تتمتع معظم الأسواق العالمية بالفعل بتجربةٍ اقتصاديةٍ متطورةٍ في سوق تقنيات المحاكاة ثلاثية الأبعاد، إلا أنها بدأت تتلقى قبولًا لدى المستهلكين في منطقة الشرق الأوسط مؤخرًا.
وتستعد صناعة المنتجات الفاخرة لتأخذ منحنىً جديدًا خلال الأعوام القليلة المقبلة، وتدعم البيانات شهيتها المتنامية لخوض التجربة، حيث تشير دراسةٌ أجرتها شركة (Hall and Partners) للاستشارات الإستراتيجية للعلامات التجارية، إلى أن %41 من الأشخاص الذين يعيشون في الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية يعتبرون الرفاهية تجربةً غنية، إلا أنهم يرغبون فيما هو أكثر من مجرد منتجٍ فاخر، حيث يتوقعون خوض تجربة تسوقٍ تمتلئ بالرفاهية، مصمَّمةٍ لهم خصيصًا، ويمتد صداها على المستوى الشخصي.
وتقود قاعدة المستهلكين المتنامية من جيل الألفية وجيل (z) الاتجاه نحو التسوق الفاخر القائم على التجربة، ويتزايد بحث هؤلاء المستهلكين الأذكياء عن تجارب مُعدَّة لهم خصيصًا، تَدمِج أنشطتهم عبر الإنترنت مع أنشطتهم في العالم الواقعي، متأثرين بشدةٍ بالتواصل الدائم والبيانات الضخمة والمحاكاة ثلاثية الأبعاد للعلامة التجارية، ولم يعد كافيًا للمستهلك العصري أن يشتري منتجًا ما، ثم يتجه إلى منزله للاستمتاع بقيمة ما اشتراه، بل أصبح يرغب في التواصل مع العلامات التجارية من البداية حتى النهاية، إنهم يرغبون في الشعور بأن العلامة التجارية تفهمهم، ويرغبون في تجربةٍ مستمرةٍ وشخصيةٍ كجزءٍ من المنتج أو الخدمة التي يشترونها.
لقد حان وقت الدخول إلى واقع المحاكاة ثلاثية الأبعاد، إنه إحساس الوجود المادي في عالمٍ اصطناعي، ويعتمد بالأساس على تقنيات الواقع الافتراضي (VR) والواقع المعزَّز (AR)، والتي تُحدث ثورةً في طريقة تفاعل الناس مع العلامات التجارية. وتعتبر تقنيات الواقع الافتراضي (VR) والواقع المعزَّز (AR) أسرع أسواق واقع المحاكاة ثلاثية الأبعاد نموًا في الشرق الأوسط وإفريقيا حاليًا، وتشير التوقعات إلى أنها سترتفع لتصل إلى 6 مليارات دولارٍ بحلول عام 2020، مقابل أكثر من 181 مليون دولارٍ قبل عامين فقط، وذلك وفقًا لشركة (IDC) للمعلومات السوقية، ويُبشر هذا النمو السريع بتغيير طريقة استجابة العلامات التجارية الفاخرة لتطور توقعات مستهلكي هذه المنتجات.
لقد أدى تحسُّن التقنية الرقمية إلى استخدام العلامات التجارية العالمية لتقنيات المحاكاة ثلاثية الأبعاد، إلى جانب البيانات الضخمة وإنترنت الأشياء لتوسيع تجربة العملاء، وكان المستهلكون سابقًا يشعرون بالإثارة عندما يقدِّم لهم موقع أمازون توصياتٍ بمنتجاتٍ مخصصة لهم، أما الآن، فيتوقعون أن تقدم لهم العلامات التجارية محاكاةٍ كاملةٍ ثلاثية الأبعاد. لقد أصبح العملاء يتوقعون تجربة رؤية وملس وصوت ورائحة المنتج أثناء رحلة التسوق، وبخاصةٍ مع العلامات التجارية الفاخرة.
وبدأت الشركات الشرق أوسطية هي الأخرى في الاستجابة لهذه التوقعات، فقد بدأت العلامات التجارية بالفعل في استخدام تقنيات المحاكاة ثلاثية الأبعاد لخلق تجارب محسنةً للعملاء، وتعميق تجربة المنتج، وبناء علاقاتٍ أقوى تمتد لمدةٍ أطول مع المستهلك.
ويُستخدَم الواقع المعزز (AR) – الذي يضيف طبقةً رقميةً على الرؤية الحقيقية – على نطاقٍ واسعٍ في حملات الدعاية عبر وسائل التواصل الاجتماعي، كما تَستخدمه المطاعم التي تقدم قوائم ثلاثية الأبعاد لروادها عبر خدمة (Snapchat World Lenses)، وفي الوقت نفسه، تخترق تقنية الواقع الافتراضي (VR) سوق الألعاب في الشرق الأوسط، والتي تعد ضمن تقنيات المحاكاة ثلاثية الأبعاد بشكلٍ أكبر، وتُستخدَم عادةً عن طريق سماعات الرأس، مثل (HTC Vive) أو (Oculus Rift) أو (Google Cardboard).
ولكن الأهم من ذلك، هو استكشاف العلامات التجارية الفاخرة لطرقٍ متطورةٍ لاستخدام كلٍ من تقنيات (AR) و(VR) لتُقدِّم تجاربًا سهلةً وحصريةً لعملائها في كل مرحلةٍ من مراحل دورة الشراء.
وبالرغم من أن العلامات التجارية الفاخرة في الشرق الأوسط لا تزال متأخرةً بعض الشيء، إلا أنها بدأت في إدراك الإمكانات التي تقدمها المشاركة متعددة الحواس والصدى العاطفي والاتصال الفكري الذي يجلبه التسويق عبر المحاكاة ثلاثية الأبعاد.
وأطلقت شركة الاتحاد للطيران عام 2016 إعلانها الذي يعتمد على تقنية الواقع الافتراضي على موقع (YouTube)، في مسعىً للتميز في مواجهة منافسيها، وبهدف دعم إيراداتها، وكانت الشركة تواجه صعوباتٍ في الحصول على ميزاتٍ تنافسية، نظرًا لأنها أحدث شركات الطيران الخليجية الثلاثة الكبرى، التي تعطي جميعها أولويةً لقطاع الخدمات الفاخرة في السوق.
وأطلقت الشركة حملتها الإعلانية الجديدة بتقنية المحاكاة ثلاثية الأبعاد، وقدمت الإعلان نيكول كيدمان وهي تروج لتجربة (Flying Reimagined)، وعُرض لأول مرةٍ في إطار معرض “سوق السفر العربي”، ثم عرضته الشركة على الصحافة العالمية عبر العرض الحصري من خلال منصة (Google Cardboard)، التي استطاعت نقل المستهلكين – وإن كان افتراضيًا – خلال رحلة طيرانٍ وهمية، تماثل التي يتوقعونها من شركة الطيران في الحياة الواقعية، وقدمت لهم إحساسًا بما يمكنهم توقعه، وهي تجربة سفرٍ فاخرةٍ، لا يمكن أن تجدها في أي مكان آخر، وكانت النتيجة ارتفاع نسبة الضغط على الرابط بنسبة %44 مقارنةً مع الحملات المعتادة لشركة الاتحاد للطيران، ونمو الإيرادات بنسبة %8، وزيادة معدل وصول المتصفحين إلى موقع الشركة عن طريق رابطٍ خارجي بنسبة %25. وتقول ليندا سلستينو، نائب رئيس شركة الاتحاد للطيران لشؤون تقديم وتطوير تجارب الضيوف: “لقد ولَّت أيام تعريف تجربة السفر الفاخر على أنها صالةٌ ممتازة وتصميمٌ مريحٌ ووسائل راحةٍ فاخرة ومأكولاتٌ راقية، لقد أصبح من الممكن أن نطور هذا النوع من التقنيات، لنوفر المزيد من التخصيص والحلول الترفيهية الشاملة التي تشمل كافة الفئات العمرية لعملائنا، مما يعزز استراتيجيتنا المتمثلة في تقديم عددٍ كبيرٍ من الاختيارات في كل مرحلة من مراحل رحلة العميل”.
كما طورت مجموعة جُميرا مؤخرًا تطبيقها الخاص الذي يعتمد على تقنية (VR) لتمكين العملاء من القيام بجولاتٍ باستخدام الواقع المعزز (AR) والواقع الافتراضي (VR) داخل مواقعها باستخدام سماعة رأسٍ من منصة (Google Cardboard) متصلةٍ بهواتفهم الذكية.
وانضمت العلامات التجارية في مجال الموضة إلى هذا الاتجاه أيضًا، مع دخول شركة (YOOX) لتوزيع الملابس عبر الإنترنت – التي يقع مقرها في إيطاليا – في شراكةٍ مع تطبيق (Lumyer) للرسوم المتحركة، لإنشاء تطبيقٍ بتقنية الواقع الافتراضي يستخدم كاميرا الهاتف ليسمح للمتسوقين بتجربة المجوهرات وحقائب اليد.
وأكدت أليساندرا روسي، رئيسة شركة (YOOX)، على موقفها التقدمي نحو تجربة العملاء قائلةً: “يحتل الهاتف المحمول موقعًا مركزيًا في ما نقوم به، ويسعدنا الدخول في شراكةٍ مع تطبيق (Lumyer)، مما يجعلنا أول تاجر تجزئةٍ يستخدم منصتهم، ونعتقد أن عملاءنا سيستمتعون عبر هذه الشراكة بتجربة تجزئةٍ أكثر جاذبيةٍ ومرحٍ باستخدام الهاتف المحمول”. كما شاركت علاماتٌ تجاريةٌ فاخرة أخرى في استخدام هذه التقنية، وكان من بين من استخدموا تقنيات المحاكاة ثلاثية الأبعاد للوصول إلى عملائهم، كل من (Armani) و(Bulgari) و(Baccarat) و(Ralph Lauren).
لقد وفرت التجارب السابقة الأساس اللازم للشركات الأخرى التي ترغب في تعزيز مكانتها في سوق المنتجات الفاخرة، والحفاظ على العملاء المميزين المتزايدين في الشرق الأوسط، لوضع خطة تحركٍ واضحة، مع التوصل سريعًا لاستنتاجٍ مفاده أن تقنيتَي الواقع الافتراضي والواقع المعزز تقدم شيئًا فريدًا ومثيرًا، مع بحث المستهلكين عن طرقٍ جديدةٍ ومثيرةٍ لإنفاق أموالهم.
إلا أن تطور الطرق التي يتواصل بها الناس مع العلامات التجارية يعد أمرًا أكثر أهمية، حيث ترغب قاعدة المستهلكين الأكثر شبابًا – والمستعدة للإنفاق ولديها درايةٌ بالتقنية – في اختبار تجربة تسوقٍ محسنةٍ ومخصصةٍ لهم، إنهم يتوقعون أن يشعروا بارتباطٍ عميق مع العلامات التجارية في جميع مراحل رحلة الشراء، وعند كل نقطة اتصالٍ مع العلامة التجارية التي اختاروها.
وتُمكِّن تقنيات المحاكاة ثلاثية الأبعاد العلامات التجارية من الوفاء بهذه التوقعات، ويمكن توظيف إستراتيجيات الواقع المعزز (AR) كجزءٍ من التسويق الاجتماعي، حيث يمكن بناء صالات العرض الافتراضية على مواقع الإنترنت الخاصة بالعلامات التجارية للسماح للعملاء باستكشاف المتاجر الفعلية بشكل افتراضي، كما يمكن تطوير تطبيقات “جرِّب قبل الشراء” للسماح للعملاء بتجربة الملابس وموضة الشعر والأحذية والنظارات الشمسية، وغيرها من المنتجات.
وتواجه العلامات التجارية تحديًا للاستمرار في تطوير تجارب مثيرةٍ وحصرية. وأدى انخفاض تكاليف التقنية إلى حدوث تشبعٍ في السوق بشكلٍ كبير، ويتوقف كل ذلك على مدى اعتماد المستهلك على العلامة التجارية، وذلك وفقًا لـ “شوجات ميرزا” رئيس فرع دبي في جمعية (VR/AR Association) الذي يقول: “ستسمح العلاقة بين الشركات والمستهلكين بالاعتماد الواسع على التقنية، وستجذب العلاقة بين الشركات بعضها البعض المشروعات الخاصة، مما سيشكل دفعةً لصناعة الواقع الافتراضي والعلاقات العامة الضرورية، وستوفر الحلول التقنية للمؤسسات الاستثمارات، بينما سيخلق المحتوى الذي يولِّده المستهلك القبول والانتشار”
فوربس ميدل ايست