يبدو أن «تيك توك»، التطبيق الصيني الأكثر تحميلاً، بصدد «ملاحقات جديدة وتهديدات بالحظر»، إذ ذكر خبراء أن دعوات الحظر كانت رفيقته منذ بزوغ التطبيق، لكن الآتي قد يكون أكثر تأثيراً، وهذا ما يثقل التطبيق بمسؤوليات حول ضبط المحتوى. رجحت وسائل إعلام عالمية إخضاع منصة «تيك توك» لقواعد أكثر صرامة في تنظيم المحتوى من قبل الاتحاد الأوروبي. ووفق ما نشرته وكالة «رويترز» للأنباء الخميس الماضي، فإن السبب في ذلك يعود إلى أن «عدد المستخدمين النشطين للتطبيق تجاوز المنصوص عليه بموجب قانون الخدمات الرقمية. وهو قانون يفرض شروطاً صارمة على منصات الإنترنت الضخمة، التي تُميّز بأنها شركات تضم أكثر من 45 مليون مستخدم».
وفي هذا الشأن، قالت كارولين غرير، مديرة السياسة العامة والعلاقات الحكومية في الاتحاد الأوروبي، إنه «يمكن أن تؤدي الانتهاكات التي يسمح بنشرها تطبيق (تيك توك) إلى غرامات تصل إلى 6 في المائة من حجم الأعمال العالمي للشركة المالكة، فضلاً عن عقوبات تدريجية لاحقة».
أما الشركة المالكة فتعهدت من جانبها بـ«بذل المزيد من الجهود لمعالجة المعلومات المضللة على التطبيق، من خلال إضافة المزيد من ميزات الأمان وتوسيع إجراءات التحقق من المعلومات». ووفق «رويترز» أيضاً، أقرت الشركة المالكة بالحاجة إلى تكثيف جهودها. وأردفت أنها «بالفعل أزالت 191 إعلاناً لا يراعي معايير النشر الأوروبية، وربطت المستخدمين بمصادر موثوقة للمعلومات حول جائحة (كوفيد – 19) والحرب الروسية – الأوكرانية وقضايا أخرى».
في لقاء مع «الشرق الأوسط» رأى الدكتور أنس النجداوي، الأستاذ المشارك في جامعة أبوظبي ومستشار الأعمال الرقمية، أن «دعوات الحظر التي تلاحق التطبيق الصيني تعود في الأساس إلى عمق تأثيره». وتابع معلقاً: «النجاح الذي حققه التطبيق خلال وقت قصير، بعدما تخطى حاجز المليار مستخدم، ضاعف قلق الحكومات بشأن التأثير على فئة الشباب، تحديداً، ولا سيما فيما يخص التحريض على العنف ودعوات الانتحار».
وأوضح النجداوي أن مخاوف الحكومات «تأججت بعد اتهامات واجهها التطبيق بشأن تسريب بيانات المستخدمين للحكومة الصينية، وبخاصة، الشركة المالكة (بايت دانس) تخضع لسيطرة الحكومة الصينية، وينص القانون الصيني على أن أي شركة صينية مسؤولة عن توفير البيانات حال طلبت الحكومة ذلك».
للعلم، تهديدات الاتحاد الأوروبي لـ«تيك توك» ليست الأولى. ففي عام 2020 اتهم الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب، التطبيق بـ«تهديد الأمن القومي»، وبالفعل رفع دعوى قضائية لحظره. إلا أن خلفه الرئيس الأميركي جو بايدن ألغى الأمر التنفيذي في يونيو (حزيران) 2021. ثم عادت التهديدات الأميركية تلاحق التطبيق الصيني، وفي ديسمبر (كانون الأول) الماضي، نجح السيناتور الجمهوري المحافظ جوش هولي في الضغط على الأجهزة الفيدرالية من أجل إصدار قرار بحظر «تيك توك». ثم قدّم مشاريع قوانين أوسع في 25 يناير (كانون الثاني) الماضي، من شأنها حظر التطبيق على جميع الأجهزة داخل الولايات المتحدة.
وهنا يرى الدكتور النجداوي أن «ملاحقة التطبيق بالحظر الكلي أو الجزئي أمر رمى بظلاله على سياساته. وبالتالي، على (تيك توك) التحرك لا محالة نحو ضبط المحتوى. ذلك أنه بعد تحركات الاتحاد الأوروبي، لن يجد التطبيق مخرجاً سوى أن تتوافق خوارزمياته مع قوانين الاتحاد الأوروبي وقانون حماية بيانات المستخدمين. ومن ثم يجب اتباع قواعد الشفافية مع الحكومات من جانب، ومن جانب آخر مزيد من الحزم لدرء المحتوى العنيف أو المحرّض الذي يقدم للأطفال والشباب».
من ناحية ثانية، يرى مهتمون وخبراء أن «تيك توك» يقدم نفسه للعالم كمنصة ترفيه، غير أن آثاره السياسية المتعلقة بالانغماس في المسار اليومي للفئات العمرية الأقل تتطلب الحذر. وفي هذا المجال يرى فادي رمزي، مستشار الإعلام الرقمي والمحاضر في الجامعة الأميركية بالقاهرة، أن «تأثير (تيك توك) يسير في ثلاثة محاور، أهمها: استخدام بيانات المستخدمين على نحو مثير للقلق، وتعزيز وجوده بين الفئات العمرية الأصغر، وترسيخ الوجه الترفيهي للمنصة».
ويذكّر رمزي في تصريح لـ«الشرق الأوسط» بأن «للترفيه تأثيراً سياسياً لا يستهان به، والشعبية التي يحظى بها (تيك توك) تعني تأثيراً سياسياً مُبطناً، وتشير الأبحاث إلى أن المحتوى الترفيهي قد يحمل توجيهاً سياسياً أو مجتمعياً عميقاً، وخاصة ضمن الفئات العمرية الأصغر سناً». وفي هذه المسألة، بالذات، تتأكد أهمية تهديدات الحظر على ضبط المحتوى، ولا سيما، بعد تكرار التحديات التي تسمح المنصة ببثها، بل وتُزج بها إلى الواجهة رغم خطورتها على اليافعين والأطفال.
فادي رمزي يشدد على أن التطبيق الصيني «وقع في ورطة»، موضحاً أن «تيك توك» ما زال لا يفصح علانية عن خطوات ضبط المحتوى، لكنه شخصياً لا يتوقع استمراره على هذا بعد تكثّف الملاحقات من قبل الحكومات والمؤسسات. ويشرح: «التهديدات باتت أكثر جدية، مما سيجبر (تيك توك) على اتباع معايير حماية المستخدم، سواء فيما يشمل بياناتهم أو حدود التأثير على سلوكياتهم». وفي لفت إلى جدية الضغوط، أفاد أن الرئيس التنفيذي لـ«تيك توك» سيخضع لاستجواب أمام الكونغرس الشهر الحالي، للمرة الأولى… والمتوقع أن يدلي بتعهدات تجاه سياسات الخصوصية وبيانات المستخدمين.
وحول المتوقع من «تيك توك» بشأن الشفافية والجدية في «ضبط المحتوى». يتوقع النجداوي أن «تأتي الضغوط بنتيجة في صالح حماية المُستخدم، وأن يضطر التطبيق الصيني إلى وضع منهج يحد من الآثار السلبية، مثل إدمان المشاهدة ونشر المعلومات غير المرغوبة مجتمعياً، مع تغيير سياسات المنصة لتتماشى مع سياسات الدول المعنية».
أما رمزي فيتوقع أن يقدم «تيك توك» في المرحلة المقبلة خدمات إضافية تعزز وجوده في الفضاء الإلكتروني. ثم يضيف أن هذا التطبيق «يُعد الأذكى بين التطبيقات فيما يخص الاستثمارات التكنولوجية لتعزيز تجربة المستخدم وتحقيق الرفاهية، وهو عنصر الجذب الذي لم ينجح تطبيق آخر في تحقيقه.
وفضلاً عن ذلك أتوقع أن يثري التطبيق الصيني تجارب المستخدمين بتوسعات مرتقبة، قد تشمل نشاطات التجارة الإلكترونية وربما إطلاق عملة رقمية».
الشرق الأوسط