تجربة مناخية تسخِّن قاع بحر القطب الجنوبي

الرئيسية » علم وحضارة » تجربة مناخية تسخِّن قاع بحر القطب الجنوبي

تجربة مناخية تسخِّن قاع بحر القطب الجنوبي

بدأ المستقبل بالفعل في جزء صغير من قاع بحر القطب الجنوبي. ويرجع الفضل في ذلك الى تجربةٍ، وُضعت فيها صفائح تسخين كهربائية في قاع المحيط. تُعَدّ هذه التجربة الرائدة واحدة من أكثر تجارب احترار المحيط واقعية وصعوبة من الناحية الفنية حتى الآن، كما يقول الباحثون، وهي تفتح سبلًا جديدة لاستكشاف كيفية تأثير احترار المحيطات على النظم البيئية البحرية.

في الأربعين عامًا الماضية، ازداد دفء مياه السطح بالمحيطات الأرضية بمقدار 0.4 درجة مئوية في المتوسط، نتيجة للتغير المناخي. وإذا استمرت انبعاثات الغازات الدفيئة بوتيرتها الحالية، حسب تنبؤ النماذج؛ فقد يصل الاحترار الى درجتين مئويتين بحلول عام 2100، لكنْ لا يعرف الباحثون سوى القليل عن الكيفية التي سوف تستجيب بها الأنظمة البيئية في المحيطات، وتصل درجات عدم اليقين في هذا الشأن إلى حدها الأقصى في المناطق القطبية، التي لا يتوفر عنها سوى القليل من البيانات الميدانية، كما تقول جيل أشتون، عالمة البيئة البحرية في مركز سميثسونيان للأبحاث البيئية في تيبورون بكاليفورنيا.

حَفَّزَت هذه الفجوة في البيانات أشتون وزملاءها على القيام بتجارب التدفئة الاصطناعية الخاصة بهم. بدأ عملهم في عام 2014، حين قام الغواصون بتنصيب 12 لوحًا على عمق 15 مترًا تحت سطح الماء على قاع بحري مسطح بالقرب من محطة روثيرا للبحوث، التابعة لهيئة مسح القطب الجنوبي البريطانية (BAS)، على جزيرة صغيرة قبالة الساحل الغربي لشبه الجزيرة القطبية الجنوبية. تم تسخين أربع من هذه الصفائح، بحيث تكون درجة حرارتها زائدة دائمًا بمقدار درجة مئوية واحدة عن درجة حرارة المحيط – التي تتراوح في تلك المنطقة بين -2، و+2 درجة مئوية خلال العام – كما تم تسخين أربع صفائح أخرى حتى درجتين مئويتين فوق درجة حرارة المحيط. وتُركت الصفائح الأربع الأخيرة من دون تسخين، لاستخدامها كضوابط.

تمكَّن الغواصون – باستخدام الكاميرات – من مراقبة كيفية استعمار هذه الصفائح من قِبَل مجموعة الكائنات الموجودة عادة في قاع البحر، مثل اللافقاريات المجهرية، والإسفنجات. وكان يُفترض أن تستمر هذه التجربة لمدة عامين، لكنها انتهت بعد تسعة أشهر، حين حَطَّمَت الجبال الجليدية كابلات تزويد الطاقة. ومع ذلك وجد الباحثون فوارق كبيرة ومفاجئة بين الصفائح، حسب قول أشتون، التي أضافت قائلة: “كنتُ آمُل أن نتمكن من ملاحظة بعض الفوارق الطفيفة بعد التحليل الدقيق للصور، لكنني لم أتوقع أبدًا أن تأثيرات التدفئة ستكون ملاحظتها بالعين المجردة سهلةً بهذا الشكل”.

تتنبأ النظرية الاستقلابية بأنّ معدلات النمو الحيوي تزيد بحوالي 10% لكل درجة مئوية من الاحترار، لكنْ هناك أنواع نمت  في الصفائح التي تم تسخينها بسرعةٍ بلغت ضِعْف سرعة نموها على الصفائح التي استُخدمت كضوابط، حسب ما أوردته أشتون وزملاؤها في دورية Current Biology “كارنت بيولوجي”  (G. V. Ashton et al. Curr. Biol. http://doi.org/ccnm; 2017). واستقرت مجتمعات مختلفة تمامًا من الحيوانات على السطوح المسخنة. عند ضبط الاحترار عند درجة مئوية واحدة، سيطر نوع يسمى Fenestrulina rugula –وهو نوع من اللافقاريات التي تتغذى بالترشيح يسمى حيوان طحلبي- على التكوين الحيواني للمنطقة بشكل كبير، حتى أن التنوع الحيوي لكل الأنواع الموجودة على الصفيحة انخفض. وتشير النتائج  إلى أن الأنواع الموجودة في أسفل الشبكة الغذائية البحرية تستطيع التأقلم مع الاحترار بدرجة أو درجتين، كما تقول أشتون، خاصة أن ذلك يحدث على مدار عقود من الزمن، لكن درجة الغِنَى النوعي أو التنوع قد تتأثر، وقد تسيطِر أنواعٌ على حساب غيرها.

“إنّ النتائج مثيرة جدًّا ومحفزة”، كما يقول كريج سميث، عالِم البيئة البحرية في جامعة هاواي في مانوا. ويضيف قائلًا: “تشير النتائج إلى أن احترار المناخ في الخمسين سنة المقبلة في القطب الجنوبي قد يغيِّر بصورة كبيرة التنوعَ الفريد للنظم البيئية في تلك المنطقة”.

ومن جانبه، يقول سايمون مورلي – عالِم الأحياء البحرية، الذي يعمل مع هيئة مسح القطب الجنوبي البريطانية في كامبريدج بالمملكة المتحدة، والذي شارك في كتابة الدراسة – إن الفريق ينوى توسيع نطاق نتائجها. وكان ينوي البحث في شهر سبتمبر الماضي عن موضع اختبار قرب محطة بحوث المنطقة القطبية الجنوبية الكندية العليا في خليج كامبريدج.

أما بوريس وورم، عالِم المحيطات في جامعة دالهاوسي في هاليفاكس بكندا، فيقول: “ينبغي إجراء المزيد من هذه التجارب؛ لكي نستطيع التعميم، والوصول إلى استنتاجات أوسع نطاقًا”. ويضيف: “كل واحدة من هذه التجارب ضرورية لتحدِّي افتراضاتنا البسيطة حول الكيفية التي يمكن لتغيُّر المناخ أن يغيِّر بها شكل العالم الذي نعيش فيه”.

NATURE الطبعة العربية

شارك:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *