في عام 1982، نجح كل من هانز ثولستروب، ولاري بيركنز وهما من الرواد في مجال الطاقة الشمسية في أستراليا في تحقيق رؤيتهما بتصنيع سيارة مصنوعة منزلياً تعمل بالطاقة الشمسية وقيادتها عبر أستراليا من الغرب إلى الشرق. وبعد هذا الإنجاز، حث هانز الآخرين على استكشاف حدود النقل الذي يعمل بالطاقة الشمسية. ومنذ عام 1987 إلى اليوم تستضيف أستراليا سنوياً سباق «World Solar Challenge» أو ما يعرف بالسباق العالمي للسيارات التي تعمل بالطاقة الشمسية، حيث تلتقي فرق من الجامعات والمؤسسات وتتنافس على قطع مسافة 3021 كيلومترا عبر أستراليا.
تلك السيارات ما هي إلا أحد التطبيقات الواعدة لمصدر متجدد، لا ينضب، صديق للبيئة ومصدر واعد لحل المشاكل التي تتعلق بأزمة الطاقة مستقبلاً. هذا المصدر هو الشمس. وكان تقرير صادر في عام 2017 من وكالة الطاقة الدولية قد أشار إلى أن الطاقة الشمسية أصبحت المصدر الأسرع لتوليد الطاقة في العالم، ولأول مرة يتفوق فيها نمو الطاقة الشمسية على كل أنواع المصادر الأخرى.
ولعل من أبرز المحطات الزمنية للخلايا الشمسية كانت في عام 1839 عندما اكتشف العالم الفرنسي إدموند بكوريل أنه في حال تعرض قطب كهربائي للضوء ومغموس في محلول موصل ينتج تيارا كهربائيا، وبعد ذلك وفي عام 1941 تمكن المخترع الأميركي روسل أوهل من إنتاج أول خلية شمسية مصنوعة من السيليكون.
جيل جديد من الخلايا
اليوم وبرغم أن تطبيقات الخلايا الشمسية توسعت بشكل كبير في مختلف الميادين سواء في المباني أو الزراعة وتوليد الطاقة الحرارية والكهربائية فإن تكلفة إنتاج تلك الخلايا المعتمدة على السيليكون لا تزال تعد من أهم العوائق أمام التوسع في استغلالها. ومن هنا فقد أدرك العلماء أن التحدي الأكبر هو زيادة القدرة التحويلية للخلايا الشمسية وتخفيض تكلفة إنتاجها.
وخلال السنوات القليلة الماضية برزت مركبات البيروفسكايت الهجينة كمكون أساسي في الخلايا الشمسية منخفضة التكلفة، عالية الكفاءة، لأنها أرخص ثمناً وأسهل في معالجتها، مقارنة بمواد الخلايا الشمسية التقليدية المعتمدة على السيليكون والمستخدمة حاليا. إضافة إلى ذلك، تتميز هذه المواد بخصائص إلكترونية بصرية فريدة من نوعها – من بينها الامتصاص عالي الكفاءة للضوء وتحمّل العيوب – ما يقود إلى خلايا شمسية تتميّز بكفاءة قصوى في تحويل الطاقة، تتراوح بين 24 إلى 28 في المائة عند استخدامها بمفردها أو في مزيج ترادفي مع السيليكون، وبذلك تتفوق أيضاً على الخلايا الشمسية أحادية الوصلات المعتمدة على السيليكون.
ويمكن لخلايا البيروفسكايت الشمسية، أن تكتسب كفاءة إضافية بفضل فهم دقيق على المستوى الذري للعلاقة بين بنية وخصائص هذه المواد الكهروضوئية. وفي هذا الشأن راقب باحثون من مركز الطاقة الشمسية بجامعة الملك عبد الله للعلوم والتقنية (كاوست) تأثير التغيرات التركيبية في التنظيم البنيوي والخواص الكهروضوئية لأغشية البيروفسكايت الرقيقة على الطبيعة.
ويُذكر أن أداء الخلايا الشمسية واستقرارها يعتمدان على تكوين الأغشية الرقيقة، لا سيِّما قدرتها على التبلور في المرحلة المسماة «الفاعلية الضوئية ألفا» (photoactive α – phase)، وهي بلغة البرمجيات تعني أن الوحدة في هذه المرحلة جاهزة نوعاً ما لأن تستخدم من طرف ثالث. تميل مركبات البيروفسكايت التي تحتوي على الرصاص إلى الجمع بين هاليدات (أيونات سالبة الشحنة) مختلفة، مثل الأشكال الأنيونية سالبة الشحنة من البروم واليود، مع مزيج من ميثيل الأمونيوم، والفورماميدينيوم، والسيزيوم، وغيرها من الكاتيونات (أيونات موجبة الشحنة).
وأدَّت هذه المركبات إلى الوصول لأرقام قياسية في كفاءة تحويل الطاقة والاستقرار الحراري. إلا أن أغشية البيروفسكايت مختلطة الهاليدات، ومختلطة الكاتيونات لم يمكن توصيفها إلا من خلال تقنيات ما بعد الترسيب خارج الموضع. وهذا يحدّ من فهم الآليات التي تحكم نموها من طلائعها الهلامية السائلة إلى حالتها الصلبة، ويعيق محاولات تحسين أداء الجهاز واستقراره.
أداء أفضل
وفي محاولة لإزالة هذه العوائق، درس الدكتور ستيفان دي وولف، أستاذ هندسة وعلوم المواد المشارك، وطالب ما بعد الدكتوراه لديه، الدكتور كاي وانج، وزملاؤه تأثير الكاتيونات، والهاليدات، وتقطير مضادات المذيبات، في أغشية البيروفسكايت مختلطة الهاليدات ومختلطة الكاتيونات.
وتتبّع الفريق التطوّر البنيوي للأغشية في أثناء عملية الترسيب بالتغليف الدوراني باستخدام تقنية بعثرة الأشعة السينية في الموضع. سبرت تقنية الأشعة السينية الأغشية على المقياس الذري، من طليعتها الهلامية السائلة وحتى حالتها الصلبة، وقدَّمت معلومات بشأن تشكيل الوسائط البلورية في أثناء عملية التصلب. كذلك دمج الباحثون الأغشية في خلايا شمسية وقيَّموا أداء الأجهزة الناتجة ومدى استقرارها.
يقول وانج: «توفّر دراستنا أفكاراً مهمة بخصوص بَلْوَرة الأنظمة متعدّدة المكونات لتتحول إلى خلايا شمسية عالية الأداء من البيروفسكايت». وقد أثرت التغيرات في تركيبات الهاليد والكاتيون بشدة على تصلب طلائع البيروفسكايت خلال عملية التغليف الدوراني، والتشكّل اللاحق للمرحلة ألفا المرغوب فيها عند إضافة مضادات المذيبات.
وتشير نتائج الدراسة إلى اتجاهات جديدة لتطوير تركيبات البيروفسكايت التي يمكنها أن تزيد من استقرار الحالة الهلامية السائلة، وتعزّز تحوّلها إلى مرحلة البيروفسكايت المرغوب فيها. وعن أهمية هذا البحث يوضح وانج أنه أمر حاسم من أجل إنتاج خلايا بيروفسكايت شمسية تتميز بأداء أفضل، وقابلية إعادة الإنتاج، والجدوى الاقتصادية، وقابلية التوسع في التصنيع.
وللبناء على ما تحقق من نتائج، يعمل الفريق على نقل هذه المعرفة إلى تقنيات ترسيب أخرى من أجل التقدم نحو إنتاج خلايا بيروفسكايت شمسية جاهزة للطرح في الأسواق.
الشرق الأوسط