8- الكائنات الفضائية والأجسام الغامضة.
يعتبر الحديث عن الكائنات الفضائية من الأمور التي يتجاذب فيها النقاش بين أهل الفن والسياسة والفك والعلماء ورجال الدين. وقد تم إنتاج أفلام عديدة حول سكان الفضاء وتراوحت بين المبالغة التخيلية والطرح العلمي المتشكك. ويستعرض كاكو، مختلف آراء العلماء الجادون الباحثون حول وجود حياة في الكون. فليس هناك حسم في القضية، سواء بالنفي أو التأكيد “ويعتقد العلماء أن الماء السائل سيكون العامل الأساس في وجود الحياة في الكون. “اتبع الماء” هو الشعار الذي يردده الفلكيون وهم يبحثون عن دليل على وجود الحياة في الفضاء”[1]. كما أن الكربون[2] عنصر مهم ومحتمل في تحقق الحياة، وبالتالي فمن شروط وجود حياة في الفضاء، يتعين توافر الماء والكربون والدنا.
وقد حاول الباحث الفلكي فرانك دريك[3] من جامعة تورنيل سنة 1961 تقدير احتمال وجود الحياة في الفضاء. ومن المشاريع الأولى حول البحث عن ذكاء في الفضاء الخارجي[4] SETI، ما تقدم به الفيزيائي كوتشوني ومورسيون، وهو مشروع الاستماع الى الاشعاعات الميكروية لتردد بين 1 و10 غيفا هيرنز، كوسيلة للتصنت على الاتصالات خارج الفضاء. وقد فشل المشروع في اكتشاف دليل على وجود حياة.
ورغم ذلك الفشل، اقترحت الناسا سنة 1973 تمويل المشروع بكلفة مالية وصلت 10 مليار دولار. وتم التخلي عن المشروع لتمويل آخر، وهو إرسال رسالة مشفرة إلى الفضاء.
وفي سنة 1995، أسس مجموعة من الفلكيين معهد SETI غير الربحي في كالفورنيا، وشرعوا في دراسة ألف نجم قريب يشبه الشمس؛ ولم يعثر على شيء. وانطلق مشروع SETI@HOME لسنة 1999 ولم يتم التقاط أية إشارة ذكية. وهذا الفشل جعل العلماء يراجعون نظرية دريك؛ حيث قادتهم “الاكتشافات الحديثة للاعتقاد بأن الحياة يمكن أن تزدهر بطرق لم تعتبر بعلاقات دريك. اعتقد العلماء من قبل أن الماء السائل يمكن أن يوجد فقط في “منطقة غولد يلوكس”[5] المحيطة بالشمس. (المسافة من الأرض إلى الشمس” صحيحة بالضبط. فالأرض ليست قريبة جدا من الشمس بحيث تغلي المحيطات وليست بعيدة جدا بحيث تتجمد، لكنها “صحيحة بالضبط” بحيث تجعل الحياة ممكنة). لذا أتى اكتشاف الفلكيين لماء سائل تحت الغطاء الثلجي في القمر أوروبا التابع للمشتري بمنزلة صدمة. يقع أوروبا بعيدا خارج نطاق غولد يلوكس، لذا بدا أنه لا يلائم الشروط التي تتطلبها معادلة دريك. مع ذلك يمكن لقوى المد أن تكون كافية لتذويب الغطاء الجليدي لأوروبا واتباع محيط سائل دوما”[6]، ونظرا لاكتشاف العلماء حوالي 250 كوكبا خارج النظام الشمسي، فقد اعتقدوا أن هذه الكواكب يمكن أن يكون لها أقمار متجمدة وبالتالي فالحياة ممكنة، وحتى خارج منطقة غولد يلوكس. ويتجه بعض العلماء إلى القول بأن شروط توفر حياة في كوكب مثل الأرض، تكمن في توفر حقل مغناطيسي قوي لوقاية الأرض من أشعة كونية قادرة على تدبيرها ثم سرعة متوسطة لدوران الكوكب، فبدون هذه السرعة المعقولة لن تكون الأوضاع المنافية كفيلة بضمان حياة مستقرة في الأرض، ثم شرط ثالث هو موقع في المسافة الصحيحة في مركز المجرة. “لكل هذه منطقة الغولد يلوكس في أقمار أو كواكب جوالة، لكن احتمالات وجود كوكب مثل الأرض قادر على دعم الحياة ضمن منطقة الغولد يلوكس أقل بكثير مما اعتقد سابقا. وبشكل عام تظهر معظم تقديرات علاقات دريك أن احتمالات العثور على حضارة في المجرة ربما كانت أقل مما توقع في السابق”[7].
لقد أدى الاهتمام بالبحث عن كوكب شبيه بالأرض، إلى اكتشاف مهم من طرف العالم الفلكي الدكتور ألكسندر فولشان من جامعة بنسافانيا، لكوكب حقيقي خارج النظام الشمسي سنة 1994. فقد لاحظ وجود كواكب تدور حول نجم ميت وهو نابض دوار[8]. وبعد ذلك توالت الاكتشافات، حيث تم اكتشاف كواكب أخرى في أنظمة شمسية أخرى، مختلفة تماما عن نظامنا الشمسي ولها قواعدها الخاصة.
وتم إطلاق سنة 2006، لأول مسبار فضائي وهو القمر الاصطناعي الفرنسي كورت، وهدفه البحث عن كواكب شبيهة بالأرض. وأطلق بعد ذلك القمر الاصطناعي كيبلا[9] يوم 7 مارس 2009 من طرف الناسا. كما تخطط وكالة الفضاء الاوروبية إطلاق قمرها داروين في حدود عام 2015.
ارتكز العلماء على الفيزياء وعلم الاحياء والكيمياء لتخيل شكل الحياة في الفضاء الخارجي، وانتهى بهم الأمر إلى التوافق على أنه ليس من الضروري أن تكون الكائنات الحية والذكية شبيهة بالإنسان. ويقول كاكو “نستطيع أيضا استخدام الفيزياء لتضمن حجم أجسادنا. وبافتراض أنها تعيش على كواكب بحجم الأرض ولها تقريبا كثافة الماء نفسها، مثل أشكال الحياة على الأرض، فمن المحتمل أن تكون الكائنات الضخمة عير مكنة بسبب قانون المحتمل أن تكون الكائنات الضخمة غير ممكنة بسبب قانون الحجم الذي ينص على أن قوانين الفيزياء تتغير بشكل كبير مع زيادة حجم أي جسم”[10].
وبالارتكاز كذلك على علم الفيزياء، يعتقد كاكو بأنه يمكن وضع المحددات الكبرى للحضارات في الفضاء. فقد وضع عالم الفيزياء الفلكية نيكولاي كارداشيف، تصور المراحل تطور الحضارات بناءا على مؤشر وطبيعة استهلاك الطاقة. وهكذا تصور ثلاث مجموعات للحضارات:
- المجموعة الأولى هي حضارات من النوع الأول “تحصد طاقة كوكبية مستخدمة الإشعاع الشمسي الذي يسقط على الكوكب جميعه. وربما تستطيع تطويع الطاقة من البراكين مثلا وأن تتلاعب بالطقس، وأن تتحكم بالهزات الأرضية، وأن تبنى مدنا في المحيطات. وإن طاقة الكوكب جميعها تدخل ضمن تحكمهم”[11].
- المجموعة الثانية هي حضارات من النوع الثاني وهي تلك التي تستطيع استخدام القدرة الكاملة لشمسها مما يجعلها أقوى بـ 10 مليارات مرة من حضارة من النوع الأول. ان اتحاد الكواكب في مسلسل ستار ترك هو حضارة من النوع الثاني. والحضارة من النوع الثاني هي بمعنى ما حضارة خالدة ولا يمكن لأي شيء معروف في العلم كالعصور الجليدية أو ارتطام النيازك أو حتى للمستعمرات العملاقة أن تحمها. (يمكن لهذه الكائنات في حال كان نجمها الأم على وشك الانفجار أن تنتقل إلى نظام نحمي آخر أو ربما أن تنقل كوبها نفسه)[12].
- المجموعة الثالثة وهي حضارات من النوع الثالث لها القدرة على استغلال واستخدام طاقة المجرة بكاملها، واستعمال طاقة الثقب الأسود في مجرتهم والانتقال بسهولة في المجرة[13].
ويظن كاكو بأن الحضارة البشرية، لازالت في الدرجة الصفر، لأننا لازلنا نستخدم النباتات الميتة والنفط والفحم الحجري لمصدر للوقود، بينما لا تستعمل سوى جزء صغير جدا من الطاقة الشمسية. لكنه رغم ذلك يعتقد بأننا بدأنا الولوج إلى عصر الحضارة الأولى” لكن يمكننا مسبقا رؤية بدايات حضارة من النوع الأول تنشأ من الأرض. فالانترنيت هي بداية نظام اتصالات من النوع الأول تربط الكوكب بكامله. ويمكن رؤية بداية النوع الأول من الاقتصاد في صعود الاتحاد الاوروبي الذي وجد لينافس بدوره منظمة النافتا. واللغة الانجليزية هي مسبقا اللغة الثانية الرئيسة قد تصبح اللغة من النوع الأول التي يتكلمها كل إنسان تقريبا. وتستمر الثقافات والعادات المحلية بالازدهار بآلاف الأشكال على الأرض، لكن سيكون فوق هذه الفسيفساء من البشر حضارة كوكبية تسيطر عليها ربما ثقافة الشباب والتجارة”[14] وقد فصل كاكو الحديث عن ذلك في كتبه والدراسات التي نشرها[15]. وأثار كاكو قضية الأجسام الغامضة الطائرة UFOS وحاول تفسير ذلك بالالتباس الذي وقع فيه عامة الناس، من خلال رؤيتهم لظواهر فلكية مثل الزهرة أو النيازك أو الشذوذات الجوية والتي توهم بوجود أجسام طائرة. كما اعتبر بعض الظواهر مولدة هي الأخرى بهذا الوهم مثل أصداء راديوية وبالونات الطقس والبحث وطائرات سرية مثل قاذفة[16] Stealth والتي كان يتكتم الجيش الأمريكي حولها ولهذا يشجع الحديث عن ظواهر الأطباق الطائرة بصرف الناس عن التجارب السرية حول نماذج متطورة من السلاح الجوي. هذا بالطبع إضافة إلى وجود ادعاءات كاذبة متعمدة لكثير من الناس حول رؤية هاته الأجسام؛ ورغم ذلك لا ينفي وجود تصريحات لأشخاص يتميزون بالصدق والنزاهة، ادعوا رؤية أجسام غريبة[17].
ويعتقد كاكو بأن السفن الفضائية ليس من المفترض أن تكون كبيرة الحجم كما يتم تصويره في أفلام الخيال العلمي، كما أنه ليس من الضروري أن تكون بقيادة كائنات فضائية، إذ يمكن لحضارات متقدمة إرسال مركبات كثيرة ومتنوعة غير مأهولة لمسح المجرات، وكما يفعل البشر الآن من إرسال أقمار اصطناعية بدائية. ويفترض أن الحضارات المتقدمة تمتلك تقانة نانونية متطورة كفيلة باستطلاع الأرض وغيرها.
وينتهي الباحث إلى القول “بالنظر إلى التقدم السريع في SETI واكتشاف كواكب خارج مجموعة النظام الشمسي، فقد يحدث الاتصال بحياة كونية يفترض وجودها بالقرب من خلال هذا القرن، مما يجعل مثل هذا الاتصال استحالة من النوع الأول. ولو كانت الحضارات الأجنبية موجودة في الفضاء الخارجي، فسيكون السؤال الواضح التالي: هل سنمتلك أبدا الوسائل للوصول إليها؟ وماذا عن مستقبلنا البعيد، عندما تبدأ الشمس بالشمس وتلتهم الأرض؟ هل يقع مصيرنا حقا في النجوم؟”[18].
9- السفن النجمية.
إن حديث كاكو عن السفن النجمية، أي السفن القادرة على الرحيل في الفضاء الخارجي البعيد، حديث مرتبط بهاجس يراود جل العلماء العلمانيين الذين لا يؤمنون ولا يعتقدون بمفهوم النهاية كما هو محدد في الكتب السماوية؛ أي الفناء البشري والحساب الأخير أمام الله. فاعتقادهم بأن الأرض قابلة للتدمير والنظام الشمسي نهايته حتمية، لا جدال في ذلك عندهم، ولكن العرض أمام الله واليوم الآخر والجنة والنار هذه أمور، غير واردة نهائيا. لذا فنقاش إمكانية بناء سفن نجمية، هو استشراف لإمكانية انتقال البشرية للعيش في كواكب أخرى؛ فرارا من دمار الأرض.فيقول “ووفقا لقوانين الفيزياء، فإن هذا السيناريو المتشائم حتمي، ستموت الأرض في النهاية محترقة مع التهام الشمس لها. هذه هي قوانين الفيزياء. ستحدث هذه الكارثة خلال الخمسة مليارات سنة القادمة. وضمن هذا المدى الزمني الكوني لا يمثل صعود الحضارات البشرية وهبوطها اهتزازات ضئيلة. وعلينا يوما ما إذ أن نترك الأرض أو تموت. لذا كيف تستطيع البشرية وأحفادنا التعايش عندما تصبح الظروف على الأرض غير محتملة؟[19].
إن هاجس كاكو بنهاية الأرض، له ما يبرره عند علماء الفلك الذين يتفقون على كون الشمس ستتوسع وتلتهم الأرض كما سترتفع حرارة الشمس بحوالي 10 في المائة، ويختلف العلماء في التقدير الزمني لذلك، وغالبا ما يتراوح هذا الزمن ما بين مليار إلى مليارات السنين، ولكنهم لا يعلمون حقيقة التدبير الإلهي ولا كيف سينهي الله هذه الأكوان. وبالطبع فالعلماء ومن بينهم كاكو لا يلتفتون إلى الدين باعتباره مصدرا للحديث عن نهاية الكون، فارتكازهم فقط على قوانين الفيزياء المعروفة لديهم. ومهما يكن، فتسليم العلماء بنهاية الكون، مسألة تشكل اتفاقا مع باقي علماء الدين. ونهاية الأرض عند علماء الفلك، غير مشروطة بموت الشمس وانهيار النظام الشمسي، بل يكفي فقط ارتطام النيازك أو الشهب الضخمة بالأرض لتنتهي الحياة كليا أو جزئيا، فقد حدث آخر ارتطام منذ 65 مليون سنة على تقدير والذي أدى إلى نهاية عصر الديناصورات. وهناك فئة من العلماء تتوقع هذا الارتطام من جديد في حدود 65 مليون سنة[20] القادمة. ومن هنا يتساءل كاكو هل بمقدور البشرية ابتكار سفينة فضائية قادرة على مغادرة الأرض إلى أقرب نظام نجمي إلينا والذي يبعد عنا أكثر من 4 سنوات ضوئية؟.
إن السنوات الحالية ليس بمقدورها تمكين البشرية من السفر البعيد في القضاء الخارجي، إذ يتعين تصميم صواريخ جديدة، لها قوة دفع هائلة. ومن المعلوم أن الصواريخ الكيميائية ليست لها هذه القوة، ومن المحركات الأيونية، فليست لها سوى قوة دفع صغيرة. وقد اختبرت الناسا الدافع الأيوني NSTAR سنة 1998، كما اختبرت وكالة الفضاء الأوروبية بدورها محركا أيونيا[21]. ويرى كاكو بأن “النسخة الأقوى من المحرك الأيوني هي محرك البلازما، مثل محرك VASIMR (صاروخ الدفع الخاص المتغير البلازما – مغناطيسي) الذي يستخدم تيارا قويا من البلازما لتحريكه خلال الفضاء. صمم المحرك من قبل المهندس ورائد الفضاء تشانغ دياز، ويستخدم الموجات الراديوية والحقول المغناطيسية لتسخين غاز الهيدروجين إلى الدرجة مليون مئوية، تم تقذف البلازما فائقة الحرارة من نهاية الصاروخ معطية دفعا معتبرا. بنيت مسبقا نماذج من هذا المحرك على الأرض على الرغم من أنه لم يرسل أي منها إلى الآن إلى الفضاء الخارجي. ويأمل بعض المهندسين أن يستخدم محرك البلازما لدفع مهمة إلى المريخ، مخفضا بذلك زمن السفر إلى المريخ بشكل كبيرة إلى عدة أشهر فقط”[22]. ومن المسلم به بأن المحرك الأيوني لا يمكن له أن يمكن البشر من السفر إلى النجوم البعيدة. وهناك من العلماء من يقترح حلا آخر يكمن في الأشرعة الشمسية، إذ يعتقد نظريا وأن شراعا شمسيا ضخما وخفيفا يمكن أن يحقق سرعة تصل نصف سرعة الضوء ويستغرق مدة ثمانية سنوات للوصول إلى أقرب نجم[23]، ويميل العالم ميتشيو كاكو إلى محرك الاندماج رامجت، إذ يعتبره أفضل وسيلة للوصول إلى النجوم. وقد اقترح هذا المحرك، العالم الفيزيائي روبرت بوسارد سنة 1960 وبعده كارل ساغان.
وفي تقدير العلماء فإن محرك رامجت[24] بمكن أن يصل إلى 77 في المائة من سرعة الضوء؛ وهي سرعة قادرة على دجعل السفر إلى النجوم مسألة ممكنة. لكن المشكل الأساس الذي يواجهه أصحاب الرأي المرجع المحرك رامجت، يكمن في كون مفاعل الاندماج النووي[25] ITER، بدمج نوعين نادرين من الهيدروجين المتوفر في الفضاء مكون من بروتون محاط بإلكترون وبالتالي يتعين على مفاعل الاندماج رامجت القيام بتفاعل الاندماج بروتون – بروتون، وهو اندماج غير مفهوم بشكل كاف لدى الفيزيائيين. لذا فإن هذا المشكل العلمي بالإضافة إلى التكلفة الاقتصادية يمنعان وضع تقدير حقيقي ومعقول لاستغلال تقنية محرك رامجت. وتحدث كاكو عن الصاروخ الكهربائي النووي واعتبره خطرا. كما أشار إلى وسيلة استخدام سلسلة من قنابل نووية صغيرة لدفع السفينة النجمية ولكن المشاكل الرئيسية لهذا المشروع تكمن في احتمال التلوث من خلال الهطول النووي خلال عملية الاطلاق[26]. وهناك حديث من العلماء حول ما يسمى بالاستجابة المميزة “والتي تعرف ” على أنها التغير في العزم بالنسبة إلى كتلة الوقود المحرك. وبالتالي كلما كان المحرك أكفأ، قل الوقود اللازم لدفعه إلى الفضاء. وأن العزم بدوره هو نتاج القوة التي تعمل على فترة زمنية معينة. وعلى الرغم من أن للصواريخ الكيميائية اندفاعا قويا، فإنه يدوم بضع دقائق فقط، وبالتالي فلها استجابة مميزة عالية على الرغم من اندفاعها بسيط جدا[27]“.
فالاستجابة المميزة[28] هي التي تحدد قيمة الوسيلة المعتمد أو صنف المحرك القادر على تمكين البشرية من السفر في الفضاء الخارجي.
ومن الاقتراحات الأخرى للسفر في الفضاء الخارجي وتقليل التكلفة هو بناء المصاعد الفضائية وخصوصا بعد اكتشاف الأنابيب الكربونية النانونية. لكن مشروعا كهذا تحيط به عدة عراقيل ومشاكل تقنية، ومن ذلك كيفية مواجهة مخاطر الشهب مما يستلزم بناء دروع وقائية، وهذا إضافة إلى أحوال الطقس والأعاصير. وهناك طريقة أخرى، هي ما يسمى بتأثير المقلاع[29] Slingshot، حيث أرسلت سفينة الفضاء Voyager للوصول إلى نبتون، من خلال تأثير المقلاع؛ وهي طريقة توفر الوقود. كما أشار كاكو إلى طريقة أخرى، هي مدافع سككية تطلق أجساما إلى النجوم، وهي في نظره مكلفة جدا[30].
بعد استعراض كاكو لمختلف الطرق التي يمكن اعتمادها للانطلاق في الفضاء الخارجي، وبيان استحالتها الحالية، تطرق إلى مخاطر السفر عبر الفضاء. ومن ذلك مشكلة انعدام الوزن، حيث بينت بعض الدراسات التي قام بها علماء روسيا، بأن الجسم بفقد عناصر ومواد كيماوية نادرة أثناء السفر أو المكوث في الفضاء. فقد أصيب رواد الفضاء الروس بضمور العظام والعضلات. هذا بالإضافة إلى ترتدي العمود الفقري وتردي إنتاج الخلايا الحمراء وانخفاض عمل النظام الشرايين، كل ذلك نتيجة للمكوث طويلا في الفضاء[31].
ويتوقع كاكو طريقة أخرى للسفر في الفضاء بعيدا، وهي صناعة السفن النانونية، “الطريقة الأكثر احتمالا قد تكون بإرسال مسابر صغيرة غير مأهولة أولا إلى النجوم البعيدة بسرعة قريبة من سرعة الضوء. وكما ذكرنا سابقا، قد يكون من الممكن في المستقبل وباستخدام التقانة النانوية صنع سفينة فضائية صغيرة تستغل طاقة آلات بحجم الذرات أو الجزئيات. وعلى سبيل المثال، يمكن بسهولة تسريع الأيونات الخفيفة إلى سرعة قريبة من سرعة الضوء بجهد كهربائي متوسط متوافر في المختبر. وبدلا من الحاجة لصواريخ ضخمة دافعة، يمكن إرسال هذه السفن النانونية إلى الفضاء بسرعة قريبة من سرعة الضوء باستخدام حقول كهرطيسية قوية. وهذا يعني أنه لوضع جسم نانوي ضمن حقل كهربائي، فمن الممكن رفع سرعته من دون جهد إلى سرعة الضوء تقريبا. ويمكن للجسم النانوي بعدها أن يبحر إلى النجوم نظرا إلى عدم وجود احتكاك في الفضاء. وبهذه الطريقة تحل فورا العديد من المشاكل التي تواجه السفن النجمية الضخمة. وقد تستطيع السفن الفضائية الذكية غير المأهولة أن تصل إلى النجوم القريبة بجزء بسيط من كلفة بناء سفينة نجمية ضخمة تحمل ركابا وإطلاقها إلى الفضاء”[32] ورغم المشاكل التي يمكن أن تواجهها هذه السفن النانوية ومن ذلك أنها يمكن أن تنحرف عن هدفها بسبب مرورها من حقول كهربائية أو مغناطيسية في الفضاء الخارجي، فإن الانشغال العلمي بالفكرة مستمر وبشكل جدي، بحيث حصل بريان جيكلراسيت من جامعة ميستغان، منحة بقيمة 500 ألف دولار من معهد ناسا للأفكار المتقدمة، لتطوير البحث حول مسألة بناء سفن نانوية بمحركات بحجم البكتيريا. كما تستضيف ناسا سنويا ملتقيات علمية حول بحوث الدفع الفضائي المتقدم، ويتم تدارس مختلف الأفكار الرائدة حول تكنلوجيا النانو الفضائية. ويتوقع كاكو إرسال أول مسبار غير مأهول من نوع ما إلى النجوم القريبة في أواخر هذا القرن أي 2100[33].
د. خالد ميار الإدريسي
رئيس تحرير مجلة مآلات، فصلية محكمة تعنى بالدراسات الاستشرافية
الهوامش:
[1] – كاكو: فيزياء المستحيل، ص: 156.
[2] – يقول كاكو: شكلت التجربة التي أجراها ستانلي ميلرو هارولد يوري عام 1953 المثال الأكثر بروزا حول أهمية الكربون وأظهرت أن التشكل التلقائي للحياة قد يكون النتاج الطبيعي الثانوي لكيمياء الكربون. وأخذا محلول من الأمونيا والميثان ومواد كيماوية سامة أخرى اعتقدوا أنها وجدت في المراحل الأولى لتشكل الأرض ووضعاها في قارورة وعرضاها لتيار كهربائي صغير، ثم ببساطة انتظرا. وخلال أسبوع، استطاعا ملاحظة دليل على تشكل الأحماض الأمينية تلقائيا في القارورة. كان التيار الكهربائي كافيا لتحطيم الروابط الكربونية في الأمونيا والميثان ثم إعادة ترتيب الذرات إلى أحماض أمينية، وهي التي تشكل البروتينات. ويمعنى ما، فالحياة يمكن أن تشكل تلقائيا. ومنذ ذلك الوقت وجدت الأحماض الأمينية داخل الشهب وفي سحب الغازات في أعماق الفضاء. ص: 156.
[3] – تحسب علاقة دريك عدد الحضارات في المجرة بضرب عدة أرقام بعضها مع بعض بما في ذلك:
– المعدل الذي تولد به النجوم في المجرة.
– الجزء من هذه النجوم الذي له كواكب.
– عدد الكواكب التي تمتلك شروط وجود الحياة لكل نجم.
– الجزء من الكواكب الذي يطور نشوء حياة بالفعل.
– الجزء الذي يطور نشوء حياة ذكية.
– الجزء الذي يولد التواصل ويستطيع ذلك.
– عمر الحضارة المتوقع.
157 :ويأخذ تقديرات معقولة وضرب هذه الاحتمالات المتتالية يدرك المرء أن من الممكن وجود 100 إلى 10 آلاف كوكب في مجرة درب التبانة وحدها قادر على استقبال الحياة الذكية، ص
[4] – البحث عن ذكاء في الفضاء الخارجي The SEARCHE FOR extra terres trial intelligence.
[5] – Goldiloks Zone هو مصطلح فلكي يشير إلى النطاق الصالح للسكن، او نطاق الحياة حول نجم ما.
161 :أنظر كاكو، ص
[6] – كاكو، ص: 161.
[7] – نفسه، ص: 164.
[8] – نفسه، ص: 165.
[9] – تم الاعلان عن نتائج القمر الاصطناعي كيبلا في 4 يناير 2010، إذ اكتشف مجموعة من الكواكب ذات فترات مدارية قصيرة، واكتشاف كواكب ذات فترات مدارية طويلة وسيواصل القمر عمله بناءا على توصية وكالة الفضاء ناسا، إلى حدود 2016.
168 :كاكو، ص
[10] – نفسه، ص: 170.
[12] – نفسه، ص: 174.
[13] – نفسه، ص: 174.
[14] – نفسه، ص: 175.
[15] – انظر موقع الباحث كاكو: www.mkaku.org .
– Michio kaku : Physics of the future : How science will Shape Human desting and our Daily lives by the Year 100. Double day. 2011.
– Michio, Kaku : Physics of impossible. Double day 2008.
– Michi, Kaku : Hyper Space. Oxfort university Press 1995.
– Michio, kaku : Vision : how Science will revoulutionise the 21 st century and Beyond.o xford Paperbacs, 1999.
– Michi, Kaku : Einstein’s Cosmos. Norton and company 2005.
– Michio Kaku : Beyond Einstein : the cosmic quest for the Universe-Auchor , Revupd Su edition 1995.
[16] – كاكو، ص: 178.
[17] – كاكو، ص: 179.
[18] – نفسه، ص: 182.
[19] – كاكو، ص: 184.
[20] – نفسه، ص: 185.
[22] – نفسه، ص: 187.
[23] – يقول كاكو: إن ميزة مثل هذا النظام في الدفع أنه يستطيع استخدام تقانة متوفرة، ولا حاجة لاكتشاف قوانين جديدة في الفيزياء لصنع مثل هذا الشراع الشمسي. لكن المشاكل الرئيسية هي اقتصادية وتقنية. إن المشكلة الهندسية في صنع شراع بعرض مئات الأميال ومزود بآلاف أشعة الليزر القوية الموضوعة على القمر معقدة جدا وتتطلب تقانة قد تتوفر بعد قرن من الزمان (احدى المشاكل بالنسبة للشراع الشمس بين الكواكب هي العودة. وعلى المرء ان يصنع بطارية ثانية من أشعة الليزر على قمر بعيد لتحريك السفينة لتعود مرة أخرى إلى الأرض. أو ربما يمكن للسفينة أن تتأرجح بسرعة حول نجم مستخدمة إياه كقذيفة للحصول على سرعة كافية لرحلة العودة. ثم تستخدم الليزرات على القمر لتبطئ الشراع ليهبط على الأرض)، ص: 189.
[24] – يقول كاكو: من السهل حساب المتطلبات لمحرك رامجت اندماجي. أولا، نعلم متوسط كثافة غاز الهيدروجين خلال الكون. وتستطيع أيضا حساب كمية غاز الهيدروجين التي يجب أن تحرق تقريبا للحصول على تسارع قدره g1، وتحدد هذه الكمية بدورها حجم الجهاز “الملتقط” لجمع غاز الهيدروجين. ويستطيع المرء ببضعة افتراضات معقولة أن يظهر أنك بحاجة إلى ملتقط بقطر 160 كم تقريبا. وهي الرغم من أن صنع مثل هذا الملتقط مستحيل على الأرض، فإن لبنائه في الفضاء الخارجي مشاكل أقل بسبب انعدام الوزن. ص: 190.
[25] – كاكو، ص: 191.
[26] – نفسه، ص: 194.
[27] – نفسه، ص: 195.
[28] – تقاس الاستجابة المميزة بالثواني. ويمكن أن تكون لصاروخ كيميائي استجابة مميزة من 400 – 500 ثانية. وتبلغ الاستجابة المميزة لمحرك المكوك الفضائي 453 ثانية. (أعلى استجابة مميزة ثم الوصول إليها لصاروخ كيميائي هي 542 ثانية، وباستخدام وقود خليط من الهيدروجين واللينديوم والفلورين) . أما الاستجابة المميزة للمحرك الأيوني سمارت 1 فهي 1640 ثانية. ووصل الصاروخ النووي إلى استجابة مميزة بحدود 850 ثانية. وستكون الاستجابة المميزة العظمى المحتملة لصاروخ يصل إلى سرعة الضوء. وستكون استجابته المميزة بحدود 30 مليون.
ومن حيث المبدأ فإن الاستجابة المميزة للأشرعة الليزرية ومحركات الرامجت لا متناهية، بسبب عدم احتوائها على وقود صاروخي على الرغم من أن لها مشاكلها الخاصة بها.
كاكو: ص 195-196
[29] – كاكو، ص: 200.
[30] – يقول كاكو: ووفق أحد المقترحات، سيعنى المدفع السككي في الفضاء الخارجي ويمتد إلى ثلثي المسافة بين الأرض والشمس. وسوف يخزن الطاقة من الشمس ثم يفرغها فجأة في المدفع السككي مرسلا حملا يزن 10 طن بسرعة تصل إلى ثلث سرعة الضوء بتسارع يعادل 5000g. ليس من المستغرب الا تتحمل سوى أقوى الحمولات الربوتية مثل هذه التسارعات الهائلة. ص: 203.
[31] – نفسه، ص: 206.
[32] – نفسه، ص: 207.
[33] – نفسه، ص: 210.