق، فقد أخذت أحدث رقاقاتها الخاصة بالخوادم (Tesla P100) ووضعت 8 منها في (DGX-1)صندوق مستطيل بطول3  أقدام وسماكة 5 بوصات تصفه بأول حاسوب فائق القدرة للذكاء الاصطناعي في العالم. وتوفر الآلة التي كلفتها 130 ألف دولار، أداء بقوة 170 تيرافلوب، أي بقوة 250 خادم تقليدي.

كانت روح المنافسة لدى هوانغ واضحة منذ سنوات عمره الأولى. ولد في تايوان عام 1963، وتعلق منذ صغره بأجهزة الحاسوب في المدرسة الثانوية. وبعد دراسته علم الحاسوب وتصميم الرقاقات في جامعة ولاية أوريغون، عمل في تصميم رقائق المعالجة لدى (AMD) منافسة (Intel).

ثم أكمل تعليمه، وحصل على ماجستير الهندسة الكهربائية من جامعة ستانفورد عام 1992. والتقى أثناء عمله في وظيفته التالية لدى صانعة الرقاقات (LSI Corp.) بكريس مالاتشوسكي وكورتيس بريم اللذين عملا في (Sun Microsystems). فكروا حينها بتأسيس شركة لصناعة الرقاقات، ووجدوا فرصة كبيرة لتطوير الرسومات البيانية البدائية المتوافرة في أجهزة الحاسوب الشخصية.

وفي عام 1995، أطلقت رقاقة (Nvidia) الأولى (NV1) التي بلغت كلفة تطويرها 10 ملايين دولار، جمعت من: (Sequoia Capital)و(Sutter Hill Ventures). لكن الشركة بعد محاولات عدة، فشلت في جذب الكثير من الزبائن لشرائها. وأوشكت بعد عامين من تأسيسها على الإفلاس، واضطرت إلى تسريح نصف موظفيها، ليبقى 40 موظفاً فقط. إلا أن رقاقتها الثالثة (RIVA 128) التي أطلقتها عام 1997، حققت نجاحاً عظيماً؛ إذ كانت أسرع من أي معالج رسومات بيانية آخر بنسبة %400.

وفي أواخر تسعينيات القرن الماضي، بقيت (Nvidia) و(AMD) فقط، من بين الشركات الفاعلة في هذا المجال. في حين استطاع هوانغ في ذلك الوقت من جعل موظفيه سعداء وراضين عن أدوارهم في الشركة، مما انعكس على تصنيف الشركة في قائمة أفضل الشركات الأميركية في المواطنة (Just 100). إنه مهتم بعامليه دائماً، ويتحدث إليهم بين حين وآخر للتعرف إلى التحديات التي يواجهونها. فحين كانت الإجازة العائلية قضية مهمة في الشركة، اتخذ هوانغ خطوات لتحسينها، وصار متاحاً للآباء الجدد الحصول على إجازة مدفوعة لمدة 22 أسبوعاً، بالإضافة إلى 8 أسابيع تمتاز بالمرونة في الحضور إلى موقع العمل للتأقلم من جديد على ذلك.

فيما يعزى جانب مهم من سعادة الموظفين إلى نوع العمل الذي تؤديه(Nvidia)؛ فالانتقال إلى مجالات جديدة مثل “التعلم المعمق” أنعش موظفيها. يقول هوانغ: “لا بد من إيجاد الرابط بين العمل الذي نؤديه والمنافع الاجتماعية، كأن نكون قادرين على تطوير اكتشاف علاج مرض السرطان، حتى لو بدا أمراً يصعب تصديقه“.

لقد لوحظ نجاح (Nvidia) فصارت كل شركة كبرى في صناعة الرقاقات تطارد حلم الذكاء الاصطناعي فجأة. وظهر عدد كبير من الشركات الناشئة التي تنتج أنماطاً جديدة من هندسيات رقاقات التعلم المعمق. حتى إن(Google) إحدى أهم عملاء (Nvidia) في السابق، تعد اليوم من منافسيها.

وأعلنت (Google) خلال مؤتمرها السنوي للمطورين في مايو/ أيار الماضي، عن صنعها رقاقة تسمى “وحدة المعالجة الوترية” وخصصتها ضمن إطار عملها في مجال التعلم المعمق (TensorFlow). كما أعلنت أنها زودت مراكز بياناتها بهذه الرقاقات لتحسين خرائطها ونتائج بحثها.

ونظير ذلك، تصنع (Microsoft) اليوم، وهي من عملاء (Nvidia) أيضاً، رقاقاتها الخاصة لمراكز بياناتها.  وتسمى “مصفوفة البوابات المنطقية القابلة للبرمجة” أو (FPGA) التي يمكن برمجتها بعد صنعها، وأثبتت فائدتها لتطبيقات الذكاء الاصطناعي الإلكترونية.

أما الشركة العريقة في قطاع أشباه الموصلات (Intel) فتبدو مرعوبة اليوم، من التقدم الذي حققته (Nvidia) بالذات. وبعد تخلفها عن اللحاق بقطار أجهزة الهواتف الذكية، تخشى تضييع فرصة التحول المقبل في مجال التعلم المعمق. وقد بدأت موجة من عمليات الاستحواذ، بشرائها شركتين ناشئتين لصناعة رقاقات الذكاء الاصطناعي مؤخراً، هما: (Nervana) مقابل مبلغ قيل إنه يفوق 400 مليون دولار في أغسطس/ آب الماضي، و(Movidius)بعد شهر من ذلك التاريخ، مقابل مبلغ لم تفصح عنه. كما دفعت (Intel) في العام الماضي 16.7 مليار دولار، مقابل شراء شركة صناعة مصفوفات البوابات المنطقية القابلة للبرمجة (Altera).

فيما تحتاط (Intel) تجاه أكثر نشاطاتها ربحية والمتمثلة في مركز البيانات؛ حيث تحتكر %99 من الحصة السوقية تقريباً. أما رقاقات (Nvidia)الحالية، فلا يمكنها الحلول مكان معالجات (Intel) إنما تسرعها فقط. لكن الأخيرة تفضل من دون شك استخدام زبائنها لأجهزتها دون غيرها، ولهذا تخطط إطلاق رقاقة الخادم المثالية للتعلم المعمق، وهي معالج (Xeon Phi)الجديد في عام 2017. فمن خلال التكنولوجيا التي حازت عليها من فريق(Nervana) تدعي بجرأة قدرتها على تسريع شبكات التعلم المعمق 100 مرة بحلول عام 2020.

غير أن (Nvidia) تتقدم عليها فضلاً عن غيرها مثل: (AMD) بمسافة كبيرة، بعد أن كانت وحيدة في مجال عملها لأعوام عدة. يقول جون بيدي، محلل التكنولوجيا المخضرم: “أعتقد أنها في موقع جيد، والفرص تصب في مصلحتها، لكنها ليست الوحيدة أمام تلك الفرص. إن الكثير من الخبراء يراقبون هذا المجال“.

بينما يضيف هوانغ: “حوسبة الذكاء الاصطناعي هي مستقبل الحوسبة. وما دمنا نواصل بناء منصتنا الإلكترونية لتكون أفضل منصة لحوسبة الذكاء الاصطناعي، أعتقد أننا سنحظى بفرصة جيدة للفوز بالعديد من عقود العمل. كما ستنتشر وحدات معالجة الرسومات البيانية في كل الشركات”. بالإضافة إلى أنه يعتنق الفلسفة ذاتها التي آمن بها آندي غروف، رئيس شركة (Intel)لوقت طويل، وأعلن عنها في كتابه (Only the Paranoid Survive)الأكثر مبيعاً في تسعينات القرن الماضي. يقول هوانغ: “دائماً ما يخالجني اعتقاد بأننا سنخرج من السوق بعد 30 يوماً. وهو ليس خوفاً من الفشل، بل إنه في الواقع خوف من الشعور بالرضا، ولا أريد له أن يلازمني أبداً“.

اًرون تيلي- فوربس ميدل ايست

شارك:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *