تسبب تقنية الجيل الخامس للاتصالات المعروفة باسم “جي 5” الكثير من الإثارة في صناعة المركبات الحديثة، لكن بالنسبة إلى السائق العادي قد يكون من الصعب فهم السبب. ومع ذلك فإنه من الجيد أن يكون لأصحاب السيارات المستقبلية سرعة تدفق عالية للبيانات والمعلومات، كتنزيل فيلم من المقعد الخلفي لسيارة متحركة أو حتى معرفة كل ما يتعلق بالملاحة والطقس أثناء السير، ولكن هل تستحق هذه الشبكة كل هذه الضجة؟
الإجابة هي نعم، لأن الزيادة في السرعة التي تتيحها شبكة الجيل الخامس تمنح نطاقا مثيرا من القدرات الجديدة، والأهم من ذلك أنها التكنولوجيا التي ستمكّن الشركات في جميع أنحاء العالم من تطوير المركبات ذاتية القيادة. ويبدو أن المصنعين متحمسين لذلك.
مرونة عالية
قدم الجيل الأول للاتصالات إمكانية إجراء مكالمات صوتية عبر الهواتف المحمولة، لتضاف إليها الرسائل النصية في الجيل الثاني، وبعدها القدرة على إرسال صور في شبكة الجيل الثالث، ثم تطوير قدرات الاتصال عبر الإنترنت في الجيل الرابع، لكن من شأن الجيل الخامس إدخال تطورات كبرى على الاتصالات مع زيادة سرعة الاتصال بالإنترنت عشرة أضعاف. وتواكب شبكة “جي 5” ابتكارات جمة في قطاعات النقل والتنظيم اللوجستي والتخطيط المدني. ومن أبرز النماذج على ذلك السيارة ذاتية القيادة وذلك بالنظر إلى مرونتها العالية.
ونسبت وكالة الصحافة الفرنسية إلى الخبير في شركة كابجيميني الفرنسية الاستشارية ميشال غيغا قوله إن “هذه المركبات قادرة على تقويم دائم لوضعها في البيئة المحيطة لناحية الأشخاص الآخرين في المحيط ووضع الطريق والعقبات الموجودة بالقرب منها”. ويشرح غيغا المختص في خدمات البنية التحتية السحابية والتحول الرقمي ذلك بالإشارة إلى أنه سواء التقطت المركبة نفسها هذه المعلومات أو جُمعت من مصدر خارجي، يتعين جمع كميات بيانات ضخمة ومعالجتها في كل لحظة.
اتصال دائم
جعلت شبكة “جي 5” هذه المهمات ممكنة اليوم، فهي تقنية الاتصالات الوحيدة القادرة على نقل كمية البيانات اللازمة لرصد حركة وتحليلها واستثارة رد مناسب عليها في جزء من الثانية. ولكي تكون القيادة الذاتية مجدية يجب أن تكون السيارة على اتصال دائم ببيئتها وبطرق تتجاوز ما نفكر فيه عادةً عندما نقول إن الجهاز “متصل بالإنترنت”، ويشير هذا المصطلح عادةً إلى الاتصال بشبكة.
ويختصر اتحاد مطوري تقنية “جي 5” هذا النوع من الاتصال على أنه “في تو أن” للاتصال من مركبة إلى شبكة لكنهم لاحظوا أن “جي 5” ستتيح أيضًا أشكالًا من الاتصالات اللاسلكية المباشرة التي ستكون ضرورية. ويشمل ذلك الاتصال من مركبة إلى أخرى “في تو في”، فمثلا تخيل أن سيارة تشارك بيانات الحالة ذات الصلة مباشرة مع سيارات أخرى حيث إذا أوشكت صدم مركبة أمامها، وهي ليست في خط رؤية السائق، فإن السيارة يمكنها على الفور التعامل مع المشكلة دون حصول حادث. والنوع الثاني الاتصال من المركبة إلى البنية التحتية “في تو آي”، إذ سيسمح هذا للسيارة بمشاركة البيانات تلقائيًا مع البنية التحتية للطرق الذكية. فمثلا يمكن أن تشير إشارة المرور مباشرة إلى سيارة على وشك أن تتحول إلى اللون الأحمر وأن السيارة يجب أن تستعد لضبط سرعتها. أما النوع الثالث فيتمثل في الاتصال من مركبة إلى المشاة “في تو بي”، إذ يمكن للهاتف المحمول الخاص بأي مترجل في الطريق أن ينبه السيارة بأن هناك شخصا على ممر للمشاة.
وتعمل هذه الأنواع بالتوازي مع الاتصالات من مركبة إلى شبكة، حيث يتعامل أحدث بروتوكول “جي 5” من “جي.أي.أي 5” مع كل منها ويستخدم المصطلح “في تو إكس” للتعبير عن الاتصال من مركبة إلى كل شيء. وبدأ العديد من مصنعي السيارات بدمج تقنية الجيل الخامس للاتصالات بالفعل في سياراتهم واستعمالها كأداة للمساعدة على الدخول في أنظمة المركبات ذاتية القيادة مثل فورد الأميركية وأودي الألمانية. وكانت فورد قد قالت العام الماضي إنه تم تزويد 80 في المئة من الموديلات الحديثة بتقنية تحذر السائقين من حوادث الطرقات القادمة وسوء الأحوال الجوية والاختناقات المرورية.
وتعد أودي من أولى الشركات التي بدأت في التفكير بإدخال شبكة الجيل الخامس في سياراتها، ففي يوليو 2018 اختارت التعاون مع شركة هواوي الصينية بهدف صناعة جيل مبتكر من السيارات المتصلة. وجعلت هذه الخطوة الشركة الألمانية المملوكة لمجموعة فولكسفاغن في منافسة مباشرة مع شركات كثيرة دخلت المجال وفي مقدمتها هيونداي الكورية الجنوبية.
هل هناك عيوب
رغم التفوق التكنولوجي فإن شركات السيارات لا تزال عاجزة أمام حل عدة مشكلات خاصة بالموديلات المتصلة بشبكة الإنترنت التي تمهد الطريق نحو إدارة وظائف السيارة المختلفة بشكل آلي. فتكنولوجيا “جي 5” موجودة بالفعل، لكنها تحتاج لبعض الوقت قبل أن تنتشر على نطاق واسع في المركبات، فالبنية التحتية لدعم سيارات الجيل الخامس المستقلة ببساطة غير موجودة.
ويؤكد المختصون أنه يجب وضع أنظمة الهوائيات النشطة وتقنيات الشبكات في مكانها لتهيئة جو لهذه المنصة لتزدهر. ويمكن تشبيه ما يحدث مع هذه الشبكة مع ما حصل مع التلفزيون الذي تم عرضه لأول مرة في ثلاثينات القرن الماضي ولكنه لم ينتشر حتى الخمسينات.
ومن العيوب التي يعاني منها هذا النوع المتطور من السيارات سهولة السرقة في ظل تطور أدوات اللصوص التي تعتمد على اختراق الأنظمة التقنية للمركبات ووسائل اتصالها بشبكات الإنترنت، ومن ثم تعطيل كل طرق التعامل مع مستخدمها وفي مقدمتها الهواتف الذكية. وتعتمد الشركات المصنّعة للسيارات المتصلة عادة على خاصية التتبع لمنع السرقة التي تتيح للمستخدمين التوصل إلى مكان السيارة بشكل سري دون إشعار اللصوص بذلك، ولكن عراقيل تقنية لا تزال الشركات عاجزة عن حلها.
صحيفة العرب