يسعى الأطباء منذ قديم الأزل إلى إيصال الأدوية مباشرة للمناطق المصابة في الجسم، ولذلك تعمل الشركات المصنعة للعقاقير ومراكز البحوث الطبية على ابتكار وسائل تمكن الأدوية من الوصول بدقة للأعضاء أو الأجزاء المريضة.
وفي الآونة الأخيرة ازداد الاهتمام بجزيئات النانو التي يرى العلماء أنها من أفضل وسائل التوصيل، لكنها لا تتوافر حالياً إلا على هيئة حقن؟
في الأسابيع القليلة الماضية، حقق باحثون من معهد ماساشوستس للتكنولوجيا ومستشفى بريغهام آند ويمن في دراسة جديدة اختراقاً كبيراً في هذا المجال باكتشافهم لطريقة تسمح بإيصال جزيئات النانو عبر الفم.
وجزيئات النانو الملأى بالعلاج الكيماوي (الكيموثيرابي)، أو المختلطة بالحمض النووي الريبي (RNA) التي يمكنها طرد جينات معينة، تخضع حالياً لتجارب إكلينيكية تهدف لمعالجة السرطان وأمراض أخرى.
وبعد حقن جزيئات النانو في المرضى عبر الوريد، ترتشح من خلال الأوعية الدموية المسربة التي تحيط بالأورام والنسيج الميت وتفرغ حمولتها في موقع الورم.
وتبحث الدراسة الجديدة التي نشرت في مجلة “ساينس” المتخصصة بالأدوية المنقولة (Translational Medicine) عن بدائل للحقن.
وذكر الباحثون إنهم حققوا اختراقات بحثية كبيرة من شأنها أن تمهد الطريق أمام التوصيل الفموي لهذه الجزيئات العلاجية.
وأوضح الباحثون أن إيصال الدواء عبر الفم برهن على صعوبات وتحديات في السابق، لأنه لا يتمكن من الانتقال من النسيج المعوي إلى مجرى الدم.
وأوضح الدكتور أوميد فاروخزاد الذي شارك في إعداد هذه الدراسة: “ان التحدي الرئيسي يكمن في الكيفية التي نجعل بها جزيء النانو يعبر هذا الحاجز من الخلايا.
ففي أي وقت ترغب فيه الخلايا في تشكيل حاجز تقوم بصنع هذه الروابط من خلية لخلية، وهي عملية شبيهة بجدار الطوب، حيث الطوب هي الخلايا والخليط الإسمنتي هو الروابط، ولا شيء يمكنه اختراق هذا الجدار” . وقد شملت المحاولات السابقة التي كانت تهدف لاختراق هذا الحاجز تكسيره مؤقتاً للسماح للأدوية بالعبور بيد أن هذه الطريقة لا تخلو من مخاطر، لأن البكتيريا الضارة يمكنها أيضاً العبور.
التعلم من المواليد الجدد
وضمن محاولاتهم المتعددة وتجاربهم المتنوعة، أعاد الباحثون دراسة بحث سابق أظهر الكيفية التي يمتص بها المواليد الجدد الأجسام المضادة من حليب أمهاتهم، لكي يدعموا أجهزتهم المناعية . وفي هذه الحالة الدراسية، اكتشف الباحثون أن الأجسام المضادة تعلق بمستقبل مرتبط بسطح الخلية، يسمى ب FcRN، وهذا يضمن لهم الوصول عبر جدار الخلية.
وبتغطية جزيئات النانو ببروتينات Fc “الجزء الذي يرتبط بالمستقبل من الجسم المضاد” تُحمل جزيئات النانو على ال FcRN.
وهنالك تأثيرات كبيرة يمكن أن تحدث، لأن كل جزيء نانو “يصنع من بوليمر بيولوجي غير مؤذي يسمى PLA PEG” يمكنه حمل حمولة دوائية كبيرة في جوفه.
ويوضح الدكتور روهيت كارنيك، أستاذ الهندسة الميكانيكية في معهد ماساشوستس قائلاً: “يمكننا استخدام هذه المستقبلات لنقل جزيئات النانو التي يمكن أن تحتوي أي شيء . وأي جزيء يجد صعوبة في عبور الحاجز يمكن ملئه بجزيئات النانو وتمكينه من المرور”.
ولأغراض البحث، عرض الباحثون تجربة توصيل ناجحة تم بموجبها تمرير أنسولين عبر الفم لفئران.
وقال الباحثون إن جزيئات النانو التي غطيت ببروتينات Fc عبرت لمجرى الدم بطريقة أنجع ب11 ضعفاً بالمقارنة مع جزيئات النانو التي لم تكن مغطاة “أو مغلفة” . وقد كانت جزيئات النانو قادرة على نقل ما يكفي من الأنسولين لإنقاص مستويات سكر الدم وسط الفئران.
ويعتقد الباحثون أن تطبيق المبادئ نفسها لتصميم جزيئات النانو، سيمكنهم من اختراق حواجز أخرى في الجسم، كالحائل الدموي الدماغي ما يمنع كثير من الأدوية من الوصول للدماغ.
ويقول الدكتور فاروخزاد: “إذا تمكنا من اختراق الغشاء في المعدة، قد نتمكن من اختراق الغشاء في الرئتين، وقد نتمكن من اختراق الحائل الدموي الدماغي، والحاجز المشيمي”.
ويقول الباحثون إن هذه الطريقة في توصيل الدواء يمكن أن تسهم بإيجابية في ابتكار أدوية جديدة لأمراض مثل ارتفاع الكوليسترول أو التهاب المفاصل . وفي حين قد يمانع المرضى في القيام بزيارات منتظمة لعيادة طبيب لتلقي حقنة، سيكونون أكثر ترحيباً بأخذ عقاقير جزيء نانو بانتظام.