"تاريخ المغرب: تحيين وتركيب"؛ مؤلف جامع لتاريخ المغرب حتى نهاية القرن 20

الرئيسية » أخبار » “تاريخ المغرب: تحيين وتركيب”؛ مؤلف جامع
لتاريخ المغرب حتى نهاية القرن 20

أصدر المعهد الملكي للبحث في تاريخ المغرب مؤلفا جامعا يتناول مجمل تاريخ المغرب حتى نهاية القرن العشرين٬ بعنوان: “تاريخ المغرب : تحيين وتركيب”٬ هو خلاصة مجهود أكاديمي شاق تعبأت له طواقم بحثية كبيرة وفق مقاربة متعددة التخصصات٬ في أفق تقديم قراءة مغربية علمية لتاريخ المغرب.

ويعد هذا الكتاب الضخم دراسة شمولية تعتمد النتائج المستخلصة من أحدث الأبحاث العلمية ارتكازا على مقاربة تداخلية جمعت بين نخبة من المؤرخين وثلة من الباحثين المنتمين لحقول متنوعة تجمع بين الجغرافية والاقتصاد والأنتروبولوجية والعلوم السياسية واللسانيات والسوسيولوجيا بالإضافة إلى الهندسة المعمارية وتاريخ الفن٬ في أفق قراءة جديدة متفتحة لتاريخ المغرب.

فقد تعبأ لانجاز هذا المجلد الذي يقع في 820 صفحة تتخللها 37 خريطة و166 رسما توضيحيا٬ زهاء خمسين مشاركا انتظموا جميعا داخل فرق بحث تمتاز بتنوع الاهتمامات وإن كان يجمع بينها نفس التوجه والمقاربة. هي خطوة علمية جبارة في اتجاه تملك الذاكرة الوطنية وتحيين المتون التاريخية التي حقبت لمسار المغرب٬ كجغرافيا ومجتمع٬ بعد أن كانت جل المراجع العلمية المتصلة بتاريخ البلاد سليلة المشاريع البحثية ذات المنظور الكولونيالي. وهو من هذه الزاوية٬ مشروع وطني استند على كفاءات بحثية مغربية خالصة٬ متشبعة بأحدث المناهج والخبرات والمقاربات العلمية في هذا المجال.

ويؤكد مدير المعهد الملكي للبحث في تاريخ المغرب٬ محمد القبلي٬ أن الكتاب أول قراءة مغربية لتاريخ المغرب٬ علما بأن المؤلفات المتداولة في الأوساط البحثية من انجاز أجانب-أو اقتصرت على إشراك بعض المغاربة- كما أن آخر مؤلف في هذا المجال يعود إلى سنة 1967٬ وكل الكتابات التي ظهرت لاحقا ذات منظور تجزيئي وقطاعي للتاريخ المغربي.

إنه كتاب أكاديمي ومواطن كذلك- يقول القبلي لوكالة المغرب العربي للأنباء- أهميته في طابعه الشمولي٬ حيث المجتمع يحضر إلى جانب السياسة٬ فضلا عن تقفي مسارات الاقتصاد والفن والمعمار وغيرها من المجالات. لا ينفي القبلي أهمية التراث العلمي الكولونيالي٬ فالكتاب ينطلق منها٬ لكن يتعامل معها بطريقة نقدية٬ تثمن نتائجها العلمية وتنسب خلاصاتها. إنه مشروع يتجاوز المنظور الانقسامي الذي هيمن على البحوث الكولونيالية التي طالما قسمت المغرب إلى ثنائيات : أمازيغ/عرب٬ المخزن/السيبة…الخ٬ بينما تستند الدراسة الجديدة إلى رؤية للمغرب كموقع جغرافي يجعله ممرا بين القارات وملتقى للحضارات.

وقد ضم الإصدار الذي يعد باكورة الانجازات العلمية للمعهد٬ عشرة فصول٬ تناول أولها المجال الجغرافي بمختلف مكوناته الجهوية مع إبراز الدور الحاسم للديناميات الجيولوجية في التفرد الجغرافي والتنوع الطبيعي-البيئي للبلاد.

وغطى الفصل الثاني عصور ما قبل التاريخ اعتمادا على دراسة البقايا العظمية البشرية وتحليل المستحاثات الحيوانية والبقايا النباتية المستدقة والأدوات الحجرية والفخار والرسوم الصخرية وأدوات الزينة والبنيات السكنية والفضاءات الجنائزية.

أما الفصل الثالث فقد تناول أوضاع المغرب في علاقتها بظرفية العالم المتوسطي قبل الإسلام٬ أي في علاقة الممالك المورية مع استقرار الفينيقيين بالسواحل ابتداء من القرن الثامن قبل الميلاد٬ وما عرفه المجال بعد ذلك من ظروف طبعتها المواجهة بين قرطاجة وروما بصفتهما أكبر قوتين معاصرتين٬ وذلك قبل خضوعه كبقية البلاد المجاورة للهيمنة الرومانية التي عمت الحوض المتوسطي بأكمله٬ وهو خضوع لم يحل بين نفس المجال وبين ظهور قوى سياسية محلية في نهاية هذه الفترة وبداية الفترة الإسلامية.

وانكب الفصلان الرابع والخامس٬ على رصد التطورات السياسية والحياة الاجتماعية والحضارية عموما بالمغرب الوسيط. وإذا كان الفصل الرابع قد ركز على تعاقب الكيانات المحلية قبل بروز الدولة المركزية وتبلور نزوعها نحو التوسع ببقية مجال المغرب الكبير٬ فإن الفصل الموالي قد وقف عند الحياة الاجتماعية من مختلف زواياها الدينية والاقتصادية والثقافية والحضارية. وقد اختتم هذا الفصل بالوقوف عند أبرز المكونات الحضارية على مستوى الهندسة والفنون والمعمار من غير إغفال لمظاهر التأثير والتأثر بين المغرب ومحيطه الإقليمي في هذا المضمار.

ونظرا لأهمية المنعطف الحاسم الذي عرفه القرن الخامس عشر٬ فقد خصص له مجمل الفصل السادس حيث تم الانطلاق من بداية احتلال السواحل وما واكب هذا الاحتلال من اختفاء دول العصبيات الكبرى بزوال الدولة المرينية وتعدد الزعامات المحلية قبل التشديد على تحجر الهياكل الداخلية والبنيات الاجتماعية والاقتصادية. وموازاة مع هذا٬ أمكن رصد الظروف التي مهدت لازدياد مكانة الشرفاء وما ترتب عن هذه الظرفية من ظهور دولة الأشراف السعديين. أما المستجدات التي عرفتها الفترة الطويلة اللاحقة التي شهدت تعاقب الأشراف السعديين والعلويين على الحكم وهي مستجدات تميزت بدخول المغرب في علاقات غير متكافئة مع البلاد الأوروبية وتعاظم الضغط الأجنبي وانخراط الدولة في سياسة إصلاحية همت تحديث الجيش والإدارة بالدرجة الأولى٬ فقد خصص لها الفصلان السابع والثامن.

وتناول الفصل التاسع الوضع الاستعماري بالمغرب وما شهده المجال الترابي من تحولات جذرية على مستوى المساحة والحدود ثم على مستوى البنيات الاجتماعية والديموغرافية والإدارية. وقد أبرز هذا الفصل كيف سخر مسلسل التحديث لخدمة المستعمر بالدرجة الأولى٬ مما أدى في النهاية إلى اصطدام المستعمر الفرنسي مع رمز السيادة المغربية ونفي ملك البلاد وعودة المغاربة إلى المقاومة المسلحة٬ قبل أن تضطر الدولة الحامية إلى التراجع والاعتراف باستقلال المملكة سنة 1956.

وفي الأخير٬ خصص الفصل العاشر لتتبع التحولات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية بالمغرب المستقل إلى سنة 1999٬ وذلك من خلال قراءة تركيبية تقوم على تحديد معالم كل من القطيعة والاستمرار بالقياس إلى الزمن الماضي٬ مع أخذ المسافة الكافية عند استعراض الأحداث القريبة من الزمن الحاضر.

وبجانب هذا٬ تجدر الإشارة إلى أنه تم الوقوف عند مختلف التجليات الثقافية والفنية في مستوييها الأكاديمي والشعبي دون إغفال القضايا السياسية والتنموية التي تشغل بال المواطن منذ حصول المغرب على الاستقلال.

وجدير بالذكر أن هذا المشروع العلمي تطلب خمس سنوات من العمل الشاق٬ انطلق في فبراير 2006 بالاتفاق على الخطاطة العامة مرورا بتحرير وتقييم وتصحيح الصيغة الأولى وصولا إلى المراجعة النهائية وإعادة الصياغة من قبل هيأة التحرير.

مسارات – و.م.ع

شارك:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *