تحافظ أجسادنا لا شعوريا على الوقت من خلال الساعة البيولوجية. والمثير للدهشة هو أن كل خلية تقريبا تمتلك ساعتها الخاصة، مما يعني أن الوقت يمثل جانبا مهما في علم الأحياء. تستعرض دراسة جديدة صادرة عن جامعة كاليفورنيا، إيرفين University of California, Irvine الآلية التي تتحكم بها الساعة بجوانب مختلفة من التوازن، وكيف تنسق الأعضاء وظيفتها على مدار اليوم. وقد نشرت الدراسة في دورية ساينس Science بتاريخ 12 فبرايرالجاري.
اضطراب الساعة البيولوجية
يرى الباحثون أن فهم كيفية تكامل الساعة البيولوجية مع وظيفة الأعضاء له آثار جيدة على صحة الإنسان، حيث يمكن أن يكون الاضطراب ما بين الساعة البيولوجية والإيقاع اليومي سببا في الإصابة بالعديد من الأمراض بما فيها مرض السكري والسرطان أيضا. حيث يحدث الاختلال المزمن عندما تتعارض أنماط الأكل والنوم مع دورة الضوء والظلام الطبيعي، الأمر الذي يؤدي إلى زيادة خطر الإصابة بمتلازمة التمثيل الغذائي وأمراض القلب والأوعية الدموية والحالات العصبية والسرطان. ومن المعلوم أن جزءا كبيرا من القوى العاملة العالمية لديها ساعات عمل غير معتادة وقد يكون معرضا للخطر بشكل خاص.
وتولد الساعة البيولوجية إيقاعا على مدار اليوم يقارب 24 ساعة، والذي يتحكم في السلوك والهرمونات والجهاز المناعي والتمثيل الغذائي. ولفهم أفضل لأثر الساعة البيولوجية، استهدف الباحثون من مختبر باولو ساسون كورسي Paolo Sassone-Corsi لعلم التخلق والتمثيل الغذائي في جامعة UCI الكشف عن الدوائر الفسيولوجية ما بين الأعضاء المختلفة التي تصل معها الساعات البيولوجية إلى حالة من التناسق والانسجام كتلك التي ما بين الدماغ والكبد مثلا، وأجريت تجاربهم على خلايا بشرية وعلى الفئران أيضا.
الإيقاع اليومي في حياتنا
تعمل الساعات البيولوجية على مواءمة العمليات الداخلية مع الوقت الخارجي، مما يمكن أشكال الحياة المتنوعة من توقع التغيرات البيئية اليومية مثل دورة الضوء والظلام. وفي الكائنات الحية المعقدة، تبدأ وظيفة هذه الساعة من الساعة الجزيئية المشفرة وراثيا داخل كل خلية وتتصاعد تشريحيا إلى نظام أعلى على مستوى الكائن الحي. وهكذا يمكن أن يؤدي اختلال التوازن اليومي -الذي يفرضه المجتمع الحديث- إلى تعطيل هذا النظام مما يسفر عن آثار ضارة على الصحة إذا طال أمده.
ووفقا للبيان الصحفي الذي أصدرته الجامعة، فإن فريق البحث هناك يرى أن “لإستراتيجيات ضبط ساعاتنا وتعزيز الإيقاعات اليومية آفاقا واعدة في الدراسات ما قبل السريرية، والتي توضح أهمية كشف هذا الجانب من طبيعتنا وإطلاق العنان للإمكانات التي يحملها للعلاجات والأدوية المستقبلية”.
لطالما كانت ساعات أسلافنا البيولوجية في تناغم دائم مع البيئة، على عكس مظاهر الحياة الحديثة التي نعيشها من إضاءة كهربائية وسفر عالي السرعة وتوافر دائم للطعام وعمل دائم على مدار الساعة. وهذا جعل من مواءمة ساعتنا الداخلية مع الوقت الجيوفيزيائي تحديا في عالم اليوم. وهكذا بات من الضروري أن نكشف النقاب عن الأسس الجزيئية للعلاقة بين الساعة البيولوجية والمرض.
حيث إن فك رموز الوسائل التي تتواصل بها الساعات عبر أعضاء التمثيل الغذائي يمنحنا القدرة على تحويل فهمنا لعملية التمثيل الغذائي، وقد يحمل وعودا علاجية لإستراتيجيات مبتكرة وغير جراحية لتعزيز الصحة.
الجزيرة