حتى المدن تموت .. عندما يطمس العمران معالم التاريخ

الرئيسية » تربية وتكوين » حتى المدن تموت .. عندما يطمس العمران معالم التاريخ

حتى المدن تموت .. عندما يطمس العمران معالم التاريخ

تزايد عدد المدن في العالم وتعاظم عدد سكانها يمثّلان إحدى ظواهر العصر الحديث. ذلك إلى درجة أنه ليس بعيداً عن الحقيقة القول إن المشهد الديموغرافي العالمي يغدو بأغلبيته الساحقة موزّعاً بين« تجمّعات من المدن» وحسب تواتر «متسارع».

وفي مختلف أنحاء العالم الذي نعيش فيه تمثل الحركة العمرانية وبناء التجمعات السكانية والمركّبات التجارية الهائلة وشبكات المواصلات المعقّدة والطرق السريعة وغير ذلك من أشكال التطوّر العمراني السريع أبرز الظواهر اليوم.

هذا الواقع الذي تشهده المدن الغربية اليوم في ظل «العولمة الرأسمالية» يترافق بفرض نوع من «النمطية» في البناء بعيدا عن «الهوية التاريخية» للمدن المعنيّة. هكذا يتم بناء «مجمّعات» هائلة «موحّدة المظهر» إلى حد كبير بحيث تأوي الشركات والمختبرات والتجمعات السكنية ، وعلى أساس القيام بوظيفة أساسية هي «تحقيق الربح» كمعيار واحد.

وهذا ما يشرحه الفيلسوف الفرنسي تييري باكو، الأستاذ الجامعي، المختص بالمسائل العمرانية وتأثيرها على أنماط الحياة الغربية الحديثة في كتابه الذي يحمل عنوان «نكبات في المدن» الذي يشرح فيه أن «المدن تموت أيضا»، كما جاء في عنوانه الفرعي.

الفكرة الأساسية التي يؤكّد عليها المؤلف بأشكال مختلفة هو أن الأرض في المدن كانت مكرّسة لـ«سكن البشر». لكن وظيفتها وما هو أبعد منها، أي هويتها نفسها تغيرت. إذ غدا الهدف منها هو القيام بـ«استثمارات» من أجل «زيادة المردود المادّي». وبالتوازي مع ذلك تراجع البعد الجمالي كثيرا ليحل محلّه مفهوم «الفائدة». وغدت «الضخامة» هي أحد المقاييس الأساسية في بناء «المجمّعات الكبرى» مهما كان الغرض منها.

تتوزّع مواد هذا الكتاب بين سبعة فصول تبحث بمجملها في الكيفية التي يمكن بواسطتها أن ينتج الفن المعماري «نكبات حقيقية» بينما يتم تقديم هذه النكبات على اعتبار أنها بمثابة «دلالات واضحة على الحداثة وعلى مواكبة العالم الذي يسير إلى الأمام. هكذا يتم التعرّض لـ»المجمّعات السكانية الكبيرة« التي يلتقي فيها جمع من البشر ..

ويظلّون غرباء فيما بينهم و»المراكز التجارية« التي تتم فيها ممارسة الأعمال التجارية ولكن »دون أي تبادل إنساني« وناطحات السحاب» كما في نيويورك و«الحياة في مساحات مغلقة» ومواضيع أخرى عرفتها المدن الغربية المتقدّمة منذ عقود طويلة. وفي جميع الحالات على عكس ما كان سائدا، حيث كان «البعد الإنساني» هو الذي يغلب في حياة المجتمعات المدينية.

ويشرح المؤلف أن المسار التوسعي الذي عرفته أغلبية مدن العالم في العصر الحديث قد أدّى إلى «انكفاء الفرد المعني على ذاته» في مجالات مغلقة ارتبطت بالنموذج الرأسمالي للتقدّم. وتمّت ترجمتها في ضواحي العديد من المدن الغربية الكبرى «حيث تقطن أغلبية من المهاجرين».

ويؤكّد المؤلف بأشكال مختلفة في الكتاب على فقدان «المعيار» في توسّع المدن الحديثة.

ويبيّن المؤلف أن القرارات «المعمارية» التي يتم اتخاذها في هذا المجال يمكن أن تؤدّي إلى أفضل النتائج ولكن أيضا إلى أسوأها. ذلك رغم التأكيد على النوايا الحسنة لمن كانوا وراء تلك النماذج. بكل الحالات يبقى المعيار الأهم لمكان السكن هو أن «يستيقظ المعني به كل صباح ويستيقظ معه الأمل»، كما نقرأ.

البيان

شارك:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *